عمال المدابغ فى انتظار السكن وتحسين الخدمات: «بنضيّع عُمرنا فى المواصلات»

عمال المدابغ فى انتظار السكن وتحسين الخدمات: «بنضيّع عُمرنا فى المواصلات»
- الروبيكي
- الروبيكي للجلود
- الجلود
- صناعة الجلود
- المدابغ
- عمال المدابغ
- الروبيكي
- الروبيكي للجلود
- الجلود
- صناعة الجلود
- المدابغ
- عمال المدابغ
لم يكن وضع عمال المدابغ داخل مدينة الروبيكى أفضل من أصحابها، حيث المعاناة اليومية فى اللحاق صباحاً بأوتوبيس هيئة النقل الخاص بالمدبغة، وإرهاق المواصلات لمن لم يسعده حظه وتأخر عن موعد تحركه، وقضاء ساعتين فى العودة من هناك إلى نقطة تجمعهم فى سور مجرى العيون، بسبب عدم توافر استكمال السكن المخصص لهم فى المدينة، ومع كثرة إصابات العمال نتيجة طبيعة عملهم على الماكينات غابت نقطة الإسعاف عن الروبيكى، ترقُّب يُسيطر على العمال بالروبيكى فى انتظار تحسن الوضع الحالى. داخل إحدى المدابغ بمدينة الروبيكى، وأمام سيارة نقل مُحملة بالجلود، يحمل «محمد غريب»، 25 عاماً، الجلود وينقلها من سيارة النقل إلى منطقة مُخصصة داخل المدبغة لجمع الجلود فى مرحلتها الأولى، لتبدأ رحلتها فى التصنيع، يسكن «غريب» بمنطقة الجيارة التابعة لحى مصر القديمة، ويعمل فى تلك المهنة منذ 12 عاماً، يقول: «عائلتى كلها شغالة فى المهنة دى من زمان، وهما اللى شجعونى وحبيتها على إيديهم».
يُفضّل «غريب» مقر المدابغ القديم بسور مجرى العيون عن المقر الحالى، نتيجة قربه من منزله: «المكان هنا بياخدله ساعة ونص أو ساعتين فى الطريق، وبنبقى راجعين من الشغل تعبانين وعاوزين نوصل البيت عشان ننام ويومنا بيخلص على كده، ومابيبقاش فيه وقت خالص الواحد يقعد مع عياله غير الساعتين بتوع بالليل وألحق أنام عشان أصحى أروح تانى الشغل الصبح». وأوضح أنه يستيقظ فى السادسة صباحاً ويصل إلى نقطة التجمع بسور مجرى العيون فى تمام السابعة، على أن يتحرك الأوتوبيس فى السابعة والنصف مُتجها إلى الروبيكى.
يُعانى «الشاب العشرينى» كثيراً إذا تأخر عن ميعاد تحرك الأوتوبيس الخاص بالمدبغة، لأنه سيبدأ رحلة عذاب، كما وصفها، فى وسائل المواصلات، متابعاً: «لو ضاع منى الأوتوبيس بتمرمط فى المواصلات بقى، وكده هركب مش أقل من 4 مواصلات عشان أوصل للروبيكى وهدفع 35 جنيه، وبكده هوصل متأخر الشغل وهيتخصملى كمان، ويبقى كده الواحد يقعد فى البيت أحسن لأن يومه ضاع كده، لكن طبعاً بنبقى مُضطرين نيجى عشان الشغل».
ينتهى «غريب» من عمله فى المدبغة قبل الساعة 4 عصراً، حتى يتمكن من اللحاق بأوتوبيس العودة إلى سور مجرى العيون، مضيفاً: «مابنبقاش عارفين هنوصل البيت إمتى عشان زحمة الطريق، لأن الدائرى وصلاح سالم بيبقوا واقفين»، مؤكداً أنه ينتظر يوم الجمعة من كل أسبوع من أجل البقاء فى المنزل وإراحة جسده.
{long_qoute_1}
عدم وجود مطاعم داخل الروبيكى سوى مطعم وحيد «فول وطعمية» لم يُعجب «غريب»، متابعاً: «سواء طلع وحش أو حلو مضطرين ناكل من عنده كل يوم، وعشان ناكل أكل كويس لازم نوصل بدر، أو نطلب ديليفرى من هناك وييجى بـ50 جنيه لحد هنا». ويتحدث «الشاب العشرينى» عن أزمة السكن البعيد عن المدابغ قائلاً: «السكن القريب من الشغل هنا هيبقى أفضل كتير للعمال كلها، واحنا طول عمرنا متعودين على الشغل اللى جنب بيتنا، وهنبقى مرتاحين ونقدر نشتغل أكتر ونوفر الساعات اللى بنقضيها كل يوم فى الطريق، ومش هنبقى شايلين همّ المواصلات كل يوم والخوف من الأوتوبيس اللى هيضيع عليا وهضطر أروح الشغل مواصلات». ويختتم «غريب» حديثه موضحاً أنهم يعانون من أزمة فى المياه الصالحة للشرب داخل الروبيكى، وأن اثنين من زملائه أصيبوا بحصوات على الكلى نتيجة شربهم المستمر للمياه غير الصالحة: «بقينا بنقرف نشرب منها».
وعلى بُعد أمتار قليلة منه يقف «محمد محروس»، 45 عاماً، على ماكينة إزالة الشعر أو الطبقة السطحية للجلود، يتصبب عرقه من شدة الحرارة أسفل السقف المعدنى للمدبغة، يأتى «محروس» يومياً من مصر القديمة إلى الروبيكى، ويتحدث عن الفارق بين العمل فى سور مجرى العيون والروبيكى قائلاً: «كان بينى وبين الشغل نحو 10 دقايق، كنت بصحى براحتى وأروح الشغل براحتى، ولما كان بيبقى عندى شغل كتير كنت بسهر وماكانش بيفرق معايا، وماكنتش بروّح تعبان خالص، لكن هنا أنا مجبور أخلص شغل الساعة 4 العصر، لأن لسه معايا ساعتين فى المواصلات وزحمة الشوارع»، موضحاً أنه لا يجد الوقت الكافى حتى يتمكن من الجلوس مع أبنائه.
يتكلف «محروس» 30 جنيهاً فى المواصلات إذا تأخر عن ميعاد أوتوبيس المصنع، وفى هذه الحالة يُقرر البقاء فى المنزل، حسبما أكد، قائلاً: «لو فاتنى أوتوبيس الشغل بقعد فى البيت لأن يومى كده بيبقى ضاع، وكم الشغل اللى بشتغله هنا أقل بكتير من اللى كنت بشتغله هناك لأنى هنا محكوم بوقت وبآجى الشغل مرهق أصلاً من الطريق، وده غصب عنى ودى حاجة مش بإيدى»، أما عن العمل تحت حرارة شديدة داخل المدبغة فيوضح «الشاب الثلاثينى» أن السبب فى ارتفاع درجة الحرارة داخل المصنع هو السقف المعدنى، قائلاً: «بنبقى واقفين طول اليوم قدام المكن تحت السقف الصاج اللى مخلينا كلنا نشرّ ميّه، كأننا داخلين فرن الصبح من شدة الحرارة، وكان فيه مراوح شغالة هنا واحنا اللى شيلناها لأنها كانت بتجيب سخونية أكتر».
{long_qoute_2}
وعن السكن المُخصص للعمال يوضح «محروس» أن الجميع كان يعلم أنه هناك سكناً للعمال قبل الانتقال للروبيكى، وأنه كان يسمع أنه هناك ألف وحدة تقريباً مخصصة لهم، وأنه مر على بدء العمل فى المدبغة 8 أشهر ولم يتحدث أحد عن سكن العمال، متابعاً: «لو أنا ساكن قريب من هنا هعرف اشتغل وأنتج شغل بكميات أكبر، وأوفر مجهودى ده للشغل، أياً كان صغير ولا كبير ولا حتى المنطقة إيه. المهم إنه يكون قريب من الشغل هنا»، وأشار إلى أنهم تحدثوا كثيراً فى تلك الأزمة لكن دون جدوى، وأنهم تائهون بين جهاز المدينة وغرفة صناعة الجلود التى لا تُعيرهم اهتماماً، على حد وصفه، مضيفاً بنبرة حزينة: «إحنا فى أمر واقع ومش قدامنا حل تانى، لازم ننزل ونشتغل عشان ناكل عيش، أنا معرفش أعمل حاجة غير الصنعة دى للأسف».
وفى مدبغة أخرى لصناعة الجلود يقف «حسنى سامى»، 67 عاماً، على ماكينة تشطيب الجلود، مرتدياً نظارته الطبية. يعمل «حسنى» فى تلك المهنة منذ 60 عاماً، ويأتى يومياً من مصر القديمة إلى الروبيكى. تطرّق «الرجل الستينى ذو الجسد النحيف» إلى خطورة عدم وجود نقطة إسعاف داخل مدينة صناعية بحجم الروبيكى، موضحاً أن الماكينات والمعدات التى يعملون بها حادة وخطرة، وأن العمال مُعرضون للإصابات فى أى وقت. يصمت «حسنى» ويتذكر موقفاً مر به فى داخل الروبيكى قائلاً: «من فترة كده حصل معانا موقف هنا كان غريب وصعب علينا كلنا لأنه حصل إصابتين فى يوم واحد، أولهم واحد من العمال وهو شغال على ماكينة جت نقطة مية نار جنب عينه، وفى لحظتها مابقاش شايف خالص، رُحت بيه لمستشفى بدر، ومحدش سأل فينا وماكانش فيه دكاترة أصلاً، وفى التوقيت ده عامل تانى اتزحلق ووقع على إيده واتكسرت، رُحنا واخدين الاتنين بالعربية ورُحنا بيهم مستشفى المقطم عشان نسعفهم».
«المدينة هنا كويسة وزى الفل ومفيش حاجة ناقصاها غير نقطة للإسعافات الأولية تبقى مرتكزة داخل أسوار الروبيكى»، هكذا وصف «حسنى» المدينة الصناعية الجديدة ببدر، مشيراً إلى أن وضع أوتوبيسات النقل العام سيئ للغاية وكثير الأعطال يومياً: «لو أوتوبيس عطل بيركب 150 عامل فى أوتوبيس واحد»، أما عن أزمة سكن العمال فيؤكد «الرجل الستينى» أنه قبل الانتقال للروبيكى أبلغوهم أن هناك سكناً مخصصاً لهم، متابعاً بنبرة حزينة: «لو على فلوس ندفعها هندفع ماعندناش مشكلة، ده حقنا واحنا أولى من ناس كتيرة تانية، وكلنا ماقدمناش بدائل تانية لأنها مهنتنا ومانعرفش نعمل حاجة غير الدباغة».
الموضوعات المتعلقة
«الروبيكى للجلود».. نهضة صناعية تشرق من بدر (ملف)
«الحلم يتحقق»: 40 مصنعاً جديداً تدخل مرحلة الإنتاج والتصدير رغم ضعف الخدمات