من قتل جوزيف ستالين؟
- أمانة الحزب
- الاتحاد السوفيتى
- البحر الأسود
- التقاط صور
- التقرير الطبى
- الحرب العالمية الثانية
- الحزب الشيوعى
- السفير البريطانى
- الغلاف الجوى
- آلة
- أمانة الحزب
- الاتحاد السوفيتى
- البحر الأسود
- التقاط صور
- التقرير الطبى
- الحرب العالمية الثانية
- الحزب الشيوعى
- السفير البريطانى
- الغلاف الجوى
- آلة
(1)
ذات فجر من ربيع عام 1953 أعلنت الإذاعة السوفيتية رحيل «جوزيف ستالين».. وتولى الزعيم «نيكيتا خروتشوف» زعامة البلاد. لم يجرؤ أحد فى الاتحاد السوفيتى على أن يردِّد تلك المقولة الشهيرة «مات الملك.. عاش الملك».. فقد كان الشعار الذى غطّى كل الإمبراطورية هو: «مات ستالين.. عاشت الستالينية».
بقى ذلك الخوف من «جثمان» ستالين ثلاث سنوات.. حتى تجرأ الزعيم الجديد «نيكيتا خروتشوف» على نقد ستالين.. وهنا تولَّدت حقيقة جديدة: «مات ستالين.. ماتت الستالينية».
جوزيف ستالين هو زعيم الاتحاد السوفيتى الأقوى.. وأحد أشهر القادة فى الألف سنة الأخيرة.. وبينما ترى قلّة من العالم أنَّه زعيم عظيم.. يراه الأغلبية من سكان الأرض رمزاً للديكتاتورية وعنواناً على الموت.
(2)
يتحدَّث أنصار ستالين عن «المعجزة الستالينية» فى بناء الدولة وتشييد الإمبراطورية.. فقد جعل ستالين من البلد الزراعى الفقير قوةً عظمى.. يمتلك صناعاتٍ ضخمة وعلوماً رفيعة.. وعلى أرضها تتراصّ القنابل النووية.. ومن قواعدها تنطلق الصواريخ إلى خارج الغلاف الجوى. تسلَّم «ستالين» بلداً أمياً.. وسلَّمه فى الفضاء.. وبينما كانت البلاد غارقة فى الفوضى والجريمة.. أصبحت فى سنوات قليلة القوة العظمى الثانية فى العالم.
يتحدَّث خصوم «ستالين» عن أنَّ وراء ذلك كله دماءً لا نهاية لها.. كان «ستالين» بلا قلب.. لم يأخذ من البشر إلّا شكل الإنسان. لكنَّه كان يتصرف كآلة جرى تصنيعها من قِطَع الفولاذ.
لقد قتل ستالين أكثر من (40) مليون إنسان.. إنه وراء عشرات الملايين من الجثامين.. ومئات الملايين من الضائعين والمكلومين.. وأياً ما كانت إنجازاته.. فإنَّ مآسيه بلا حدود.. لا يمكن وضع المبنى فوق المعنى ولا الحجر فوق البشر.
لا يقف الرئيس فلاديمير بوتين مع أىٍّ من الرأييْن.. وهو يتوسَّط ذلك الاستقطاب بالقول: «لقد بنى ستالين الاتحاد السوفيتى.. وجعل من الدولة الزراعية البائسة دولةً صناعيةً وقوةً عظمى.. لكنَّه فعل ذلك بتكلفةٍ وتضحياتٍ.. لا يمكن تحملّها».
(3)
أفلتَ «ستالين» من مؤامرات اغتيال عديدة.. لكن واحدة منها نجحت عام 1953.. حيث تعاطى الزعيم السمَّ ثم انتهى. أصبح الزعيم الأسطورى جثَّةً ممدَّدة فى صندوق.. وبعد أن كان الملايين يحضرون -قبل قليل- احتفالاته المهيبة.. رهبةً وخوفاً.. أصبح السائحون يتطلَّعون لالتقاط صورة تذكارية إلى جوار.. جثةٍ فى متحف!
ظلّت الرواية الرسمية لوفاة «ستالين» هى الأساس ولا شىء غيرها.. غير أنَّه الآن لم يعد -فى الساحة- رأىٌ واحدٌ ولا رواية واحدة. يتحدث باحثون روس عن أن «ستالين» لم يمت بفعل مشكلة صحية طارئة.. وخللٍ يتعلق بكرات الدم البيضاء -كما جاء فى التقرير الطبى الرسمى- ولكنه مات نتيجة عملية اغتيال.. عبْر حقنةٍ أعطتها له ممرضة الكرملين!
ألّف الباحث فى تاريخ الاتحاد السوفيتى «نيكولاى ناد» كتاباً ضخماً من أربعة مجلدات عن عصر «ستالين».. وفيه قال: إنَّ ستالين قد مات بفعل انقلاب سياسى واغتيال بالسمِّ.. وقع عام 1953. تحدّث الكاتب إلى برنامج «رحلة فى الذاكرة» فى قناة «روسيا اليوم».. وشرح كيف أن مصلحة كثيرين فى سقف النظام باتتْ ضدَّ بقاء «ستالين».. ثم ضدّ حياة «ستالين».. فكانت الحقنة المسمومة.
(4)
تبدأ قصة النهاية من «المؤتمر 19» عام 1952.. إنَّهُ أول مؤتمر عام للحزب الشيوعى السوفيتى الحاكم منذ الحرب العالمية الثانية. أراد «ستالين» أن يجرى إصلاحاً فى الاتحاد السوفيتى.. وأراد أن يحيل كبار القادة إلى التقاعد، وأنْ يقدِّم للقيادة جيلاً جديداً من الشباب.
كان خليفة «ستالين» فى ذلك الوقت هو وزير الخارجية القوى «مولوتوف».. ولكنَّ الوزير لم يعد يحظى بثقة الزعيم.. ذلك أن زوجة الوزير «اليهودية» باتتْ صديقةً لسفيرة إسرائيل فى روسيا جولدا مائير.. وكان «ستالين» ضد «القومية اليهودية» ضِمن عدائه لكل القوميات. ولم يكن يرغب فى أن يكون الزعيم المقبل داعماً للقومية اليهودية إلى هذا الحدّ.
وقد عزَّز من قلق «ستالين».. استجابة الوزير «مولوتوف» -الصادمة- لطلب السفير البريطانى فى موسكو بوجودٍ قومى لليهود فى شبه جزيرة القرم السوفيتية. كانت بريطانيا وأمريكا تريدان -من خلال القرم- إطلالة استراتيجية على البحر الأسود ومنطقة البلقان وتركيا.. وكان هناك مشروع لجمهورية يهودية فى القرم.. ومشروع زراعى «يهودى» عملاق باسم «كاليفورنيا القرم».
غضِب «ستالين» غضباً شديداً ورفض ما وافق عليه وزير الخارجية.. ثم اعتقل زوجته وبعد ذلك قام بإقالته. وقرر أن يكون الزعيم المقبل للاتحاد السوفيتى سياسياً شاباً يتولى أمانة الحزب الشيوعى فى روسيا البيضاء وليس الوزير «مولوتوف». أصبح الوزير «مولوتوف» خصماً لـ«ستالين».. ويقول الكتاب إنَّه تآمر على الزعيم وكان عضواً فى المؤامرة الكبرى لاغتياله.
(5)
ثمّة قصةٌ أخرى موازية قادت إلى «الدواء السامّ».. إنها قصة انفصال جورجيا. كانت هناك حركة انفصالية كبرى فى جورجيا.. وفى الحرب العالمية الثانية أسست المعارضة الجورجية للاتحاد السوفيتى جيشاً للتحرير.. شارك فى الحرب العالمية الثانية باسم «الفيلق الجورجى». وكان «لافرينتى بيريا» أحد كبار رجال الزعيم ورئيس جهاز الأمن السرِّى.. متواطئاً مع الانفصال.. وداعماً سرياً له.
وصل إلى «ستالين» أن «بيريا» خائن.. وأنه يقود مؤامرة ضد الزعيم.. وبدوره أدرك «بيريا» أنها النهاية.. له ولعائلته.. وأنه بات قاب قوسين من الإعدام. وفى «المؤتمر 19» كان القرار بالاغتيال.
هنا زاد عدد المتضررين من «ستالين».. أولئك الخائفون من التقاعد والإهمال.. وزوال السلطة والهيبة، وأولئك الخائفون من الاعتقال أو الإعدام.. وزوال كل شىء.
حسب كتاب «نيكولاى ناد».. فقد تحالف الجميع بزعامة «بيريا» ضد «ستالين».. وكانت «حقنة الموت» نهاية لصراع السلطة فى الاتحاد السوفيتى فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كان «ستالين» يتوقع اغتياله بالسم.. وكان حذراً للغاية.. يطلب من طاقم تجهيز الطعام أن يتناول كل شىء قبل أن يبدأ. وحين كان يمرض كان يرسل الحارس الخاص إلى صيدليات نائية فى الريف البعيد.. ويقول إن العلاج لوالدته. لم يمنع الحذر القدر.. ونجحت الممرضة فى وضع نقطة النهاية فى مسيرة جوزيف ستالين.
(6)
لا يمكن القول إن هذه الرواية صحيحة تماماً.. لكن مؤلف الكتاب حشد آلاف الدلائل والوثائق الداعمة لقصة اغتيال «ستالين».. وربما كانت تلك العبارة المثيرة التى قالها الزعيم السوفيتى «التالى» نيكيتا خروتشوف لوفدٍ مجرى كان يزور موسكو أكبر تأكيد على رواية الاغتيال.. قال «خروتشوف»: «لقد أخذ ستالين السلطة بالحديد.. وتركها بالحديد».
يا لبؤس التاريخ.. قتل «ستالين» أربعين مليوناً من أجل السلطة.. ثم قتلت السلطة «ستالين».. هزم «ستالين» ألمانيا النازيّة وسحق «هتلر».. وانتصرت عليه حقنة صغيرة فى أيدى ممرضة!