1928.. نور «الدمرداش» ونار «البنا»

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

حدثان مهمان متناقضان فى الأثر وقعا عام 1928م، الحدث الأول على يد حسن البنا، حيث قام بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، والثانى على يد الشيخ عبدالرحيم مصطفى الدمرداش شيخ الطريقة الدمرداشية، حيث قام بتأسيس مستشفى الدمرادش، فما النتيجة المترتبة على الحدثين؟

جماعة الإخوان تطورت حتى صارت ناراً تحرق الأخضر واليابس.. فكر منحرف، وقتل ودماء وخراب وصدام، وضياع للدين والشباب، وحماس طائش، وخلافات دينية وسياسية لم تجن الأمة من وراء هذا التأسيس إلا فتناً وصراعاً وضياعاً.

أما ما فعله الدمرداش فتطور حتى تحول إلى طب عين شمس التى ضمت الأقسام المختلفة، فكانت فعلته رحمة ونوراً للمجتمع، آلاف المرضى من غير القادرين يعالجون فيه، رفع الألم وخفف الجراح، وجنت الأمة من وراء هذا التأسيس علماً وتعليماً ورحمة وشفاء.

يقع مستشفى الدمرداش بحى العباسية بالقاهرة، وهو من أقدم وأكبر مستشفيات القاهرة، ومن وقفية أو شروط بناء مستشفى الدمرداش قبول كل المرضى الفقراء، وعلاجهم مجاناً دون النظر إلى جنسياتهم أو ديانتهم.

وبفضل قدرة الإخوان على التسويق جعل بعض الناس لا يكادون يعرفون شيئاً عن الدمرداش صاحب الخير والمنة، ويقدسون البنا صاحب الفتنة.

الذى نقوله إنه فى عام 1928 وضع حسن البنا اللبنة الأولى لتأسيس الإخوان وأعلنت الجماعة عن نفسها فى ممارسة العنف من بعد منتصف الثلاثينات من خلال جريدة النذير ورسالة المؤتمر الخامس، وتحولت الجماعة إلى نار محرقة، كان من آثارها ما ذكره الشيخ سيد سابق والأستاذ خالد محمد خالد والشيخ الباقورى ومحمود عساف أن أول أعمال الإخوان سفك دماء رئيس الوزراء أحمد ماهر فى البهو الفرعونى على يد محمود العيسوى الذى كان إخوانياً متخفياً فى زى الحزب الوطنى كما قالوا.

فى المقابل وفى سنة 1928 وضع الدمرداش حجر الأساس، وفى بداية الثلاثينات تم التفعيل وتحولت قطعة الأرض إلى بقعة طاهرة ترفع الآلام وتضمد الجراح، وتغيث غير القادر.

سنة 1928 خرج البنا بفكر مضطرب حائر غير مدروس، وكان فاقداً للرؤية، ولم يحكم النظر فى جوانب منهجه، ونقل محب الدين الخطيب فى مجلة المسلمون العدد الأول، السنة الثانية، الصادر فى نوفمبر 1952 أن البنا اعترف له أنه لم يجهز نظاماً إسلامياً بعد، وأن أحداً من جماعة الإخوان لم يتخصص بعد لهذه الدراسة، وأن الجو لا يلائم هذا، ولا نجد من يعين عليه، ولذلك انتهى البنا إلى الندم على ما فعل.

أما الدمرداش فكانت خطوته مشجعة للمخلصين ليحذوا حذوه، البنا شذ عن جمهور الأمة حين أضاف لأصول الدين ركناً جديداً وهو الحكم، إذا اعتبر فى رسالة المؤتمر الخامس أن الحكم عند العلماء من الأصول، فتورط فى خطر فادح، وكذب على العلماء، وزاد فى أصول الإيمان، وخلط بين القطعى والظنى، إذ الحكم معدود عند العلماء من الفروع لا من الأصول، (انظر كلام الإمام الشريف الجرجانى والإمام عضد الدين الإيجى).

.. رحمة الله وبركاته ورضوانه على السيد عبدالرحيم الدمرداش، وعلى من أسهم فى هذا الصرح الطبى الذى يعد من المفاخر، وسامح الله حسن البنا وكل من كان امتداداً وعوناً لفكر خوارج العصر الحديث.