«إدلب».. الفصل الأخير لحسم الصراع فى سوريا

كتب: محمد حسن عامر ومحمد الليثى

«إدلب».. الفصل الأخير لحسم الصراع فى سوريا

«إدلب».. الفصل الأخير لحسم الصراع فى سوريا

تتوالى أيام الصراع السورى وتتبدل فيها الموازين.. من انتصر يوماً ما بات يتعرض للهزائم المتلاحقة، ومن تعرض للهزيمة بات يذوق حلاوة الانتصارات، لكن الصراع الذى قارب على أن تفصله 6 أشهر فقط عن انطلاق عامه الثامن، بات يبحث عن سيناريو النهاية للحرب بوجهَيها السياسى والعسكرى. ربما تعد «إدلب»، آخر معاقل القوات المعارضة المسلحة المناوئة لحكومة «دمشق»، هى آخر المعارك الكبرى فى المسار العسكرى للحرب، بعد أن بات دخول قوات الحكومة وحلفائها إليها مسألة وقت، وهو ما سيأتى إما بعملية عسكرية أو بتسوية ما، فالحشود العسكرية للحكومة تجمعت وأعدت عُدتها لكل المسارات، وبالتوازى مع ذلك تجرى المباحثات والمناقشات بين جميع الأطراف الراعية للحرب. اختلفت وجهات النظر حول ما إذا كانت الحرب ستضع أوزارها بعد «إدلب» أم لا، وما إذا كانت السيطرة على «إدلب» ستوصف بـ«النصر النهائى» للحكومة السورية، ولكن فى كل الأحوال ومنذ تدخّل روسيا إلى جانب الرئيس السورى بشار الأسد فى الحرب نهاية عام 2015، فإن طاولة المفاوضات والمباحثات من أجل التسوية تتغير حساباتها مع الوقت ومع كل تقدم تحرزه قوات «الأسد» حتى لو كان الفضل فيها يعود لحلفائها.

{long_qoute_1}

فى كل جلسة مفاوضات منذ التدخل الروسى، بات الرئيس السورى يمتلك كثيراً من أوراق اللعب معتمداً على ما حققه على الأرض فى ساحة الحرب، فالضربات منه تتوالى فى حلب والغوطة ودرعا وحمص وغيرها، والآن باتت «إدلب» على وشك السقوط تحت قبضته.

فى ديسمبر المقبل، تنعقد جولة مباحثات جديدة فى «جنيف» -هى العاشرة- وبالنظر إلى المسار العسكرى، فإن مؤشرات كثيرة تؤكد أن الحكومة وحلفاءها اختاروا الذهاب إلى تلك الجولة، و«إدلب» انتهى أمرها، وبالتالى فإن متغيرات كثيرة ستفرض نفسها على مسار التسوية السياسية بعد اعتراف قوى غربية كبيرة بأن «الأسد» فاز بالحرب، وهى القوى ذاتها التى لطالما قدمت الدعم للمعارضة المسلحة.

{long_qoute_2}

«عش الدبابير» هو المصطلح الذى ظهر عام 2014 من خلال تسريبات لموظف الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن، الذى كشف -حسب وثائق سربها- أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل وضعت خطة لتجميع المقاتلين والإرهابيين فى سوريا والعراق، ليكونوا قادرين على استقطاب جميع المتطرفين، بهدف تدمير الدول العربية لحماية الأمن الإسرائيلى، وهى الخطة التى عُرفت باسم «عش الدبابير» ومهّدت لظهور تنظيم «داعش» الإرهابى فى سوريا والعراق وغيره من التنظيمات المسلحة التى لم يتبقَ لها فى سوريا إلا «إدلب»، فتحول عش الدبابير الأكبر إلى نقطة البداية لعودة الدولة السورية انطلاقاً من هذه المحافظة.

على مدار الأسابيع الأخيرة، عملت قوات الحكومة السورية على تعزيز وجودها على حدود «إدلب»، آخر قلاع المسلحين المناوئين للحكومة السورية، ويبدو أن التحرّك عسكرياً نحو المدنية بات مسألة وقت، ويبقى الاحتمال الوحيد أن تحدث تسوية ما لدخول الحكومة السورية بدعم روسى - إيرانى «إدلب» دون الحاجة إلى عملية عسكرية، لكن دخول قوات الحكومة بات أمراً مسلماً به. «إدلب» كانت واحدة من 4 مناطق لخفض التصعيد، والتى تمخّضت عن لقاءات «أستانا» بضمانات روسية إيرانية تركية، وتقع فى شمال غرب سوريا مقابل ولاية «هاتاى» جنوب تركيا. وتعرّضت لغارات مكثفة منذ تدخل روسيا فى الصراع عام 2015، إلا أن المعارضة المسلحة أحكمت السيطرة عليها منذ مارس 2015.

وتحولت المدينة إلى سوريا مصغرة، بسبب موقعها القريب من الحدود التركية، واستقبلت موجات نزوح كبيرة من باقى المناطق السورية، منذ بداية الصراع عام 2011، فضلاً عن انتقال المقاتلين إليها، خاصة المناطق التى دخلتها القوات الحكومية السورية. {left_qoute_1}

«عمل نجحت فيه الدولة السورية بامتياز»، هكذا وصف مدير شبكة «البوصلة السورية» الإعلامية الدكتور خالد المطرود تجميع المقاتلين أو المسلحين فى «إدلب». وقال، لـ«الوطن» إن «الحكومة السورية فى السابق كانت تواجه هؤلاء المسلحين على كل مساحات التراب السورى، وتواجه خطة تجميع المقاتلين والمتطرفين من جميع أنحاء العالم، وبالفعل نجحت فى عملية عسكرية تدرس فى أن تتصدى لهؤلاء، وتجبرهم على التوجّه نحو إدلب، والتجمع هناك». وأضاف «المطرود»: «تجمّع المسلحون فى إدلب، وتفرّغت الحكومة لتطهير باقى المناطق والمدن والمحافظات السورية وتأمينها، حتى لم يتبقَ لها إلا إدلب». وتابع الإعلامى السورى: «الآن الخيارات كلها فى يد الجيش السورى أو فى يد الحكومة السورية، فإما تسوية يمكن أن تتحدد من خلال القمة الإيرانية الروسية - التركية، أو عمل عسكرى، وفى كل الحالات الحكومة ستدخل إدلب، وسيكون دخولها بمثابة ضربة قوية وهزيمة لخطة عش الدبابير».

«الاستعدادات وُضعت لمعركة واسعة، أو لمعركة على عدة مراحل».. هكذا تحدّث الخبير العسكرى السورى على مقصود، فى اتصال لـ«الوطن»، عن خطة عملية «إدلب». وقال «مقصود»: إن «الجيش السورى أحكم الخناق على إدلب، والخيارات لدى المسلحين والمجموعات الإرهابية داخل المحافظة محدودة إن لم تكن منعدمة.. الآن تجرى مباحثات ونقاشات مع تركيا حول ضرورة عزل السوريين فى إدلب عن غيرهم من المقاتلين الأجانب، خاصة أن تركيا هى التى أحضرت هؤلاء، وعليها أن تقوم بإخراجهم من سوريا». وحسب العميد المتقاعد بالجيش السورى، فإن معركة «إدلب» بالحسابات العسكرية ووفق آخر الاستعدادات، لن تستغرق أكثر من 7 أيام، وتكون المدينة بالكامل تحت سيطرة القوات الحكومية السورية.

وعن الدور الروسى والإيرانى فى المعركة، قال «مقصود»: إن «روسيا كما فى كل المعارك ستقدم غطاءً نارياً جوياً لعمليات الجيش السورى، وكذلك فإن إيران دورها فى دعم القوات الرديفة للحكومة السورية، لكن العمليات على الأرض الجيش السورى هو الذى يقوم بها».

وحسب أرقام مجالس الإدارة المحلية فى المدينة، تتضمّن «إدلب» نحو 3.7 مليون شخص، من بينهم 1.3 مليون مدنيون نازحون من المدن السورية الأخرى التى دخلتها قوات الحكومة أو شهدت اشتباكات. وحسب الناشط السياسى السورى ملهم الخن، فإن «إدلب ستُشكل كارثة إنسانية كبيرة، لأن مناطق الشمال السورى وإدلب مكتظة بالسكان، نتيجة موجات اللجوء والنزوح إليها»، مضيفاً: «فى أى مكان بسوريا دخلته قوات الحكومة كانت النتيجة مئات آلاف بين مشردين ونازحين وقتلى، وعندما يتم الحديث عن عمل ممر إنسانى للمدنيين، فأنت تتحدث عن إخراج هؤلاء إلى العراء وإلى المخيمات، نتيجة العمليات التى تقوم بها القوات والميليشيات الموالية للحكومة». وقال «الخن» إن «العملية العسكرية فى إدلب تعنى كذلك عرقلة عمل المنظمات الإغاثية فى الشمال السورى»، مشدداً على أن بعض التنظيمات المتطرّفة فى «إدلب» تحولت إلى عبء على سكان «إدلب»، كما هو الحال بالنسبة للميليشيات والمجموعات المسلحة الموالية للحكومة، على حد قوله.


مواضيع متعلقة