السيدة زينب: انهيار.. فتشرد.. فحياة وسط الركام.. السيدات فى الداخل والرجال فى الشارع

كتب: آية صلاح

السيدة زينب: انهيار.. فتشرد.. فحياة وسط الركام.. السيدات فى الداخل والرجال فى الشارع

السيدة زينب: انهيار.. فتشرد.. فحياة وسط الركام.. السيدات فى الداخل والرجال فى الشارع

بعد أن انهار منزلهم إثر نشوب حريق مفاجئ، لم يجدوا ملجأ آخر فأقاموا على الأنقاض، داخل أزقة السيدة زينب الضيقة يكمن المنزل الخَرِب المكون من أربعة طوابق الذى تهدم كاملاً، ولم يصمد أمام النيران سوى غرفتين فى الدور الأرضى أكلت النيران جدرانهما لكن ظلتا قائمتين.

شهر كامل قضته 7 أسر فى حارة العمود بالسيدة زينب، يبيتون ليلاً فى مدخل عمارة مجاورة، معتمدين فيه على وجبتهم الأساسية من الفول صباحاً ومساء، لتحدث حالة من التهلل فرحاً عندما يبعث إليهم أحد الجيران بعلب كشرى أو أى طعام آخر. محاسن، 65 عاماً، كانت أول من استأجر شقة فى ذلك المنزل منذ عشرات السنين: «ولادى مولودين فى البيت ده، وكان كل ما حد منهم يكبر يتجوز ويأجر شقة فيه، لحد ما بقينا كلنا قاعدين فيه»، لم تكن تدفع سوى 30 جنيهاً فقط إيجاراً.

{long_qoute_1}

تحكى «محاسن» أنه عندما طال مكوثهم فى الشارع، اضطروا للانتقال إلى شقة إيجار جديد مقابل 400 جنيه شهرياً، على أن يتكاتف جميع أفراد الأسرة لدفعه، لكن المستأجر أخذ يرفع الإيجار إلى أن وصل إلى 600 جنيه، فاضطرت الأسرة للانتقال من جديد: «يعنى أنا معاشى 320 جنيه، هادفعهم إيجار ولا هأكل بيهم ولاد ابنى اللى مات، ولا هجيب علاج السكر والضغط والكبد والقلب غير علاج عينى بعد العملية»، اضطرت الأسرة للعودة إلى أنقاض المنزل القديم: «ماكانش قدامنا حل تانى».

صبرى إبراهيم، أحد أبناء «محاسن»، كان مقيماً بشقة بمفرده فى ذات المنزل، يعمل بمخبز مقابل أجر 30 جنيهاً يومياً كحال بقية رجال المنزل: «دُخنا وإحنا بندور على التعويض، كان نفسنا يدونا شقة تانية، ماحدش محتاج قدنا، لكن ما أخدناش غير ألفين جنيه صلحنا بيهم المية والمجارى وبنينا حيطة تفصل بين الستات والرجالة». عرض مدخل المنزل نحو متر ونصف المتر، أمامه ترقد أريكة متهالكة، الجالس عليها ربما تحتك أنفه بالحائط المقابل من ضيق المساحة، يعبرون من جانبها بصعوبة، تنام «محاسن» عليها ليلاً، الأرضية مقابل الأريكة مغطاة ببطانية ممزقة ومخدة قديمة متسخة، وهو مرقد «صبرى» وبقية رجال وأطفال البيت، يعلوهم منشر غسيل تتهدل منه عدة ألبسة بالية، تتدلى من الباب الحديدى للمنزل ستارة تحجب عنهم أعين المارة المتطلعة إليهم أثناء نومهم على الأرض عبر فتحات الباب.

فى الداخل لا يوجد سوى غرفة واحدة ضيقة بسرير صغير يستخدم نصفه للنوم والآخر كدولاب بديل يحمل مقتنياتهم المتواضعة، تعلو الغرفة لمبة صفراء مزعجة، تَعِدهم بلهيب إضافى لحر الصيف الشديد، وهى الملاذ الوحيد لنساء المنزل، وفى النهاية يختبئ حمام صغير يعجز عن مداراة الشروخ الكثيرة التى غطيت بالجبس الأبيض، شاهدة على ما ناله هذا المنزل المتهالك من أحداث جسام.

بقية أدوار المنزل خاوية على عروشها، لم يبق منها سوى سلم بلا سور يصعد بك إلى تلال الركام وكومة من الأثاث الهالك، وبقايا حوائط صبغت جميعها بالسواد من أثر الحريق.

أكثر من عامين ونصف العام، تسعى هذه الأسر لشقة بديلة، طرق «صبرى» كل الأبواب جاءه الرد: «لازم البيت يتساوى بالأرض عشان تاخدوا تعويض». فى المنطقة نفسها ولكن بعقار آخر، حلت لعنة التشرد على سكان المنزل رقم 22 شارع حلوان، إثر انهيار العقار كاملاً، ومنع أصحابه من الحق فى تقديم طلبات التعويض، حيث تشترط انهيار المنزل كاملاً بجميع أجزائه، لكن شرفة المنزل التى بقيت صامدة ظلت واقفة لأصحابه بالمرصاد، خاصة أنها بنيت على طراز معمارى أثرى، منذ أكثر من 170 عاماً، بحسب جابر مصلح، 28 عاماً، ابن صاحب العقار، الذى سعى كثيراً للحصول على تعويض من الجهات المنوطة: «قالوا لى لما البيت يقع كله هنبقى نديك شقة تانية»، عجز «جابر» عن التصرف بعدما تحفظت هيئة الآثار على بقايا منزله: «البيت أصبح تبع هيئة الآثار عشان خاطر القبة النصف دايرة اللى فى البلكونة دى، يعنى أنا لو شيلت طوبة من مكانها يتعمل لى محضر دلوقتى»، اضطر أن يبحث عن شقة بديلة بإيجار 1500 جنيه لتقيم بها أسرته المكونة من سبعة أفراد، استمر الحال هكذا طوال ستة أشهر منذ انهدام المنزل: «مابقيتش قادر أدفع الإيجار، وأنا العائل الوحيد لأسرتى، معايا دبلوم صنايع ووظيفتى مش ثابتة، مش ثابت غير 300 جنيه بتاخدهم جدتى معاش». تهدم المنزل على أكثر من ثلاث مرات: «البيت وقع على كذا مرة، اتهدت واجهته وبعدها بشهرين اتهد جانبه»، المنزل يشكل خطراً على المارة لأنه يطل على شارع عمومى، بمحاذاة محطة مترو السيدة زينب: «عملت محضر أخلى فيه مسئوليتى عن البيت، لأنه لما وقع قبل كدا بهدل الدنيا ووقف الطريق، وسد منزل النفق اللى قدامه».

يظهر طلاء الصالون فى الأدوار المهدوم نصفها للناظرين، وتشهد تشطيبات الغرف البارزة على أثر إقامة العروسين لمدة عدة أشهر فى البيت قبل تهاوى جدرانه: «أخويا كان عريس جديد، راح كل عفشه وعزاله، ومتبهدل دلوقتى فى الإيجارات والغلاء، وكل ده ماكانش فى الحسبان».

 

«محاسن» تقيم أسفل العقار المنهار لارتفاع الإيجارات


مواضيع متعلقة