«أردوغان» ووحل الزعامة!

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

منذ أيام كتب السفير والصديق عبدالرحمن صلاح، آخر سفرائنا فى تركيا، التى تركها بعد قطع العلاقات عام 2013، مقالاً فى «المصرى اليوم» حمل عنوان «هل يستعيد أردوغان عقله؟»، تناول فيه دور تركيا وقيمتها فى الشرق الأوسط، وما تغيّر فى السياسة الخارجية التركية بعد 2011، حينما نفضت يدها من نظرية «تصفير المشاكل» التى صاغها وزير الخارجية التركى الأسبق أحمد داوود أوغلو منذ سنوات، وساهمت فى تحسين علاقة تركيا بمحيطها العربى والإقليمى. وتساءل، فى ظل الحادث فى تركيا من تراجع اقتصادى وزيادة الكبت السياسى داخلياً والافتراق السياسى دولياً وإقليمياً: هل يمكن أن يعود أردوغان لعقله ويدرك أنه يكتب نهايته بيديه؟

ودار النقاش بينى وبين السفير عبدالرحمن صلاح، فقلت له إننى أرى أن أردوغان لن يستعيد عقله ولن يبصر نقطة الرجوع التى عليه أن يتخذها، فبحكم التاريخ القريب، لا البعيد، فإن أردوغان مجرد رقم فى قائمة من أوهمتهم أمريكا بفكرة الزعامة والقدرة على اتخاذ القرار وتغيير مجرى الأحداث بدعوى أنه نموذج يجب أن يُحتذى به، فتظل داعمة له حتى إذا ما انتهت مصلحتها أو صار عبئاً عليها، تخلصت منه. ونماذج هؤلاء صدام حسين فى العراق ونورييجا فى بنما.

أما بحكم الواقع... فأى عقل سيعود له أردوغان بينما أرجل السلطان مغروسة فى شمال سوريا والعراق بقوات محتلة تدعمه فيها الولايات المتحدة، رغم الخلاف الظاهرى حول بعض القضايا التى أفسدت هدوء العلاقة بينهما، فتركيا عضو حلف الناتو العسكرى منذ العام 1952 الذى تتزعمه الولايات المتحدة. كما أن الحضور التركى العسكرى فى شمال سوريا يحقق مصالح الولايات المتحدة فى تحويل سوريا إلى مستنقعات ضد قوات روسيا وقوات النظام السورى. على الرغم من التفاهمات التركية الروسية على أرض الواقع بألا تتعدى تركيا الحدود المرسومة لها من قبَل روسيا! وهكذا يصدق أردوغان أنه قادر على أن يكون حليفاً مشاكساً للولايات المتحدة وحليفاً مستأنساً لروسيا!! فأى عقل يعود لأردوغان فى ظل هذا المشهد المتشابك بخطوط تماس مع أكبر قوتين فاعلتين فى الإقليم؟ فى ذات الوقت الذى خسر فيه علاقته مع العالم العربى بدعمه الإخوان وتمويل ميليشيات الإرهاب، وفى مقدمتها «جبهة النصرة» التى أعلنها منذ أيام إرهابية إرضاءً لروسيا!!

أما على المستوى السياسى الداخلى فى تركيا، فقد تزايدت كتلة المعارضة لأردوغان بامتلاكه كافة السلطات، بموجب تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم من برلمانى لرئاسى، وبعد انتشار قضايا الفساد التى تلاحق المقربين منه وتعيينه لهم، وربما كان نموذج تعيين زوج ابنته وزيراً للمالية أبرز مثال، فى ذات الوقت الذى تشهد فيه الأحوال الاقتصادية التركية تراجعاً غير مسبوق منذ سنوات بعد أن كانت تحتل المركز السابع عشر فى الاقتصاد عالمياً عام 2012، وتخطط لأن تحتل المركز السادس عام 2023. وإنه لولا المساندة الأوروبية -وعلى رأسها دعم ألمانيا- لتركيا، لكان فى الحديث حديث، فحجم الديون التركية لبنوك أوروبا 200 مليار دولار، وهو ما يعنى إفلاس تلك البنوك فى حال انهيار تركيا اقتصادياً، وهو ما يعنى مزيداً من موجات الإرهاب واللاجئين لأوروبا.

كان رد السفير عبدالرحمن صلاح أنه يعول على عقلاء تركيا، ومن بينهم السيد أرشد هرمزلو، مستشار الرئيس التركى السابق عبدالله جول، الذى لا يرى بُداً من استعادة العقل والحلفاء والسلام والاستقرار. فتساءلت: وهل يستمع أردوغان للعقلاء؟

للأيام إجابة.