كنيسة مسطرد.. «صوم العذراء» ينتهى بـ«أضحى المسلمين»

كتب: محمد أبوضيف

كنيسة مسطرد.. «صوم العذراء» ينتهى بـ«أضحى المسلمين»

كنيسة مسطرد.. «صوم العذراء» ينتهى بـ«أضحى المسلمين»

مشهد رأسى يكشف تلك المساحة الدائرية من أرض حى مسطرد، لا تتعدى بضعة كيلومترات، صليب وهلال يغوصان وسط مبانٍ عشوائية، وإلى جوارهما بئر مقدسة باركها المسيح، وضريح لولى صالح، باب كنيسة العذراء لا يفصله عن باب «الجامع الكبير» بمسطرد سوى أمتار قليلة، الجميع فى صلاة. يحتفل الأقباط بعيد نهاية صوم العذراء، ليلة عيد التجلى، فى حين أقام مسلمو المنطقة ذاتها على بعد بضعة أمتار صلاة عيد الأضحى.

وجوه الخارجين من القداس وصلاة عيد الأضحى لا يفرقها شىء، السمرة التى لوحتها شمس الصيف، والضحكة التى ارتسمت على الوجوه ومظاهر الفرحة بالعيدين واحدة. الكل يرتدى حلته الجديدة، ألوان زاهية تزين عشوائية المكان، وتغير من مشاهد القمامة المتراكمة، ورائحة الفسيخ التى تملأ الهواء، تكبيرات العيد تعلو، وسط زغاريد الزائرين لمخبأ مريم العذراء والمسيح.

فى نفس تلك المساحة، يوم 11 أغسطس الحالى، كان متطرف يتجول عن مقربة وبين ثنايا ملابسه كمية لا بأس بها من المتفجرات، يتحين الفرصة لحصد أكبر عدد من الأرواح من الأقباط أمام الكنيسة، لكنه لم ينجح، ولم تسقط سوى ضحية واحدة. رغم التطرف الذى كان قريباً منهم، تجمع الأقباط للاحتفال بعيد ختام صوم العذراء، أو «عيد التجلى»، وهو وفقاً للاعتقاد المسيحى اليوم الذى رفع فيه جسد العذراء للسماء، ويصوم قبله الأقباط 15 يوماً، وكان الاحتفال فى كنيسة العذراء بمسطرد مختلفاً عن غيرها، ومع أول ضوء للشمس، كان جموع الأقباط يحتشدون فى انتظار أن تفتح الكنيسة أبوابها، بينما شاركهم المسلمون بالأضاحى التى قدمت نذوراً للكنيسة.

{long_qoute_1}

يظهر فى الشوارع المحيطة بالكنيسة والمسجد صفوف من المحال ممهورة بأسماء العائلة المقدسة والمسيح، مملوءة بالحلوى والأسماك المملحة، وعلى أبواب الكنيسة، يظهر صبية ينقشون الوشوم والصلبان المسيحية على أيادى وأجساد الزائرين المقبلين للتبرك بالمغارة والبئر المقدسة داخل الكنيسة، التى تعد واحدة من مسارات العائلة المقدسة خلال زيارتها لمصر.

سامى حنا، قبطى يسكن فى كنف الكنيسة، بات ليلته للإعداد للقداس الصباحى، فالرجل الخمسينى الذى يعمل موظفاً بالكهرباء واحد من خدام الكنيسة، يقول: «هذا يوم مميز، ففيه يحتفل المسلمون والمسيحيون بأعيادهم، رغم أنهم طوال الزمن ودون تلك المصادفة كانوا فى تلاحم وتعاطف»، وتابع: «كثير من المسلمين يقدمون للكنيسة النذور والأضاحى من الماعز والخراف فى عيد الأضحى وفى غيره».

وليس للكنيسة وحدها بل إن عدداً من المسلمين يوزعون على أقباط مسطرد أجزاء من الأضاحى كما يوزعون على مسلميها، على رمضان جاب الله، مسلم يعيش فى منزل على مقربة من الكنيسة، ذبح جملاً للأضحية ووزع منه على «سامى حنا» والأقباط من جيرانه، وهى عادة كل عيد، على حد قوله. «حنا» يؤمن بقدسية المكان، يقول إن السيدة العذراء والمسيح حين أصابهما الظمأ حفر بأصبعه فتفجرت عين ما زالت تنبع حتى الآن، ولم تجف يوماً، وإلى جوارها كانت مغارة لجآ إليها للاختباء من اليهود، ويعود اسم «مسطرد»، وهى كلمة قبطية بمعنى المسبح، لاستحمام السيد المسيح عيسى بن مريم.

بجوار جرادل مملوءة بالمياه المباركة يجلس بولا موسى، 17 سنة، وإلى جواره مينا مجدى، من خدام الكنيسة، ليقوما بتوزيع أكياس المياه المباركة رفقة زملائهما من شباب المنطقة المتاخمة للكنيسة، يقول «مجدى» إنه يعمل منذ السادسة صباحا لملء تلك الأكياس، ويستمر عمله يوم العيد حتى 12 منتصف الليل، وهدفهم تيسير حصول الزائرين على المياه، فعلى حد تعبيره: «الزوار أكبر من أى عام مضى».

وفى المغارة ترتفع أصوات السيدات بالزغاريد بمجرد الدخول، ولا يتوقف الخدام عن تنظيم الزائرين.


مواضيع متعلقة