الموسيقار الحزين «بليغ حمدى»
- إجراء حوار
- الفنانين العرب
- بليغ حمدى
- حوار إذاعى
- قار ب
- منتصف الليل
- أجر
- أحدث
- أسد
- إجراء حوار
- الفنانين العرب
- بليغ حمدى
- حوار إذاعى
- قار ب
- منتصف الليل
- أجر
- أحدث
- أسد
شيئان كانا يميزان الموسيقار بليغ حمدى فى منفاه الباريسى الذى امتد لسنوات، الأول أنه لم يكن يفارق عوده إلا لينام، والثانى أنه كان يبكى إذا رأى بعض مشاهد لمصر تتراءى أمامه عبر التلفاز، ويقال إنه لم يكن يحبس دموعه أمام أى إنسان يذكر مصر ومدينته المفضلة القاهرة.
والحق أن مجىء بليغ حمدى إلى باريس قد أحدث زلزالاً فى بعض علب الليل التى كانت مكدسة بالفنانين العرب من كل الأقطار، وكان بليغ لا يُشاهد فى هذه الأماكن إلا بعد منتصف الليل وتعرفه من عوده الذى يحتضنه كطفل فى صدره، وقد لا تعجب إذا ما صادفتُ أحد الفنانين وهو يمسك بكلمات وينتظر بليغ أن يوافق على دندنة هذه الكلمات، ولا شك أن «بليغ» كان لا يعترض وإما أن يوافق على بيع دندنته أو أن يبيع كلمات وألحاناً معاً مقابل أجر بسيط يتقاضاه من هذا المطرب أو تلك الراقصة، وقد سألتُ الموسيقار بليغ حمدى فعلمت أنه كان مضطراً لعمل ذلك حتى لا يجد نفسه يطلب صدقة من هذا الثرى أو ذاك الفنان، لكن ما لفت نظرى أن مسحة الحزن التى كانت تغطى وجهه لم تغادره لحظة واحدة.. وكان يبتعد عن الأماكن التى يوجد فيها صحفيون مصريون، وأشهد أنه لم يعط تصريحاً واحداً لأى جريده مصرية، ومرة واحدة وافق على إجراء حوار إذاعى مع نجم إذاعة الشرق فى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى (فتحى النجار) الذى كان معشوقاً لأهل المغرب وتونس والجزائر فى هذا الزمان، أقول لقد كان يبتعد عن مسببات ألمه، وكانت مصر سواء فضائيتها أو حتى صحفها مثل الأهرام.
والحق أنه كان قليل الكلام يطوى حزنه فى صدره ويُحصى الأيام كى تمضى ويحسب كل يوم يمر عليه فى منفاه الباريسى.
ملأ بليغ حمدى الدنيا وشغل الناس وتحولت باريس رويداً رويداً إلى شكل جديد يتحلق كل فنانيها حول الموسيقار الحزين، لكن بليغاً لم يكن راضياً عن حياته الباريسية ولا يخالط إلا بعض الأفراد الذين أنس لهم ولا يخرج إلا لماماً وكأنه أسد جريح من عرينه إلا نادراً، وكانت أتعس أيام حياته عندما يجد نفسه مضطراً للذهاب إلى علب الليل الشهيرة فى الشانزليزيه أو الحدائق التى تملأ أرجاء باريس، وفى كل هذه الحالات لم يكن يتكلم ويتمنى أن تنتهى سنوات منفاه التى كسرته وجاءت على حساب شموخه.
وإن كنت أنسى فلن أنسى فرحته عندما سُمح له أن يعود إلى مصر، والحق أنه كان أشبه بسمكة أعادوها إلى المياه فكان يضحك ملء شدقيه ويملأ صدره بآمال عريضة فى دنيا الموسيقى والألحان، لكنه أبداً لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم عن زوجته السابقة وردة التى كان يعتبرها منطقة محظورة على الجميع.
رحم الله بليغ حمدى.