طاجن الزبادى.. «من فات قديمه تاه»

طاجن الزبادى.. «من فات قديمه تاه»
«العطوف» ذلك الحى الممتلئ بروائح الزمن، أساطير كثيرة نسجت من وحى هذا الحى وحكايات أقربها إلى الذهن حكايات فتوات العطوف والحسينية التى امتلأت بها روايات نجيب محفوظ الذى ربما يكون قد مر يوما على ذلك المحل القديم وأكل هناك «طاجن زبادى».
«ألبان لكلوك» لافتة علقت على المحل تحمل تاريخا منذ عام 1917، مائة عام على ذلك المحل الذى اشتهر بتقديم اللبن والزبادى والأرز باللبن، ربما لم ينل حظه من لشهرة كما نال غيره من أصحاب المهنة، لكن تبقى كلمة صاحبه الذى تركه ليذهب للحج ذات مرة فلم يعد وفضل أن يموت ويدفن فى البقيع «اللبن صنعة والزبادى حرفة مش لأى حد».
الأب الحاج محمد لكلوك، الذى أنشأ المحل وتركه لابنيه ميراثا استحلفهما بالله ألا يغيرا نشاطه يوما، سيد وحسن.. ولدان لم يكونا طفلين وقت أن تركهما والدهما للحج ولم يعد بل قد كانا رجلين لكل منهما عمله؛ حيث استأثر سيد بمحل الألبان وذهب حسن يبحث عن صنعة فى مجال آخر: «اشتغلت حرفى نجف ونحاس وديكورات ودى شغلانة كنت باكل منها الشهد».[Image_2]
مات الأب بالسعودية وبعده بقليل مات الابن الأكبر سيد وتولاها حسن الابن الأصغر وولى العهد الثانى الذى حمل راية «ألبان لكلوك»، الحال تغير والتسعينات حالها يختلف عن العشرينات وبدأ البلاستيك يغطى كل شىء حتى طواجن الزبادى: «عملنا كوبايات بلاستيك لكن فضل الحنين لطاجن الزبادى».
أم أحمد، الشريك الغائب فى محل لكلوك، تشم رائحة أنفاسها ولا تجدها: «الصنعة سر ونفس.. السر كان سر أبويا، وإنما النفس فلينا أنا وأم أحمد».. يتذكرها دوما حتى إن لم تعد تأتى إلى المحل: «السن ليه حكمه.. شقيت معايا كتير».
«أنا بعمل الزبادى على الفحم».. كان هذا هو سر الصنعة الذى ينتقل من جيل لآخر فى أسرة لكلوك، يحكى الحاج حسن: «الفحم بيولع زى الشوى بالظبط، وبيتحط فى أنجرة فخار كبيرة بيكون فيها رماد قديم ويتحط الزبادى عليه عشان ما يبوظش، وبعدين يدخل الحضانة 5 ساعات وبالهنا والشفا»، الحاج حسن لا يرى فارقا كبيرا فى طاجن الزبادى الذى يقدمه عن أى زبادى آخر: «يمكن الاختلاف بسيط بس هو الرزق بيحب صاحبه».
«يوجد توصيل طلبات.. ديليفرى» خدمة جديدة يضيفها الحاج حسن لزبائنه الذين يبعدون عن المحل: «عندى زباين كتير فى الجمالية والحسين بعيد شوية عن العطوف»، لا يريد أن يخسر زبائنه بسبب بُعد المسافة عن المحل، دراجة يقودها حفيده تجوب أرجاء الجمالية والحسين وأحيانا كانت تذهب بعيدا إلى الحدود مع السيدة زينب لتلقى التحية فى كل رمضان قبل الثورة على اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة الأسبق: «كان بيطلب طاجن الزبادى كل ليلة فى رمضان».