«مهرجان الجونة».. مناظر بلا قصة.. وأشياء أخرى..!

فى الوقت الذى بدأت كاميرات البرامج الليلية فى النقل المباشر لما يجرى هناك، ظن مشاهدو التليفزيون أنهم سيستمتعون بمشاهدة افتتاح «مهرجان الجونة السينمائى» فى جولته الثانية، إلا أنهم فوجئوا بأن هذه الكاميرات قد أخطأت الطريق وبدأت فى نقل وقائع «مهرجان للأزياء» وإن كان من الأصح وصفه بـ«مهرجان اللانجيرى أو الملابس الداخلية»..!

مذيعات تنازلن طواعية عن المنافسة بينهن فى توجيه الأسئلة لضيوف برامجهن -بصرف النظر عن عمق هذه الأسئلة أو سطحيتها- وتوحدن جميعهن فى توجيه أربعة أسئلة فقط لنجمات السينما كما لو كان فريق واحد للإعداد قد تولى كل هذه البرامج «بالجملة»..!

لم تختلف مذيعة واحدة عن زميلتها لتسأل عن نوعية الأفلام التى ستعرض خلال هذا المهرجان والقضايا التى يعالجها أو نقاط الاختلاف بين هذه الدورة وسابقتها، بل كانت جميع الأسئلة موحدة بدرجة لافتة للانتباه وكلها تدور حول اسم مصمم الأزياء الذى صمم زِىّ النجمة.. و«الكوافير» الذى أبدع تسريحة الشعر.. و«الماكيير» صاحب اللمسة الساحرة على ملامح وجه النجمة.. و«الجواهرجى» الذى «تلمع» منتجاته سواء فى أذن النجمة أو عنقها..!

وبدورهن بدأت النجمات فى الإجابة عن هذه الأسئلة بكل فخر وكان ينقص كل منهن أن «تدندن» بموسيقى تصويرية قبل أن تذكر اسم الكوافير أو مصمم «ما كان مفروضاً أن يكون» فستاناً..! وهكذا انتهت القنوات التليفزيونية من نقل وقائع الافتتاح دون أن تضيف أى من المذيعات أى معلومة حقيقية للمشاهد!

وإذا كان الهدف من إقامة المهرجان أن نؤكد للعالم أن مصر لا تزال «هوليوود الشرق» وبالتالى نسترد ريادة قوتنا الناعمة بين الدول، وأن نؤكد أن مصر دولة آمنة حتى نسترجع نصيبنا العادل من حركة السياحة العالمية الذى فقدنا منه الكثير عبر السنوات الماضية، فإن ذلك لم يتحقق منه شىء، إذ جاء المهرجان أشبه بأفلام المقاولات «مناظر دون أى قصة»!

وإذا كان الأمر قد انتهى بهذه الصورة السلبية، فقد كان أولى بملايين الجنيهات -التى جرى تبديدها فى الإعداد لهذا «المسخ» بصرف النظر عن أنها أموال خاصة وليست عامة- أن تذهب إلى أى مستشفى لعلاج غير القادرين أو إلى صندوق «تحيا مصر» لإنجاز أى مشروع يقدم خدمة للمواطنين..!

وهكذا فإن دفتر أحوالنا يموج بتناقضات حادة‏.. يجمع بين دفتيه الأبيض والأسود فى وقت واحد دون إرهاق‏.. تتقاطع فيه دوائر الألم والأمل دون عناء‏.. ‏ وأخيراً أصبح يسر عدواً فقط ولا يُرضى حبيباً.. بسبب ممارسات بعضنا‏:

‏- نطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية ونتشدق بضرورة حماية محدودى الدخل ونصفهم بأنهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وفى نفس الوقت نسارع إلى إرهاقهم بكل الأعباء المالية فى حين أننا لا نقترب من الأغنياء، إذ تلجأ الحكومة دائماً إلى التفتيش فى جيوب هذه الفئة التى تكاد تكون الوحيدة التى تسدد ضرائبها بانتظام وتتحمل «سعار الأسعار»!

‏- دين واحد تجمعنا فروض صلواته اليومية الخمس‏.. ويشعل آخرون شمعة أمام تمثال العذراء فى أى كنيسة.. تلفنا أجراس الكنائس وترنيمات الأحد‏ وأذان المساجد.. ‏لغة تشكل حروفها الثمانية والعشرون حدوداً تضمنا معاً‏.. ثقافة واحدة تصوغ كامل وجداننا وترسم آمالنا وتوحد آلامنا‏.. سمرة تصبغ درجاتها المتباينة ملامح وجوهنا فلا تدفع بالآخر لأن يفكر للحظة واحدة إلى أى مكان ينتمى‏.. ومع كل ذلك لا ننجح فى الاتفاق سوى على الاختلاف‏.. وأصبحنا اليوم نختلف حتى على الاختلاف!

- نعانى من إرهاب «جماعة الإخوان» الذين تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء من أبنائنا، ونقدمهم إلى المحاكمة وتُصدر أحكاماً نهائية بإدانتهم وإعدامهم ولا نقترب من أى أحد فيهم على الرغم من أن الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة دائماً!

- نعانى من الفساد فى مجالات كثيرة وبخاصة فيما يتعلق برغيف الخبز، ونكتشف فساد أصحاب الأفران وبعض مسئوليها، ويكتفى وزير التموين بالاعتراف بأن «هناك غياباً لمواصفات الرغيف وما خفى كان أعظم» كما لو كانت مواصفات الرغيف من مسئوليات المواطن وليست وزارته..!

- نشكو بل نصرخ من ارتفاع الأسعار وتدنى مستوى المعيشة وننافس «بيل جيتس» فى الإنفاق بدرجة دفعت بعضنا إلى ‏إحراق أكثر من أربعة مليارات فى «الرغى» فى التليفونات -المحمول منها أو الأرضى- كل عام‏.. ‏ وأكثر من مليار جنيه تلمع على رؤوس شبابنا قيمة «جيل الشعر»‏.. ونحو ‏17‏ مليار جنيه تتطاير سنوياً مع «دخان المخدرات‏».. كل ذلك ولا نزال نشكو -ومعنا كل الحق- من ارتفاع الأسعار!

- تدمع عيوننا تعاطفاً مع مرضى لا يجدون لهم علاجاً فى المستشفيات الحكومية، ونغرق فى سيل من الإعلانات التليفزيونية للتبرع لهذه المستشفيات أو توفير الطعام للمعدومين وبخاصة فى شهر رمضان، لتلاحقنا بعدها إعلانات عن كومباوندات لا تقل أسعار وحداتها عن الملايين..!

- نعانى من ندرة العملات الأجنبية ونهدر الملايين منها فى استيراد كل ما هو تافه، بدرجة وصلت إلى «أستك» النقود.. ويتسابق البعض منا إلى إحراق نحو 111 ملياراً من الجنيهات فى شراء «فيلات» فى الساحل الشمالى لن يمضى فيها أكثر من أسبوعين سنوياً!

- يهددنا شبح «الموت عطشاً» بسبب ندرة المياه ونهدر ملايين الأمتار المكعبة منها بسبب تسربها من «حنفيات» المدارس والمساجد والمصالح الحكومية، بل وأحياناً فى المنازل!

‏- نستنكر ما نسميه غياب الانتماء أو ضعفه لدى الشباب فى حين نتركه نهباً لغول البطالة‏.. وفى أحيان أخرى نلقى به فى قاع البحر المتوسط بعد أن ندعو أسماكه إلى وليمة من لحمنا‏!‏

- يصرخ بعضنا، وبخاصة ممن لا يرقى إليهم أدنى شك، بحتمية مطاردة الفاسدين وتطهير الدولة منهم بعد أن يكون قد اطمأن على أن «الرشوة» قد استقرت فى حسابه البنكى، بينما يفاجئنا أبطال الرقابة الإدارية بإلقاء القبض عليهم متلبسين بالصوت والصورة خلال اتفاقهم على قيمة الرشوة التالية..!

- نتعهد بأن نبدأ تطويراً شاملاً للتعليم دون أن نراعى البيئة اللازمة لتحقيق ذلك من كثافة الفصول وإعداد البنية التحتية للمدارس لضمان نجاح هذا النظام ونكتفى فقط بـ«التابلت» ونعتبره «عصا موسى» التى ستشق الطريق أمام نجاح هذا التطوير.

ألم أقل من البداية إن دفتر أحوالنا لا يسر سوى «العدو» بعد أن يستثنى كل من هو «حبيب»..!