مؤتمرات الشباب.. واستحداث الحوار المجتمعى!

مع ختام فعاليات المؤتمر الدورى «السادس» للشباب منذ سويعات قليلة.. والذى عقد للمرة الأولى خارج منظومته المكانية المعتادة.. ربما كان علينا أن نقيم التجربة التى باتت تقليداً محبباً إلى النفس.. تقليداً أكثر قوة من أن يستخف به أحد.. وأكثر تأثيراً من أن يتجاهله البعض بحجة انعدام مردوده المباشر على الناس..!

والواقع أن الإنجاز الأول فى رأيى هذه المرة هو كلمة «السادس».. فاستمرارية الحدث هى نجاح فى حد ذاته.. ودليل على إصرار القائمين عليه على المضى قدماً فى الخط الذى اختاروه لأنفسهم فى المكاشفة والمصارحة مع الجميع..!

ولعل اختيار المكان هذه المرة يحمل من الدلالات الرمزية ما يجعلنا نحترم حيثياته وأسبابه.. فالمكان -جامعة القاهرة أقدم وأعرق جامعة مصرية وعربية- هو الأقرب لأصحاب المؤتمر أنفسهم وهم الشباب من طلبة الجامعات المصرية كلها.. والأكثر ارتباطاً بموضوعاته ومحاوره التى ناقشها حول بناء الإنسان المصرى وتشكيل عقله.. والنهوض بصحته وتعليمه كما كنا نرجو منذ زمن بعيد..

لقد مزج اختيار المكان بين عراقة القبة الشهيرة لجامعة القاهرة.. وحداثة الفكرة التى جعلت الشاب العادى يتمكن من الجلوس أمام وزير ليشرح له خطة عمل وزارته.. وفى حضرة رئيس الجمهورية الذى يستمع مثله لما يقدم!

المؤتمر فى رأيى قد أصبح حراكاً سياسياً مهماً.. أو ربما وحيداً فى هذا الوطن -فى ظل انعدام تأثير الأحزاب وعجزها عن احتواء الشباب المتحمس للعمل.. حراكاً يسمح بكسر الجمود الذى كان يحيط بالحكومة فى الماضى.. لتنزل من أبراجها العاجية.. وتقترب من الناس فى قاعات المؤتمر وعبر شاشات التلفاز.. حراكاً يجعل الناس كلها -وليس الشباب فحسب- يتعرفون على ما يتم فى غرف الوزارات المغلقة.. ويقدر ويثمن المجهود الذى يبذل دون أن يشعر به أحد..

لقد تحول المؤتمر من مجرد محاولة لتقديم أفكار الشباب الواعد من أعضاء البرنامج الرئاسى أو غيره للمسئولين لفحصها وإبداء الرأى فى إمكانية تنفيذها فقط.. إلى منصة لعرض كل ما يحدث فى أروقة الدولة ودهاليز السياسة الداخلية للوطن بشفافية وصدق ربما لم نعتد عليه من قبل.. وبتعليقات من السيد الرئيس حول كل ما يقدم تشى بأنه يهتم بكل تفصيلة ولو بدت صغيرة..

وربما كان التقليد المستحدث قد أصبح بديلاً شرعياً للحوار المجتمعى الذى يحتاجه النظام لتمرير رؤيته للناس.. والترويج الإعلامى لإجراءاته القاسية باعتراف رأس الدولة نفسه.. الذى أخذ على عاتقه تنفيذها فى الفترة السابقة.. فى ظل غياب منصات الحوار المجتمعى التقليدية أو انعدام تأثيرها.. فأصبح متنفساً لكل من يحمل تحفظاً على موقف ما.. ومكاناً لبث الطاقة الإيجابية التى أصبحت عملة نادرة.. فى ظل حرب شعواء من الشائعات والتدليس تمارس بقوة على مواقع التواصل الاجتماعى وعلى منصات إعلامية ممولة ضد نفوس هذا الشعب المنهك!

لقد كان المؤتمر فرصة جيدة لعرض مشروع التعليم الجديد بشكل أكثر وضوحاً عما سبق.. وعرض ما تم إنجازه من منظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة.. وما تم فى إرساء قاعدة بيانات متكاملة للمصريين كلهم.. كما كان فرصة جيدة للرئيس نفسه للإجابة عن تساؤلات المواطنين.. والمصارحة مع الناس بشكل أكثر من رائع.. وحميمية مريحة للنفس تشى بأنه يتابع كل ما يصدر من الشباب من انتقادات بصدر رحب.. فى التقليد الأكثر إيجابية على الإطلاق.. الذى انبثق من هذا المؤتمر عبر تطوره فى النسخ السابقة.. وهو جلسة اسأل الرئيس..!

لعل المؤتمر لم يعد يحمل نتائج مباشرة أو توصيات ملزمة واضحة كما يتمنى البعض.. ولكنه قد أصبح حدثاً سياسياً مهماً.. وحواراً مجتمعياً بين الدولة ومواطنيها من الشباب وغيرهم.. حواراً يصعب أن تستقر الدولة بدونه..!