"ملتزمة" في البيت المهجور.. "مسنة فقدت أبناءها وهجرها أحفادها"

كتب: سحر عزازى

"ملتزمة" في البيت المهجور.. "مسنة فقدت أبناءها وهجرها أحفادها"

"ملتزمة" في البيت المهجور.. "مسنة فقدت أبناءها وهجرها أحفادها"

داخل بيت شبه متهالك تظنه مهجورًا، تجلس ملتزمة أحمد عبدالله، 90 عامًا، وسط مخلفات وحشرات وبقايا طعام تعفن، يتساقط سقفه عليها ببطئ دون أن تشعر، ترافقها بعض الأدوات البسيطة التي تؤانس وحدتها بعد فراق زوجها ومن بعده خبر رحيل ولديها "عباس وعمار"، قرة عينيها التي فقدت الرؤية بإحداهما من شدة البكاء حتى هذه اللحظة ليتبقى لها بصيص نور ترى من خلاله.

تحكي السيدة التسعينية أن العيد أو أي مناسبة تأتي عليها بلا رفيق أو حبيب يشاركها تلك اللحظة التي فقدت لذتها منذ غيابهم، وتحولت لذكرى مؤلمة تحاصرها في مكانها الضيق، تقول بكلمات تحمل مرارة وحزن شديد: "كل الحبايب راحوا، مبقاش ليا حد يجيني"، توفى زوجها قبل 40 عامًا وتفرغت لتربية صغارها ووهب حياتها بأكملها لإسعادهم وتعويض غياب الأب حتى رحل الأكبر بعده بـ20 عامًا واكتملت صحيفة أحزانها بغياب الأصغر: "ماتوا بس سابولي أحفاد من ريحتهم"، ولكنهم سرعان ما قرروا الرجوع لمسقط رأسهم في الصعيد لاستكمال حياتهم، وترك الجدة بمفردها في المحروسة بين جدران البيت المتهالك: "اللي مصبرني أني رايحالهم قريب".

تعيش في عالم منعزل عن الواقع، لا تهتم بمراسم العيد أو أي مصدر بهجة آخر فهي لاتتمنى من الدينا إلا حسن الخاتمة ورؤسة أحفادها، تحصل على معاش 400 جنيه شهريًا، تنفق منه على طعامها الذي يقتصر على المكرونة فقط، رافضة تناول أي صنف آخر: "مبقاش فيه أكل يلد عليا، كل مرار".

بمجرد ذكر أسماء أبنائها أمامها تنفجر في البكاء وكأنها طفل صغير يصرخ وراء أمه: "شايلة القهر جوه بطني بدل الأكل"، حين تسألها عن هل هناك أحد يأتي لزيارتها، تجيب دون تردد: "ربنا بيزروني أحسن من الكل"، ترفض العودة لسوهاج بلدها بسبب غياب كل أقاربها ولم يتبق سوى الأحفاد التي لم تعرف ملامحهم: "هروح لمين مبقاش فيه حد".


مواضيع متعلقة