بالفيديو| "الوطن" تنقل شهادات شخصيات سياسية عاصرت أيام "عيون الحرية"

بالفيديو| "الوطن" تنقل شهادات شخصيات سياسية عاصرت أيام "عيون الحرية"
بصدورٍ عارية قابلوا الرصاص، ومن حناجر خنقها الغاز أخرجوا أصدق هتافات الحرية. شخصيات سياسية عاصرت هؤلاء الشباب في محمد محمود خلال الأحداث، وتنقل "الوطن" شهاداتهم على أسبوع "قلب الموازين".
نزولها إلى شارع محمد محمود جاء كرد فعل لنبأ إصابة الناشط مالك مصطفى في عينه. كانت إسراء عبد الفتاح ضمن آلاف المتظاهرين الذين انضموا إلى ميدان التحرير ليلة 19 نوفمبر 2011، لتنال حظها من الاختناق ومرور طلقات الخرطوش أمام عينيها، وحمد الله لحظة العودة إلى منزلها وهي ما زالت حية.
ما أسمته إسراء بـ"غباء" قيادات وزارة الداخلية التابعة لنظام مبارك آنذاك، هو ما أوصل عدد المتظاهرين في غمضة عين إلى عشرات الآلاف: "الداخلية كانت فاكرة إنها لما تفض اعتصام فيه 34 شخص تبقا خلصت الحكاية، لكن ما أدركوش إن موت أو إصابة متظاهر واحد يجيب ألف مكانه".
رغم أن قنابل الغاز تسببت لها في اختناقات عديدة، إلا أن طلقات الخرطوش كانت تمثل أشد اللحظات صعوبة. "لمَّا كان البلي بتاع الخرطوش يمر قدامنا، كان كل واحد فينا يفتكر إن هاييجي عليه الدور، وإنه بينه وبين الموت خطوة، ده غير حالات التشنج اللي كانت بتحصل جنبي كل دقيقة بسبب الغاز. الألم النفسي ده جريمة لوحده".
لم تكن طلقات الخرطوش وقنابل الغاز الخانقة السبيل الوحيدة التي استخدمتها الداخلية لقتل المتظاهرين، بحسب إسراء، "المتظاهرين من كُتر خوفهم إن الداخلية تتقدم وتكسب أرض جُوَّه الميدان، كانوا بيندفعوا ناحية الصفوف الأولى لمواجهة لقوات الأمن، يعني خوفهم من اقتحام الداخلية لميدانهم كان بيتسبب في موتهم، وعشان يدافعوا عن بقية صفوف الميدان كانوا بيضحوا بنفسهم".
تؤكد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة له دور فيما حدث، ويجب محاسبة أعضائه: "مش الداخلية لوحدها اللي تتحمل مسؤولية جرائم محمد محمود، لكن اللي كان بأيدهم يصدروا الأوامر وسابونا نموت، دول لازم يتحاكموا زي ما حاكمنا مبارك لأنه سمح بقتل المتظاهرين".
شهداء محمد محمود باتوا طي النسيان. لم تقم الدولة بأقل أدوارها في توثيق أسمائهم، ولم يجتهد الإعلام في التذكير بهم دائما: "من كُتر الأحداث اللي حصلت بقينا نفتكرهم بصعوبة، وكتير طالبنا بوجود كُتيِّب في مجلس الوزراء يبقى فيه أسماءهم ومعلومات عنهم، عشان حتى لو مجاش حقهم في حياتهم يتنصفوا بعد ما لقوا الشهادة، لكن حتى لو القصاص مجاش لأهلهم في الدنيا، قصاص الآخرة أعدل بكتير".
حالة من الذعر تجتاح المتظاهرين. أدخنة كثيفة، أعيرة خرطوش، غاز مسيل للدموع يحجب سماء وسط المدينة. كان ذلك أول مشهد صادفه محمود عفيفي، القيادي بتيار الشراكة الوطنية، لحظة دخوله محيط محمد محمود. عشرات المصابين يسقطون كل دقيقة. "كان واضح جدا إن الداخلية تستخدم أبشع وسائل العنف في مواجهتنا. كلنا حسِّينا إن الغاز اللي بيترمي علينا غريب، وأصعب من اللي كانوا بيرموه في الثورة".
دور عفيفي داخل شارع محمد محمود لم يقتصر على تواجده بالمستشفى الميداني ونقل الإمدادات الطبية والغذائية لها، بل حمل على عاتقه التصدي إعلاميا لما أسماه بتصفية الثوار من كل الجوانب: "الإعلام في الفترة دي كان بيصور المتظاهرين على إنهم بلطجية عايزين يقتحموا وزارة الداخلية، لكن الحقيقة إنهم كانوا هناك عشان يمنعوا الأمن من دخول الميدان والسيطرة عليه".
المفاوضات مع قوات الأمن لم تنقطع طوال هذه الفترة، بحسب عفيفي، المتحدث الأسبق باسم حركة شباب 6 أبريل، الذي يروي أنه كان شاهدا على إحدى محاولات التهدئة التي سعى لها بعض شيوخ الأزهر المتواجدين في قلب الأحداث مع الداخلية. "من أصعب الحاجات اللي حصلت إننا كنا واقفين نتكلم مع قيادات الداخلية عشان نوقف الدم اللي بيسيل، وفي نفس اللحظة نلاقي قنابل الغاز تترمي علينا وتخنقنا، لدرجة إني ساعات كنت بحس إني قريب من الموت".
عيون ضائعة، وأطباء يبيتون داخل المستشفى الميداني "أيام بلياليها"، وفتيات يتمركزن على مدخل الشارع ليقابلن اختناقات الشباب برش الخل، وموتوسيكلات تهرول جيئة وذهابًا لنقل المصابين. يقول عفيفي إن ذلك هو ملخص بطولات شارع محمد محمود. "لولا الناس دي مكانش المجلس العسكري قرر يسلم السلطة ويعمل انتخابات، ولا كانت حكومة عصام شرف استقالت، ولا كان كمل العرس الديمقراطي اللي الإخوان سابونا نموت عشانه".
أبرز ما جاء في شهادتها كان الغموض. حملت علامات استفهام لم تجد لها إجابة. لم تبرئ الناشطة السياسية بثينة كامل ساحة أحد، لكنها تركت الكلمة الأخيرة للأيام علها تفهم ما حدث.
أول ما تحدثت عنه إسراء كان مشهد الاشتباكات الدائرة بين المتظاهرين وقوات الأمن على كوبري قصر النيل مساء الأحد 20 نوفمبر: "الداخلية كالعادة كانت بتضرب علينا غاز، وكان فيه حالة كر وفر بين المتظاهرين، لكن اللي أدهشني إن في عز كل ده، الداخلية قررت تنسحب من قدامنا، مع إنهم كانوا مجهزين وأقوى مننا بكتير. لمَّا سألت، قالوا إن الأولتراس جايين يساندوا المتظاهرين من اتجاه عبد المنعم رياض، لكن هل كانوا أولتراس ولا لا، ربي هو اللي يعلم".
أسباب تطور الأحداث في شارع محمد محمود أرجعتها بثينة إلى وجود طرف خفي يريد الاحتفاظ بمشهد الدماء وإشعال الأمور كلما اقتربت من نهايتها. تضيف: "مش منطقي أبدا إن ضباط الداخلية يكونوا واقفين يتفاوضوا مع شيوخ الأزهر عشان يوقفوا الدم، ويوعدونا إن الضرب هيقف، والشيوخ نفسهم اللي كانوا بيتفاوضوا يتضربوا وهما بيصلوا المغرب. ده غير تصريحات الوزير منصور العيسوي المعتادة إن مافيش خرطوش عند الداخلية، رغم إننا كنا بنشوفه بعينينا. اللي أقدر أؤكده إن أجهزة الأمن ما سلمتش من الاختراق الإخواني، اللي بيحاول يفسد ويخرب كل حاجة".
لم تُعفِ كامل الثوار من مسؤولية أحداث محمد محمود، بل رأت أنهم "كانوا بينجروا لأي فخ يتنصب لهم، وينزلوا لو سمعوا أي كلام عن إن فيه حد اتصاب أو مات، من غير ما يتأكدوا أو يشوفوا سبب ده. ده غير الجماعة اللي مسميين نفسهم نشطاء، ودايما عايزين دم عشان يكسبوا من وراه، واللي كرَّهوا الناس في كلمة ثورة".
أحداث محمد محمود كانت جزءا مما أسمته بثينة كامل "شيطنة الثورة ومحاولة إحباطها بشكل غير مباشر". تؤكد: "لمَّا كنا في محمد محمود، انتشرت إشاعة إن المتظاهرين عايزين يقتحموا وزارة الداخلية، وطبعا ده مستحيل، لأن محمد محمود ما يوصَّلش أصلا للوزارة، ولو كانوا عايزين يقتحموها كانوا راحوا شارع الشيخ ريحان، لكن الهدف كان إن الناس في البيوت تلعن حاجة اسمها ثورة وثوار".
تطالب بتحقيقات موسعة وشاملة تكشف المنفذ الحقيقي لأحداث محمد محمود، لكنها في الوقت ذاته تشير إلى أنها توصلت لنتيجة شبه نهائية، مفادها أن جماعة الإخوانالمسلمين كانت، بالتأكيد، ضلعا في هذا المخطط: "اللي يفتكر مين اللي قعدوا مع عمر سليمان وقت الثورة واتفقوا معاه، يعرف مين كان سبب كل ده". تختتم شهادتها متسائلة: "ليه الأمور احتدمت أوي كده فجأة، وما هديتش إلا في بداية الانتخابات البرلمانية اللي كسبها الإخوان؟".