"روبرت مولر".. عندما تتجسد الدولة الأمريكية العميقة في رجل

كتب: نادية الدكرورى

"روبرت مولر".. عندما تتجسد الدولة الأمريكية العميقة في رجل

"روبرت مولر".. عندما تتجسد الدولة الأمريكية العميقة في رجل

"وفاة ديفيد جعلتني ألتحق بحرب فيتنام"، بهذه الكلمات اعترف روبرت مولر، سادس مدير لمكتب التحقيقات الاتحادي في تاريخ أمريكا، في خطاب عام 2013 يظهر فيه أسباب التحاقه في القتال في الحرب الأمريكية بفيتنام (1968-1969)، التي أصيب فيها وحصل على نجمة برونزية، والأهم أنه تعلم خلال هذه الحرب أهم خصاله "المثابرة على العدو".

تبلورت فكرة الدولة العميقة مع فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كما ذكر جيروم كورسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز "أمة أوباما"، والذي نصح "ترامب" بمواجهتها من خلال استراتيجية على رأسها "إحباط خطة "روبرت مولر" لإزالته من منصبه بطريقة أو بأخرى إما الإقالة أو بالإعلان عنه أنه غير لائق عقلياً بموجب أحكام الدستور الاتحادي، في محاولة لإنقاذ دولته من مخالب "الدولة العميقة". بل أصبح هدف "ترامب"،

كما ذكر روبرت رايش، أستاذ السياسة العامة بجامعة كاليفورنيا، إلحاق الضرر بتحقيقات "مولر" ،التي وصفتها تغريدات "ترامب" بـ"حرب على الدولة العميقة"، "مطاردة الساحرات".

كيف انتقل مصطلح "الدولة العميقة" من تركيا إلى أمريكا في عهد ترامب؟

بعد الانتهاء من خدمته العسكرية إنضم "مولر" ،ثاني أطول مدير لمكتب التحقيقات الفيدرالية، إلى كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا ليحصل على الدكتوراة في القانون عام 1973. وقبل توليه مكتب التحقيقات قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بأسبوع، عمل "مولر" مدعياً عاماً ومساعداً لوزير العدل للشؤون الجنائية، ونائباً لوزير العدل. وفي يوليو 2001، رشح الرئيس جورج بوش الإبن، "مولر"، الذي ينتمي للحزب الجمهوري، لشغل المنصب لمدة عشر سنوات مددها الرئيس الديمقراطي، باراك أوباما، لسنتين أخريين.

 

تولى "مولر"، 72 عاما، تعيين حوالي 4 آلاف من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي لمتابعة آلاف الخيوط، وجمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأنشطة وهوية مرتكبي هجمات 11 سبتمبر، وأرسل عملاء لما لا يقل عن 30 دولة. وفي عام 2002، أعلن "مولر" أن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيحول تركيزه من مكافحة الجريمة إلى مكافحة الإرهاب.  وطيلة 12 عاما، أعاد "مويلر" تشكيل المكتب للتعامل مع التهديد المتنامي للإرهابيين العابرين للحدود.

قبل شهر من الغزو الأمريكي للعراق، فبراير 2003، أدلى "مولر" بشهاداته أمام لجنة مجلس الشيوخ ليخبر الرأي العام الأمريكي بأن "السبع دول المصنفة راعية للإرهاب آنذاك (إيران والعراق وسوريا والسودان وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية) نشطة في أمريكا وتواصل دعم الجماعات الإرهابية التي استهدفت الأمريكيين.. ويكمن قلقنا في أن صدام حسين قد يمد الإرهابيين بالأسلحة البيولوجية والكيميائية أو بمواد مشعة".

في سبتمبر 2011، خلف "جيمس كومي" "مولر" على رأس مكتب التحقيقات، قبل أن يقيله "ترامب" مايو الماضي، بدعوى أنه غير قادر على قيادة المكتب. وكان "كومي" يقود التحقيقات المتعلقة بالروابط المحتملة بين حملة ترامب ومسؤولين روسيين للتدخل بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، التي فاز فيها الجمهوري "ترامب" على منافسته ،التي تنتمي للحزب الديمقراطي،"هيلاري كلينتون".

في 16 مايو العام الماضي، التقى "مولر" بـ"ترامب" للعمل مديراً لمكتب التحقيقات، إلا اللقاء لم يدفع الرئيس الأمريكي لإعطاء "مولر" المنصب عكستها تصريحات له:"نريد شخص لم يكن في المنصب من قبل"، إلا أن اليوم التالي شهد تعيين المدعي العام، رود روزنشتاين، لـ"مولر" مستشار خاص في وزارة العدل الأمريكية. 

وبهذه الصفة أصبح "مولر" يشرف على التحقيق في وجود أي روابط أو تنسيق بين الحكومة الروسية والأفراد المرتبطين بحملة "ترامب"، وحصل "مولر" على دعم واسع النطاق من كل من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس. ليستلم بعدها بأسابيع جائزة "بايكر"، التابعة لمنظمة غير قابلة للربح، لمساهماته في الأمن القومي والاستخباراتي.

 

يفضل "مولر" ،أول محقق مستقل بشأن قضية التدخل الروسي، العمل بتكتم مع فريق يضم 12 خبيراً في مكاتب وسط "واشنطن"، على مسافة بعيدة من البيت الأبيض. وأصبح التصريح الأبرز للمتحدث باسم "مولر"، بيتر كار" أمام حشد إعلامي يلهث وراء معلومات بشأن التحقيق: "لا تعليق". 

تسير قاطرة "مولر" في التحقيق بعيداً عن صخب التصريحات الإعلامية في عدة طرق بالتوازي، سواء بالبحث عن المعلومات المتعلقة بالتدخل الروسي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة الأشخاص المسؤولين عن عمليات الاختراق الإلكتروني لأنظمة البريد.

في الوقت الذي يحقق فيه "مولر" في التعاملات التجارية مع ترامب وشركائه ،وهي محاولة أثارت الاتهامات بالتزوير الضريبي والتآمر ضد رئيس حملة ترامب السابق ،بول مانافورت، الذي اعترف بالاحتيال على المحققين بالكذب، وهو نفس اعتراف مايكل فلين ،الذي عمل لفترة قصيرة مستشاراً للأمن القومي لـ"ترامب"، بشأن اتصالات مع السفير الروسي في أمريكا.

بل تصل تحقيقات "مولر" لاستجواب الشهود لمحاولة تحديد ما إذا كان "ترامب" عرقل العدالة في محاولة لإلغاء التحقيق نفسه.

في فبراير الماضي، اتهم مكتب "مولر" 13 شخصاً وثلاثة كيانات متصلة بوكالة أبحاث الإنترنت ،وهي المنظمة الروسية التي يزعم أنها تدبر الحملات الإعلامية، زاعماً أنهم استخدموا "حرب المعلومات" لمساعدة "ترامب" في الترشح.

وشملت التطورات اللاحقة توجيه اتهام لـ12 من ضباط المخابرات الروسية خلال الشهر الجاري باختراق حساب البريد الإلكتروني لعدد من الشخصيات السياسية التابعة للحزب المنافس لـ"ترامب". كل أسبوع تقريبا يجلب تطور مفاجئ في التحقيق. ولكن حتى صدور لائحة الاتهام أو الإعتقالات التالية، من الصعب معرفة ما يعرفه "مولر"، أو ما يعتقده.

ترامب يهاجم تحقيق مولر في التدخل الروسي ويعتبره "غير عادل"

هل يستطيع "ترامب" ،الذي عاش حياة ربحية خاصة، أن يطلق النار على "مولر" ،الذي عاش حياة الخدمة العامة الأرستقراطية؟

لم يتوان "ترامب" عن محاولة التخلص من "مولر" إلا أنه تراجع عنها عندما هدد مستشار البيت البيض "دون مكجان، بالانسحاب بسبب وقوع أزمة دستورية في حال تدخل الرئيس للتخلص من "مولر"، واكتفى بمطاردة الأخير بتغريداته على "تويتر". وسارع أثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ،توم تيليس وليندسي جراهام، باقتراح تشريعاُ يحمي المحقق الخاص من اي محاولة للتخلص منه.

"البلاد في عنقك"، هكذا تحدثت مجلة "التايم" عن مولر ،الذي اختارته في 2017 شخصية العام للقائمة القصيرة، واصفة إياه بـ"مسؤول إنفاذ القانون الأمريكي"، بل اعتبرت تعيينه لمهمة التحقيق بمثابة استحابة لتنهدات الإغاثة في "واشنطن"، واعتبرته تجسيداً لفكرة سيادة القانون في أمريكا، والمدافع عن أي تعدي يمس العملية الديمقراطية.

 


مواضيع متعلقة