أنور السادات

قبل يومين قرر الكونجرس الأمريكى تكريم اسم الرئيس الراحل أنور السادات لإنجازاته التاريخية ومساهماته فى نشر السلام فى الشرق الأوسط. تولى «السادات» الحكم فى ظروف عصيبة، كان أشدها عليه احتلال أرض سيناء عشية نكسة يونيو 1967. الشارع المصرى كان يغلى، والشباب لا يتوقف عن التظاهر لاستعجال قرار الحرب. لم يكن الشارع يعلم الصعوبات التى يواجهها الرئيس. الاتحاد السوفيتى يماطل فى منح مصر الطائرات التى تمكنها من الوصول إلى العمق الإسرائيلى وكذا الأسلحة اللازمة لإنجاز مهمة خطيرة مثل العبور وتحطيم خط بارليف، وفرنسا قررت سحب يدها من المسألة ومنعت بيع الأسلحة لكل من مصر وإسرائيل. وحول «السادات» تحلّقت مجموعة من القادة الذين لم يفهموا رؤيته فى ضرورة خوض حرب ضد إسرائيل تؤدى إلى الخروج من دائرة «اللاسلم.. واللاحرب»، وتحريك الماء الراكد فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى، ويصرون على خوض الحرب تحت «الجاهزية الكاملة»، وهو أمر كان يرقى حينذاك إلى درجة الاستحالة.

فى تل أبيب كان المسئولون الإسرائيليون يراقبون تحركات «السادات»، وتوقع أغلبهم، بناء على ما كان يصلهم من معلومات، أن حديثه عن الحرب مجرد محاولة لتسكين الشعب حتى ينسى، كانوا يعلمون موقف من يحيطون به ورفضهم خوض الحرب إلا تحت شروط معينة. أخذ الراحل على عاتقه مهمة الإعداد للمعركة، وبدأ يتخلص من المثبطين من حوله. حدد ساعة الحرب واحتفظ بها سراً لنفسه حتى الساعات الأخيرة من اندلاع القتال فى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت الموافق 6 أكتوبر، أخفى «السادات» موعد الحرب عن أقرب المقربين، بمن فى ذلك رؤساء عرب كانوا يساندونه فى المعركة، مثل الملك فيصل، عاهل المملكة العربية السعودية، والعقيد معمر القذافى، رئيس ليبيا. ربما تكون قد وصلت إلى إسرائيل معلومات حول توقيت الهجوم، لكن ذلك كان فى الوقت الضائع، حيث لم يكن بمقدورها الاستعداد لإحباط الهجوم. الفضل فى ذلك يرجع إلى حيطة «السادات» وحذره. هذه الثقافة فى التخطيط والإدارة كانت غائبة تماماً فى حرب يونيو، لكنها حضرت بقوة فى حرب أكتوبر.

تحرك الماء الراكد فى المنطقة بعد الانتصار الذى حققته مصر عام 1973، وسارعت القوى الدولية إلى التدخل لحل الإشكالية، طالب «السادات» باسترداد سيناء كاملة غير منقوصة، وإقامة دولة فلسطينية فى الضفة والقطاع. رضخت إسرائيل التى جربت الهزيمة لأول مرة منذ زرعها فى المنطقة لمطالب «السادات»، وبدأت المفاوضات لاسترداد الأرض المصرية. وأبى العرب المشاركة فى المفاوضات، ولم يلتفت إليهم «السادات»، وأيضاً لم يحاول شرح رؤيته لهم. عادت سيناء إلى مصر، وكان هذا الإنجاز درة التاج فى تاريخ الرئيس الراحل.

استُشهد «السادات» فى يوم نصره عام 1981، واستراح البعض لغيابه عن المشهد، ولا يستطيع أحد أن يجزم إذا كان هذا البعض قد لعب دوراً فى اختفائه أم لا، لكن الهدف كان قد تحقق. فقد تولى الحكم و6% من مساحة مصر تحت الاحتلال الصهيونى، وقابل وجه ربه بعد أن تحرر هذا الجزء الغالى من أرض مصر. رحم الله أنور السادات.. الحاضر الغائب.