الإسكندرية: 13 أسرة تسكن «ملجأ الحرب» انتظاراً للموت تحت الأنقاض

كتب: فاطمة محمود

الإسكندرية: 13 أسرة تسكن «ملجأ الحرب» انتظاراً للموت تحت الأنقاض

الإسكندرية: 13 أسرة تسكن «ملجأ الحرب» انتظاراً للموت تحت الأنقاض

جدرانها تفوح منها رائحة الخوف، كانت ملجأ لأهالى منطقة القبارى، غرب الإسكندرية من غارات الطيران فى الستينيات، انتهت الحرب وما زالت الملاجئ قائمة تحت الأرض، استغلها الفقراء كمسكن يؤويهم من برد الشتاء وحر الصيف.. وحينما ضاقت الملاجئ بساكنيها شرعوا فى بناء «بلوكين» أعلى الملاجئ تسكنهما «13» أسرة، وبمرور الزمن تهالكت الجدران وأصبحت آيلة للسقوط وسط رضوخ السكان للقضاء والقدر لأنهم لا يملكون ما يعينهم على تدبير سكن بديل.

{long_qoute_1}

يعم الظلام داخل ممر ضيق بعرض نصف متر وطول أكثر من 10 أمتار، تنتشر الروائح الكريهة التى تدل على أن المكان لا تدخله الشمس ولا الهواء، يحتوى الممر الأرضى على 13 غرفة، وحمام واحد مشترك، لا تتعدى مساحته مترين، إضاءته شبه معدومة، ويصعب الرؤية بداخله، يضيق النفس من قلة الأكسجين، ما تسبب فى معاناة القاطنين بتلك الملاجئ من الأمراض الصدرية المزمنة، وأمراض العظام، وضعف البصر، بالإضافة إلى ضعف الخدمات، وعدم وجود شبكة للكهرباء، أو شبكة صرف صحى، والتى دائماً ما تتسبب فى طفح مياه الصرف الصحى بداخل الممر، ما يضطر سكانه إلى وضع «بلوكات» من الطوب، وألواح خشبية فوق مياه الصرف للوصول إلى غرفهم، وأعلى الملاجئ 5 أدوار علوية، تقطنها باقى الأسر ويعيشون نفس معاناة القاطنين تحت الأرض.

فى شهر يناير الماضى، عرض حى غرب على سكان الملاجئ والبلوكين (9، 10) الانتقال إلى مساكن توشكى التابعة للمحافظة، إلا أن الأهالى رفضوا، واصفين مساكن «توشكى» بأنها «منفى غير آمن»، وطالبوا بنقلهم إلى مشروع «بشائر الخير»، وقالت سعاد أحمد، 43 سنة، إنها مطلقة وتعول 3 بنات وولداً، وتسكن مع والدتها فى تلك المنطقة منذ أكثر من 12 سنة بعد طلاقها، موضحة أن المساكن التى تعلو الملاجئ تحتوى على بلوكين، وكل بلوك يضم 50 شقة، بالإضافة إلى 13 شقة تحت الأرض فى الملاجئ، وبعض الشقق تحتوى على غرفة وصالة، وبعضها يحتوى على غرفة واحدة، وجميعها مشغولة بالسكان من أصحاب المهن اليومية والذين يعانون جميعهم ضيق الحال، وكثرة الالتزامات، وأضافت: «ذات ليلة شعرنا بأن البلوك ينهار، وبعد خروج الجميع من شققهم اكتشفنا سقوط سقف شقة جارنا سعيد أحمد عبدالرحمن، 48 سنة، جامع للبلاستيك، وأب لـ7 أبناء فى مراحل عمرية مختلفة، انهار السقف عليه وأبنائه وزوجته التى كانت فى شهرها الأخير من الحمل، وحينها حضرت قوة من الحى ومديرية الأمن للمعاينة، وأصدروا قراراً بنقلنا إلى مساكن «توشكى»، ولكننا رفضنا بعد زيارتنا لها لمعاينة الوضع هناك»، مضيفة: «وجدنا توشكى مساكن مهجورة ومأوى لمتعاطى المخدرات، ومعظمنا لديه بنات وشباب فى سن خطرة لا نستطيع تركهم فريسة لخطر البلطجية».

وأشارت والدة سعاد وتُكنى بـ«أم محمد» 77 سنة، إلى إنها تسكن فى تلك المساكن منذ أكثر من 40 عاماً ولا تتقبل فكرة الانتقال إلى مكان آخر لا تعرفه «مش هتبهدل فى مكان غريب عليّا فى آخر أيامى»، مشيرة إلى أن كل ذكرياتها وحياتها بهذا المكان المتواضع التى لم تشعر فيه طول حياتها سوى بالسعادة، وأضافت أن المأساة ليست لسكان المخابئ فقط، فالبلوكات التى تعلوها أيضاً آيلة للسقوط، والسلم الذى يصعد عليه السكان غير آمن، وتتساقط أجزاؤه باستمرار، والشقق متهالكة بشكل مبالغ فيه، حتى ظهر الحديد الخرسانى من أسقفها، وحتى أسوار الأسطح وأجزاء من البلكونات تساقطت أيضاً.

{long_qoute_2}

ويضيف أحمد محمود، 62 سنة، بالمعاش، يمتلك غرفة فى المخبأ، أنه أصيب بكسر مضاعف فى قدمه اليمنى منذ أكثر من 6 أشهر، وأجرى أكثر من 3 عمليات جراحية، مشيراً إلى أنه يسكن فى حجرة مع زوجته التى تعانى من الغضروف، ودائماً ما يشعرون بالخوف والرعب خوفاً من انهيار البلوك الذى يعلو الملاجئ، وتساءل: «ما الذى ينتظره المسئولون لإنقاذ أرواح أكثر من 30 أسرة معرّضة إلى كارثة مفجعة؟».

«أغلبنا فى الصيف يفترش الرصيف لينام فوقه من شدة الحر وهرباً من الحشرات والقوارض كالفئران والصراصير»، هكذا وصف الوضع محمد السيد، 35 سنة، سواق نقل، وأحد سكان الملجأ، مشيراً إلى أن كبار السن يقضون حاجتهم فى جرادل، فهم لا يستطيعون الخروج ليلاً إلى الحمام المشترك، فضلاً عن إصابة معظم القاطنين للمكان بحساسية الصدر من شدة الرطوبة، وتشبّع الجدران الداخلية للحجرات بالماء.

اللواء محمد عبدالوهاب، رئيس حى غرب بالإسكندرية، قال إن الحى حصر عدد الأسر بهدف توفير مساكن بديلة لهم، موضحاً أنه بالفعل تم إخطارهم بوجود مساكن بديلة فى منطقة مساكن توشكى، غرب الإسكندرية، ولكنهم رفضوا وطالبوا بنقلهم إلى مشروع بشائر الخير لمستواه الأعلى بكثير من مساكن توشكى، ولكنه لم ينتهِ حتى الآن من مرحلتيه الثانية والثالثة، وأضاف عبدالوهاب: «قاطنو الملاجئ والبلوكات هم ملاك الشقق وليسوا مستأجرين وعندما تقدم كثيرون منهم مطالبين بترميمها على نفقة الدولة لعدم قدرتهم، رفعنا الأمر لمديرية الإسكان باعتبار أن تلك المبانى تتبع فى الأصل مديرية الإسكان»، مشيراً إلى أن الحى ليس بيده شىء يفعله لسكان تلك المساكن، واحتمالية نقلهم إلى بشائر الخير ضعيفة.

الأهالى ينتظرون سقوط الأسقف عليهم فى أى لحظة


مواضيع متعلقة