قصة من التراث الشعبى الكويتى

كتب: ماما سماح

قصة من التراث الشعبى الكويتى

قصة من التراث الشعبى الكويتى

ردت العجوز بصوت حزين: لكننى فى الصباح أنسى السر، فأنا لا أذكره إلا ليلاً والآن تذكرته! فرح اللص واعتقد أن العجوز ستبوح بسر الكنز الذى تخبئه.. من التراث الشعبى الكويتى أهدت الكاتبة الكويتية لطيفة بطى قصة بعنوان (أم الفِريج) لصفحة بدأت الحدوتة.. أدعوكم أصدقائى إلى أن تستمعوا بها. فى اللهجة الكويتية يقلب حرف (القاف) فى بعض الكلمات إلى حرف (الجيم)، الفِريج إذن هى الفريق، والفريج هو الحى الذى يعيش فيه مجموعة أو فريق من الناس، والفرجان صيغة الجمع أى الأحياء، وكانت بعض الأحياء تحمل أسماء بعض الأشخاص أو الأولاد مثل: فريج صويلح، فريج سلّوم. فى قديم الزمان، عاشت فى أحد الفرجان عجوز طيبة ونشيطة، تقوم بجمع الأعشاب وخلطها وصنع أدوية منها تستخدمها فى علاج المرضى من أهل الفريج. كان الكل يحب تلك العجوز ويحترمها، ليس لكبر سنها فقط، وإنما أيضاً لأنها عندما كانت سيدة شابة كانت تساعد النساء الحوامل على وضع أطفالهن لحظة الولادة، وتشاركهن فى العناية والاهتمام بهم وتقديم النصائح المفيدة لهن لينمو أطفالهن أصحاء من الأمراض، كان الكل يعتبرها أماً ثانية له، ولأن الله تعالى لم يرزقها وزوجها بأى أطفال سماها الناس (أم الفريج) لتشعر بالفرح والسعادة لأن الله قد عوضها بأبناء وبنات الفريج الطيبين وبعد أن كبرت فى السن، وبعد موت زوجها، أصبح الناس يهتمون بها ويسألون عنها باستمرار، مر على الفريج شتاء بارد قارس خاف فيه الناس على صحة العجوز، فقاموا بجمع الحطب كى تشعل النار للتدفئة، وأحضروا لها الطعام حتى لا ينقصها شىء إن لم يتمكنوا من زيارتها، شكرت العجوز أهل الفريج على اهتمامهم بها، فى أحد الأيام تسلل لص أحمق إلى (الفريج)، وقال: لا بد أن تكون (أم الفريج) غنية جداً تمتلك الأموال والكنوز، انتظر حتى جاء الليل ونام الناس، تسلق الجدار المنخفض لبيت العجوز وهو يحلم بالكنز العظيم. صُدم اللص عندما ركز نظره فى الظلام فلاحظ أن البيت كان بسيطاً جداً، ولم يكن مؤثثاً بأحسن الأثاث كما كان يعتقد، كانت توجد فقط كومة من الحطب وسرير (أم الفريج) الخشبى البسيط، وعلب صغيرة مملوءة بالأدوية والأعشاب تسربت إلى أنفه روائحها المختلفة، قال اللص: لن أخرج من دون أن أسرق شيئاً، فكر فى سرقة العباءة الصوفية التى تتدثر بها، أحست (أم الفريج) بالبرد فمدت يدها تبحث عن العباءة ولما لم تعثر على طرفها فتحت عينيها فلمحت اللص وتجمدت فى فراشها ولم تتحرك، كان اللص مشغولاً بإفراغ العلب من الأعشاب ولم يكن منتبهاً إلى أن العجوز استيقظت، صرخت (أم الفريج) قائلة: قف من أنت؟ ارتبك اللص من شدة الخوف وأجاب: أنا ولدك سلمان، قالت العجوز: آه سلمان ولدى الطيب، أنت أفضل إخوتك، دائما تأتى لزيارتى ومساعدتى، تعال يا ولدى واجلس معى فالليل طويل جداً وبارد، انزعج اللص وشعر بأنه وقع فى مأزق فقال: نامى يا أمى ستشرق شمس الصباح بعد قليل وتمنحك الدفء، أمسكت العجوز بيده قائلة: لا تتركنى يا ولدى، أرغب فى الحديث معك، قال اللص: سأعود فى الصباح، ردت العجوز بصوت حزين: لكننى فى الصباح أنسى السر، فأنا لا أذكره إلا ليلاً والآن تذكرته! فرح اللص واعتقد أن العجوز ستبوح بسر الكنز الذى تخبئه، طلبت منه أن يشعل النار لأنها تشعر بالبرد، ويملأ الإبريق بالماء ليعد الشاى الساخن، طلب منها أن تحكى السر بسرعة قبل أن تشرق الشمس فتنساه، لكن العجوز طلبت منه أن يضع المزيد من الحطب فى النار، لأنها تريد ناراً حامية متوهجة لتتذكر السر، سألته العجوز: هل تتذكر يا سلمان حين قلعت لك أسنانك وأنت صغير؟ رد اللص متظاهراً بالتذكر حتى لا تشك العجوز أنه ليس ولدها: طبعاً! وأتذكر أننى رميت أسنانى المقلوعة إلى الشمس طالباً منها أن تعطينى أسناناً بيضاء قوية، ضحكت العجوز من حماقته وقالت: وهل شعرت حينها بالألم؟ رد اللص: لا، لا أدرى فقد مضى زمن بعيد، هيا أخبرينى عن السر، قالت العجوز: إن أسنانى تؤلمنى يا ولدى وعندما ذهبت لحلاق الفريج ليقلعها تألمت بشدة وكنت أصيح بأعلى صوتى: آه ساعدونى، أنقذونى.. وظلت العجوز تصيح حتى استيقظ أهل الفريج على صوتها ورأوا النار تخرج من بيتها فظنوا أنه حريق وهبوا مسرعين لنجدتها، دخلوا المنزل ورأوا اللص، حاول الهرب فأمسكوا به وقيدوه وبكى قائلاً: لقد خدعتنى أم الفريج، ضحكت أم الفريج الطيبة وقالت: سأسامحك إن وعدتنى أن تترك السرقة وتتوب، رد اللص: وكيف أعيش؟ لا أجيد أى عمل سوى السرقة واليوم حتى فشلت فيها! قالت أم الفريج: ستجلس معى لأعلمك أسماء الأعشاب وأنواعها، وكيف تخلطها لتصنع الأدوية التى تعالج الناس وأعطيك أجراً تعيش منه بحرية وكرامة، وافق اللص على الاقتراح ووعدها أن يكون أميناً معها ومع الناس، ومن يومها صار أحد أبنائها الذين تعتز بهم وأحبه كل أهل الفريج.