مَن يربى أبناء المصريين؟

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

لا أقصد بهذا العنوان إساءةً لجموع الشعب المصرى العريق، لكننى بكل تأكيد أقصد التعليق على بعض السلوكيات التى شاعت مؤخراً، إننى لا أستطيع أن أخفى حسرتى وألمى على تلك السلوكيات اللا إنسانية التى تتكشف على صفحات وسائل التواصل الاجتماعى، وما زلت أتابع متألماً ذلك القدر من القسوة، الذى انهال به العديدون تعليقاً على صورة لفنانة مصرية أفادت الأخبار عن زواجها بأحد أكبر نجوم الغناء فى مصر، ومبعث الألم أن المصريين باتوا يفتقدون لما كنا نسميه فى الماضى العرف العام، والذى كان يحدد للناس ما الذى يصح، وما الذى لا يصح، وما الذى يجوز، وما الذى لا يجوز، وفى حالة مثل التى نتحدث عنها، فإن هذه الفنانة لم تطرح نفسها فى أى سياق عام، ومع ذلك فلم ترحمها ألسنة العديدين الذين تطوعوا للتعليق على مظهرها ومستوى جمالها وتصرفاتها، وما إذا كانت مناسبة للارتباط بالنجم الكبير أم لا، ونسى الجميع أن هناك أشياء كنا نعرفها من قبل بالفطرة، مثل حرمة الحياة الخاصة، والحرية الشخصية المكفولة لكل شخص ما لم يضر بغيره.

ولم تكن تلك هى المرة الوحيدة التى يتطوع فيها آلاف الوحوش البشرية الرابضين خلف الشاشات للقيام بعملية اغتيال معنوى لشخص عام، فقد سبق ذلك واقعة أخرى، الواقعة الأسبق كان بطلها طبيباً كبيراً كان أرملاً لكبرى نجمات الزمن الجميل، افترض الناس صحة شائعة تقول إنه ارتبط بإعلامية كبيرة متقاعدة، وبعد الافتراض أعطوا لأنفسهم الحق فى انتقاد سلوك الرجل بدعوى عدم وفائه لزوجته الراحلة، وكان من تداعيات ما حدث أن تدهورت صحة الرجل، ورحل سريعاً عقب أيام قليلة من إطلاق الشائعة القاتلة.. إننى أنطلق من هذه الحكايات المعروفة والمؤلمة إلى الحديث عن قضية أخطر، وهى أن المصريين باتوا يفتقدون إلى التربية، لم تعد لدينا المؤسسات التى تعلم الأطفال والبالغين أيضاً ما العيب وما الجائز، لم يعد لدينا من يقول للناس ما الذى يجوز، وما الذى لا يجوز، فى الماضى كانت الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام تقوم مجتمعة بهذه الأدوار، واليوم لم تعد هذه المؤسسات تقوم مجتمعة بهذه الأدوار، والأسباب معروفة، وإذا كان ثمة ما أطالب به، فإننى أطالب الدولة بأن تسعى جاهدة لأن تقوم هذه المؤسسات بدورها، وبأن تتاح الفرصة للمؤسسات الأهلية والمبادرات الفردية ولمؤسسات وزارة الثقافة بالعمل مع الناس فى المواقع المختلفة، لأن تربية الناس هى أساس الدعوة للنهضة، ولأن بناء البشر لا يقل أهمية عن بناء الحجر الذى هو جهد مقدر ومشكور، وحتى يحدث ذلك فإننى أطلب من المصريين أن يصبحوا أكثر إنسانية، لأن الإنسانية هى أساس الحضارة، ونحن لا نملّ من تذكير الناس بأننا أساس الحضارة رغم أن ذلك كان فى الماضى البعيد، وفى قول آخر فى الماضى السحيق.