سامى عبدالراضى يكتب عن سفاح الشروق: «قاطع الرؤوس.. عاشق القتل فى سبتمبر»

سامى عبدالراضى يكتب عن سفاح الشروق: «قاطع الرؤوس.. عاشق القتل فى سبتمبر»
- أذان المغرب
- أسرة الزوج
- أمن القاهرة
- إجراء عملية
- ارتكاب الجرائم
- الأقراص المخدرة
- الأقراص المنومة
- الابن الأكبر
- التاريخ يعيد نفسه
- الزوجة الثانية
- أذان المغرب
- أسرة الزوج
- أمن القاهرة
- إجراء عملية
- ارتكاب الجرائم
- الأقراص المخدرة
- الأقراص المنومة
- الابن الأكبر
- التاريخ يعيد نفسه
- الزوجة الثانية
لا أعرف «السر» فى علاقتى بهذا المتهم.. كرم محمد عبدالراضى.. الذى نسبت إليه التحريات وتحقيقات النيابة تهمة ارتكاب «مذبحة الشروق» فى القاهرة.. ما الذى يربطنى به.. ولماذا تذكرته وتعرفت عليه بعد نحو ساعتين من الكشف عن تفاصيل المذبحة وتوجيه اتهام له بقتل زوجته الثانية وفصل رأسها عن جسدها، وكذلك قتل أولاده الأربعة وفصل رؤوسهم عن أجسادهم.. ولماذا يهوى القتل فى «سبتمبر».. وكيف طاوعه قلبه وعقله أن يقتل ويطعن ويذبح ويفصل الرؤوس بـ«هدوء»؟!.
تذكرت جيداً تفاصيل حوار جمعنى به فى سبتمبر 2009.. وتحديداً فى 19 من الشهر نفسه.. نسبت له الشرطة والنيابة فى ذلك الوقت قتل صديق عمره فى نهار رمضان.. جريمة فى منطقة العمرانية بالجيزة أحدثت ضجة فى الشارع المصرى.... ومزق جثته إلى خمسة أشلاء.. و«عبأ» الأشلاء.. ووضعها فى حقيبة سفر وألقاها فى مقلب قمامة.. كنت قد نسيت هذا الحوار سنواااات طويلة.. ففى الجيزة.. كنت وعلى مدار 7 سنوات لا أتوقف عن محاورة «المجرمين».. أو قل «المتهمين فى جرائم القتل».
كانت مهمة الشرطة أن تقبض عليهم وتحل اللغز.. وكانت «هوايتى» محاورتهم.. كنت لا أترك جريمة إلا وأبحث وأحقق وأنتقل إلى «مسرحها» وألتقى الأسر والمتهمين.. لا أحاور أحداً بـ«ورقة وقلم» أو أسجل لمتهم.. يكون الحوار هادئاً دون «تشنجات».. ألتقى أياً منهم فى مكتب داخل قسم الشرطة أو فى غرفة بالنيابة.. كنت أعطيه إحساساً بـ«الأمان».. وأبدأ معه منذ لحظاته الأولى لـ«الإدراك».. وعن طفولته ومدرسته ومعلميه وجيرانه وأشقائه وقريته الصغيرة التى ينتمى إليها.
{long_qoute_1}
صباح الأحد الماضى.. بدأت المعلومات والأخبار تأتى تباعاً.. العثور على سيدة وأولادها مقتولين فى شقة بمدينة الشروق.. الأم مقطوعة الرأس والأولاد الأربعة كذلك.. حسين 7 سنوات ومحمود 6 سنوات.. ودعاء 4 سنوات.. وحنين سنتين.. شكوك حول الأب.. لأنه مختف وهارب.. ثم بدأت تظهر المفاجآت وليس المعلومات والأخبار بالنسبة لى على الأقل.. المتهم اسمه كرم محمد عبدالراضى.. هارب من حكم إعدام فى الجيزة فى القضية رقم 2026 جنايات.. الحكم صدر فى فبراير 2011 لجريمة وقعت فى 2009.. وتحديداً فى منطقة العمرانية.. بدأت أبحث.. وضعت هذا الاسم على مؤشر البحث «جوجل».. وكانت المفاجأة.. اسمه يظهر لى مقترناً باسمى فى حوار صحفى بجريدة المصرى اليوم.. التى كنت أعمل بها فى وقت سابق (2003 - 2012).. كان تاريخ الحوار 19 سبتمبر 2009.. وهذه صورتى معه.. وهذه تفاصيل الجريمة.. وهذه صورته وهو يدخن سيجارة.. وتلك صورة لحقيبة ملطخة بالدماء.. وضع بها أشلاء ضحيته قبل التخلص من تلك الأشلاء.. لم أصدق عينىّ.. ولم أستوعب لدقائق هذه الجمل المتراصة أمامى فى الحوار.. وبدأت البحث عن صورة حديثة للمتهم المشتبه بارتكابه مذبحة الشروق.. كان الشك يساورنى.. قد تتشابه الأسماء.. قد تتشابه الظروف والأحداث.. وربما لا يكون هو.. وجاءت الصورة بعد ساعة.. ما هذا؟.. إنها لنفس الشخص.. نعم هو الشاب النحيف الذى حاورته فى 2009 بقسم العمرانية فى الجيزة، وروى بـ«دم بارد» كيف قتل وقطّع جثمان مقاول إلى قطع صغيرة ووضعها فى أكياس، وتذكرت روايته لى كاملة فى ذلك الوقت.. بأنه من محافظة سوهاج.. وأن القتيل أيضاًَ من سوهاج ويعملان فى «السمسرة والمقاولات»، حينها كان مسموحاً لنا أن نلتقى بالمتهمين فى جرائم القتل.. ما هذا.. المتهم فى جريمته عام 2009.. ارتكبها يوم 9 سبتمبر.. وجريمة الشروق التى نحن بصددها فى نفس اليوم 9 سبتمبر ولكن 2018.. نفس اليوم 9 ونفس الشهر.. سبتمبر.. والفارق الزمنى 9 سنوات كاملة.. ما هذا القاتل الذى يعشق ارتكاب الجرائم فى سبتمبر.. «قاتل سبتمبر»!
عقلى وقلبى والمقارنات التى عقدتها قالت: «نعم هو نفس الشخص».. ولكن «عملياً» ليس هو.. ما جعلنى أقول عملياً ليس هو.. أن مديرية أمن القاهرة قالت فى بيان أولى: «قاتل زوجته وأولاده الأربعة «ذبحاً» ينتمى إلى محافظة قنا وليس محافظة سوهاج».. وهو الأمر الذى جعلنى أتوقف.. فالقاتل الذى حاورته منذ نحو 10 سنوات.. من سوهاج وتحديداً من مركز أخميم شرق المدينة.. وأحضرت الصورة التى جمعتنى بـ«كرم» فى 2009.. وصورة حديثة نشرت له.. وسألت نفسى مجدداً.. هل هو؟.. نفس الشعر.. ونفس الهدوء.. نفس الأذنين.. والجبهة.. والوجه المسحوب.. لكن «شارباً» ظهر له.. عندما حاورته كان من دونه.. تشككت وقلت: «ننتظر قليلاً ونوثّق».. ساعات مرت ثقيلة علىّ.. لم أنم يوم الأحد.. وكنت أنتظر صباح الاثنين بـ«شوق».. تدور برأسى كل تفاصيل الجريمة القديمة التى ارتكبها المتهم «كرم محمد عبدالراضى».. ولا تغيب عن عينىّ صورتنا معاً ولا ابتسامته ولا هدوؤه فى «الحكى».. وفى صباح الاثنين علمت وتأكدت أنه سقط فى قبضة رجال الأمن.. سقط فى محافظة سوهاج.. سألت نفسى.. هل هو من سوهاج.. أم من قنا وضبطوه قبل أن يصل إلى محافظته التى تقع جنوبى سوهاج.. وتأكدت أنهم ضبطوه فى سوهاج بعد أن استقل القطار رقم 1902 الذى ينطلق من العاصمة «القاهرة» وحتى أسوان آخر محافظة فى جنوب البلاد.. وتأكدت أيضاً أن المتهم من «أخميم فى سوهاج» وليس من أبناء قنا.
قلت لنفسى: «إذاً هو نفس القاتل».. وتذكرت أنه حين ارتكب جريمته فى 2009 سافر إلى الصعيد وفى القطار أيضاً.. نعم هو من أخميم فى سوهاج وقتل صديق عمره فى العمرانية.. واعترف حينها وتم حبسه ولكنه هرب من السجن فى يناير 2011.. حينما اُقتحمت السجون أو قل غالبية السجون فى مصر.. اختبأ وسط زحام القاهرة.. وتزوج للمرة الثانية.. وأنجب.. وفتح بيتاً.. وعاش.. عاش حتى قتل زوجته وأولاده الأربعة.. هل هى لعنة دم المجنى عليه الذى أنهى حياته فى 2009.. هل طاردته اللعنة.. بعد أن هرب كرم من العدالة.. واختفى بعيداً عن العيون.. ولكنه ظهر.. ظهر بجريمة تقود مجدداً إلى حبل المشنقة.. تقود إلى «عشماوى» من أول جلسة.. تقوده إلى «موت مقبل» لا محالة.. وهناك سيلتقى من قتلهم.. هناك «حساب آخر».
استرجعت أمام عينىّ أجزاء من حوارى معه فى 2009.. كتبت يومها فى مقدمتى عن الجريمة هذه السطور.. لم أغيرها.. كما هى أعيدها: «كأنه يتحدث إليك عن «مشوار» قطعه بين شارعين أو صعد إلى شقة فى الطابق الثانى دون «مصعد كهربائى» أو كأنه «بدّل» مكان نومه، لا يعطيك إحساساً نهائياً بأنه قتل صديقه وفصل رأسه عن جسده ومزق جثته إلى أشلاء، لا تشعر نهائياً أنه عبأ أجزاء الضحية فى أكياس وحملها فى حقيبة، أو أنه ارتكب جريمته فى «عز الضُهر»، فى نهار رمضان، وحين كان مدفع الإفطار ينطلق وأذان المغرب ينتظره الجميع، كان هو يواصل عملية التقطيع و«التشفية» والتعبئة.. إنه كرم محمد عبده، 34 سنة، شاب نحيف، وجهه «منحوت»، تظهر عظام جسده بوضوح أسفل جلباب أبيض كان يرتديه.. فى الحوار حكى لى عن لحظاته الأولى فى العاصمة وكيف ترك قريته الصغيرة فى جنوب مصر: كان ذلك عام 1988.. عمره كان 13 عاماً.. وظهرت على التو نتيجة آخر السنة للصف الثانى الإعدادى.. يومها ذهب إلى المدرسة، والمدرس قال له «انت سقطت».. يومها كان يمتلك جنيهاً مصرياً وربع الجنيه.. وانطلق إلى محطة القطار فى سوهاج.. واستقل القطار المتجه إلى القاهرة.. ودفع 60 قرشاً ثمناً للتذكرة.. ووصل بعد 7 ساعات إلى القاهرة وتاه يومين قضاهما تحت كوبرى فى وسط العاصمة حتى التقى ابن عمه وعمل معه مقابل جنيه يومياً.
وعن جريمته قال لى يومها: كان القتيل طماعاً.. وأخذ بعض أموالى نتيجة عمولة حول بيع قطعة أرض.. اتخذت قرارى بالقتل، اشتريت ساطوراً ومجموعة سكاكين وحبل كتان ونص كيلو شنط سوداء قبل الجريمة بـ3 أيام، ووضعت أدوات الجريمة فى المنزل، واستدعيت القتيل إلى المنزل وقضى معى ليلة كاملة، وفى الصباح استيقظنا ونزلنا إلى الشارع وعدنا فى الثالثة ظهراً، جلس هو فى الصالة يجرى مكالمة من هاتفه المحمول، دخلت إلى غرفة نومى.. وخرجت للصالة، وبعد لحظات وهو فى (طمأنينة)، ضربته بالساطور، جاءت الأولى فى يده والثانية فى رقبته والثالثة فى رأسه، سقط بعدها على الأرض وهو يتألم، كان يصارع الموت، لم أنتظر طويلاً، فصلت رقبته بنفس الساطور، كان حاداً، وساعدنى فى فصلها دون مجهود كبير، خلعت ملابسى وبقيت بـ«الشورت»، وبدأت الوصلة الثانية من التقطيع، سحبت الجثة فى (طرقة) بين المطبخ والحمام، قطعت ذراعه الشمال ثم الجزء من أسفل الركبة فى القدم اليمنى، الدماء أغرقت المكان، لم أتوقف، أحضرت (الحقائب) البلاستيك، وبدأت وضع الأشلاء، الرأس بمفرده، الذراع والقدم اليمنى فى حقيبة، القدم اليسرى فى حقيبة، والجزء المتبقى فى حقيبة وشمل الصدر حتى أسفل السرة، مع تلك اللحظات، سمعت صوت أذان المغرب، لا جديد، كأننى كنت فى «مشوار»، أو فى رحلة عمل بسيطة، لم يتحرك قلبى، أو يطلب منى عقلى الباطن أن أتوقف أو تسقط منى دمعة أو حتى أفكر فى مصير مقبل، مصير يحمل رائحة الموت.. أحضرت علبة «بويا»، وأغرقت الشقة بها ونظفت الدماء، وتابع كرم: «أخفيت بعض معالم الجريمة، نزلت إلى الشارع جلست على المقهى الذى تعرفت فيه على القتيل.. تذكرت رحلتى معه التى استمرت عاماً، شملت «تضييقه» علىّ والحصول على نصيبى من صفقات بيع وشراء أراض، تذكرت توسلاتى إليه بعد الصفقة الأخيرة، أخرجت عقد الأرض التى اشتراها، كنت سأتوجه إلى صاحب الأرض لنحرر عقداً جديداً باسمى وأرد إليه عقد القتيل، مرت الساعات بسرعة، وفى الثالثة فجراً، استوقفت تاكسى، أخبرته أن لدىّ منقولات أريد أن آخذها إلى شقتى الجديدة، وبعد دقائق كنت أحمل الحقيبة وألقى بها أعلى التاكسى، وتحرك وفى منتصف شارع عبدالغنى حسن طلبت منه التوقف وأعطيته 10 جنيهات وحملت الحقيبة، وبعد انطلاقه ألقيت بها فى مقلب للقمامة».. ما فات وحملته السطور السابقة هو الأبرز مما حكاه لى المتهم «كرم محمد عبدالراضى» عن تخلصه من صديق عمره. {left_qoute_1}
بدأت رحلة جديدة فى «جمع المعلومات».. فالمتهم «كرم» منذ القبض عليه فى سبتمبر 2009 وهو فى السجن ولا أعرف عنه شيئاً ولم أسمع اسمه حتى ظهيرة الأحد الماضى.. كان فى سجن وادى النطرون.. وهو السجن الذى اقتحمه مسلحون فى يناير 2011.. وهدموا أسواره «العفية».. وخرج الآلاف من السجن.. ومن بينهم «كرم محمد عبدالراضى».. هرب وهو يحمل فى رقبته حكم إعدام بحق قتل صديق عمره.. وكان يعلم جيداً ضرورة التخفى والبعد عن الشرطة وأن يختفى بعيداً عن «الشبهات» التى تسقطه فى قبضة الشرطة ويلاقى مصيره بتنفيذ حكم الإعدام.. فى ذلك التوقيت.. كانت «الفوضى» هى العنوان.. المعلومات التى لدىّ من أقارب وأصدقاء وجيران «كرم» فى بلدته الجميلة «آبار الوقف» فى أخميم شرق محافظة سوهاج أنه حضر إلى القرية بعد أيام من هروبه.. كان غائباً عنها وعن زوجته الأولى وعن أبنائه الثلاثة منذ سبتمبر 2009.. كان مسجوناً.. وصل إلى بيته ليلاً.. وفى الصباح أطلقت أمه «زغرودة».. والزغاريد فى ريف مصر هى إعلان عن الفرحة، والجميع يسأل: «ماذا حدث».. وجاءت إجابة الأم تحمل تبريراً للزغرودة: «أصل كرم ولدى طلع.. وامبارح كان مع مراته وممكن تبقى حامل.. والزغرودة دى عشان البلد تعرف إن ولدى هنا.. ولو فيه حمل يبقى منه».. هكذا الثقافة هناك فى صعيد مصر.. بعد هذه الزيارة.. كانت الزيارات خاطفة لـكرم فى بلدته.. كان يرتدى «نقاباً».. ويدخل عن طريق «الترعة البحرية».. القريبة من منزله الواقع على أطراف القرية.
وفى يناير 2012.. ومن خلال عقد زواج حصلت على صورة منه.. شهدت حياة «كرم» تطوراً.. تعرف على «صبية» عمرها 19 عاماً.. وهى منال إبراهيم شمس.. كانت تعيش مع والدتها وزوج والدتها، ورحب الجميع بـ«أول عريس» يدق الباب.. وفى 28 يناير 2012.. عقد القران وأثبت كرم أنه مولود فى يناير عام 1975 وأنه سيدفع مؤخراً 1001.. وأفادت صورة العقد أنه كتب قرية غمازة الكبرى فى مدينة الصف بالجيزة كمحل إقامة.. وتم الزفاف بعد أيام من العقد.. وقبل نهاية 2012 جاء الابن الأول من الزوجة الثانية.. حسين.. ثم جاء فى 2013 الابن الثانى محمود.. ودعاء.. وأخيراً حنين وهى الأصغر وكان عمرها يوم الجريمة يقارب العامين.. «كرم» ترك قرية غمازة هذه فى 2013.. وانتقل للعيش فى مدينة الشروق.. واستقر هناك واشتهر باسم «أحمد أبوجبل».. غيّر اسمه حتى لا يعرفه أحد.. وكان هادئاً.. لا تسمع صوته.. ولا يدخل مشاجرات تقوده إلى قسم شرطة.. وكان حريصاً أشد الحرص فى التعامل والاحتكاك بمن حوله.. حتى إن سيدة فاضلة من جيرانه وهى والدة المهندس الشاب حسن السويسى.. توجهت يوماً لدفع المصروفات لاثنين من أبناء «أحمد أبوجبل».. وفى المدرسة.. سألت عن حسين أحمد أبوجبل.. ومحمود أحمد أبوجبل.. وبعد بحث قال لها الموظف.. مفيش حد بالاسم ده.. واتصلت السيدة بزوجة كرم وأخبرتها بالتفاصيل وردت الزوجة: «أصل فى الصعيد.. الواحد بيبقى له اسمين.. يعنى أحمد جوزى اسمه كرم.. اسألى عن محمود كرم وحسين كرم وهتلاقى الأسماء صح».. وفعلت السيدة هذا الأمر ودفعت المصاريف وغادرت.. ولم تبحث فى شىء.. ولم تسأل نفسها.. من أحمد أبوجبل ومن كرم محمد عبدالراضى.. كرم كان يعمل مع شخص يدعى عودة سرباح.. وهو من أبناء الصحراء القريبة من منطقة الشروق.. ويبدو أنه شك فى أن هناك علاقة بين زوجته وبين عودة هذا.. الشك تسبب فى مشاجرة كبيرة بين الزوجين يوم الخميس.. قبل الجريمة بنحو 3 أيام.. المشاجرة انتهت بـ«صفعة» من الزوجة على وجه زوجها.. ورد هو بكلمة واحدة: «انت طالق».. وأحضر المأذون وانتهى كل شىء.. وتدخل الجيران ومن بينهم والدة المهندس حسن.. وتصالح الزوجان.. لكن «كرم» قرر أن ينتقم بطريقته.. وخطط لجريمته.. مثلما خطط لجريمته الأولى.. اشترى سكيناً من جاره «أبوأيمن».. واشترى أقراصاً منومة من صيدلى قريب من مسكنه.. وضع الأقراص المخدرة فى «مبرد مياه» يوم السبت مساء.. وفى الساعات الأولى من صباح الأحد.. أحضر السكين.. وكان الجميع نائمين، وبدأ رحلة التخلص من الخمسة، طعن زوجته فى رقبتها طعنتين نافذتين.. ثم قطع رأسها وأجهز على أبنائه الأربعة بنفس الطريقة.. طعنات سريعة.. ثم فصل للرقبة عن الجسد.
{long_qoute_2}
وعقب الانتهاء من جريمته.. استدعى شقيقة زوجة عودة وقال لها: «خشى جوه.. أهوه قتلتها هى والعيال وبلغى عودة إنى هاقتله لو شفته».. قالها للسيدة التى ارتعشت وتركت المكان ولكنها أخبرت بعض الجيران بالواقعة.. فى الوقت نفسه.. اتصل كرم بصديقه السورى «علوش» سائق لديه سيارة 7 راكب، وطلب منه أن يوصله إلى محطة القطار فى رمسيس حتى يتمكن من استقلال قطار سوهاج لكى ينهى أعمال مقاولات له هناك، ودفع له مبلغ 100 جنيه وأخبره عقب عودته سوف يقوم بدفع باقى المبلغ.
السكان فى المنطقة فوجئوا بالجريمة.. فهذه جارتهم «منال» 27 سنة ترقد غارقة فى الدماء.. وإلى جوارها أبناؤها الأربعة «حسين» 8 سنوات، و«محمود» 5 سنوات و«دعاء» 4 سنوات، و«حنين» عامين جثثاً مقطوعة الرؤوس.. وقد تحولت صالة الشقة إلى بركة من الدماء.. أبلغ أحد الجيران رئيس مباحث مدينة الشروق.. انتقلت قوة أمنية تحت إشراف اللواء محمد منصور، مساعد أول وزير الداخلية لأمن القاهرة، واللواء نبيل سليم مدير المباحث الجنائية، إلى مكان الواقعة.. المعاينة والمناظرة أكدت أن الجثث الخمس للأم وللأبناء.. وأنه لا بعثرة فى المحتويات.. ولا عنف فى الدخول والخروج ولا كسر فى الأبواب.. عدد من الجيران قالوا «إن الضحية من محافظة الغربية، وحسنة السير والسلوك، وإنها مقيمة منذ فترة فى المنطقة، وتقوم بمساعدة جيرانها.. وليس لها أى خلافات شخصية مع أحد». {left_qoute_2}
الجيران أثناء مناقشتهم أمام رجال المباحث، قالوا إن الابن الأكبر «حسين».. كان يعانى من مرض فى «عينه اليمنى».. وتبرع الجيران بـ20 ألف جنيه وأجريت عملية له فى عينه منذ عدة أسابيع.. وإن الزوجة دفعت 2000 جنيه من هذا المبلغ.. كانت تدخرها من عملها فى البيوت.
بعيد عن مشهد الاستجواب.. كانت الصدمة على الوجوه.. والجميع يسأل.. ليه أبوحسين يقتل أم حسين.. وحضر رجال الإسعاف عقب معاينة النيابة.. ونقلوا الجثامين الخمسة إلى مشرحة زينهم لإجراء عملية التشريح.. كان «كرم» فى طريقه إلى الصعيد.. استقل القطار 1902 المنطلق من العاصمة إلى صعيد مصر.. نفس «رحلة هروبه الأولى» حين قتل صديق عمره.. استقل القطار وسافر إلى الصعيد.. ولكن هذه المرة.. كان الأمر مختلفاً بعض الشىء.. فى المرة الأولى لم يكن يتصل بأحد.. هذه المرة كان يتصل بـ«أبوطه» وهذا مالك لمحل قريب من مسكن الأسرة.. اتصل ليسأله عن الأولاد وعن الذى سمعه من تفاصيل الجريمة.. «أبوطه» كان واقفاً إلى جوار ضابط مباحث فى هذا التوقيت وهمس فى أذنه: «يا باشا.. أبوحسين بيكلمنى أهوه.. أرد؟».. وقال له الضابط رد وطوّل فى المكالمة.. واستمرت المكالمة دقائق بين الاثنين.. ومن خلالها وبالاتصال بشركة محمول.. عرف ضباط القاهرة أن «المتهم» فى طريقه إلى الصعيد.. وعند الاتصال كان قريباً من محافظة المنيا.. إذاً هو فى طريقه إلى بلدته.. وانطلقت مأمورية.. إلى الصعيد.. وتم التواصل مع اللواء عبدالحميد أبوموسى، مدير مباحث سوهاج.. وأخبروه بالتفاصيل.. كان المتهم يقترب من سوهاج.. واتصل بشقيقه «سامى».. واتصل بصديقه أبوعوف.. وقال لهما: «أنا جاى من مصر.. وعايز حد ينتظرنى فى محطة القطر بسوهاج».. وهو ما حدث.. وتحرك الثلاثة إلى قرية «آبار الوقف».. وقبل وصولهم إلى هناك بدقائق.. كان ضباط من مباحث القاهرة وسوهاج فى الانتظار عند مدخل القرية.. وألقوا القبض عليه.. ولم يقاوم أو يتحدث: «يا بيه أنا جاى معاكم».
{long_qoute_3}
تحرك الجميع من سوهاج إلى القاهرة.. يااااه.. وكأن التاريخ يعيد نفسه.. هذه الرحلة كانت منذ 9 سنوات وتحديداً فى سبتمبر 2009.. طرفها المكرر هو «كرم».. الطرف الأول كان ضباطاً من مباحث الجيزة عندما قتل كرم صديق عمره وهرب إلى سوهاج.. هذه المرة.. هو ومعه ضباط من القاهرة.. تحركوا جميعاً.. وهنا فى القاهرة كان التشريح مستمراً فى أجساد الزوجة والأولاد الأربعة.. وخرج تصريح الدفن.. وحضرت سيارة إسعاف.. ونقلت الخمسة إلى مدافن أسرة الزوجة فى الغربية.. هناك ستكون الخطوة الأخيرة فى مدينة قطور بالغربية.. هناك سيتم الدفن فى هدوء.. كانت السيارة تقترب من المقابر هناك.. وكانت أقدام «كرم» تقترب من نيابة القاهرة الجديدة لتبدأ عملية الاستجواب عن الجريمة.. فى النيابة كان «كرم» يروى التفاصيل.. يقول هكذا قتلت وقطعت الرؤوس.. وهكذا هربت.. قال روايته كاملة.. ورأسه يحمل لحظات ثقيلة وكثيرة.. يحمل مشهد قتله الأول لصديق عمره سيد سليمان.. وكيف مزق جسده إلى 5 أجزاء.. وكيف حققت معه النيابة.. وكيف تم ترحيله إلى السجن.. وكيف هرب من حكم الإعدام قرابة 8 سنوات كاملة.. سأل نفسه.. هل يتكرر الأمر.. القتل الأول كان فى 9 سبتمبر 2009.. والقتل الثانى كان فى 9 سبتمبر 2009.. وكان الهروب الأول بالقطار من القاهرة إلى سوهاج.. والهروب الثانى كان بالقطار من القاهرة إلى سوهاج.. وكانت العودة فى المرتين بصحبة الشرطة.. سأل نفسه.. هل سيهرب من جديد.. كان يسأل.. وعقله غارق فى التفكير ومشهد الدماء يطارده.. دماء صديقه الأول.. ودماء زوجته وأولاده.. وعقله فى سوهاج مع والدته العجوز.. ومع زوجته الأولى وأبنائه الثلاثة.. يفكر أيضاً فى «عشماوى» هذا الشرطى المختص بـ«القصاص» من القاتلين.. والذى يتكفل بـ« لف حبل المشنقة حول الرقاب».. تذكر كل هذه الأمور.. وقطع تفكيره صوت المحقق: «يالا يا كرم.. هنروح البيت عندك.. تقول لنا.. إزاى قتلت وحصل إيه».. وانطلق المحقق ومعه كرم مقيد اليدين.. وفى مسرح الجريمة شرح.. كيف وضع الأقراص المنومة.. وكيف سحب السكين.. وكيف غرسه فى الرقاب الخمس.. وكيف فصل الرؤوس.. شرح بهدوء.. وبـ«ثبات» مثل ثبات عينيه القويتين دون أن تسقط دمعة واحدة وتستقر على وجهه المسحوب.. وتقول إنه نادم.. لا.. لا.. لن تقول.