القبو الملعون «1 - 3»

مصطفى محمد

مصطفى محمد

كاتب صحفي

القبو الملعون.. أقل وصف يمكن أن أطلقه على قبو جاري عزيز.. ففي ذلك المكان تحديدًا عرفت للمرة الأولى معنى كلمة الخوف بل الرعب على وجه الدقة.

لن أطيل عليكم الحديث، وسأدخل في الموضوع في سن العشرين كنت أسكن في منطقة هادئة ولا أعرف فيها سوى جاري "عزيز".. أعرفه منذ 3 سنوات فقط، فهو في مثل سني، فهو مغترب ويسكن بمفرده في المنزل.

بدأت قصتي بمجرد دخولي منزل "عزيز" فهو مختلف تمامًا عن منازلنا المعروفة، لأنه مصمم بطريقة غير مألوفة كل الغرف تؤدي إلى بعضها وكلها في النهاية تأخذك إلى ذلك القبو المظلم.

فهو عبارة عن غرفة كبيرة أسفل الشقة، لا يوجد بها سوى الدمى القديمة جدا ولمبة صغيرة في منتصفها تتدلى من السقف، بالإضافة إلى بعض الأثاث المتهالك أريكة بثلاثة أرجل والرابعة شبه موجودة، ومنضدة عليها كوبين صغيرين، وعلى أحد الحائط لوحة معلقة قديمة لرجل يبدو عليه من إحدى الطبقات المالكة، وللوهلة الأولى تشعر وكأنك فى أحد أفلام الرعب.

فكلما هبطت إلى ذلك القبو، شعرت بانقباض في قلبي، وشعور بالخوف، وكأن هناك شخص ما موجود في هذه الغرفة يراقبك عن كَثَب، وأنت لا تراه، كما أن جاري في هذه الفترة يتصرف بغرابة، فهو دائما شارد الذهن، متوتر باستمرار، دائما يجلس وحيد في قبو منزله.

وفي إحدى الليالي، سمعت صراخ من منزل عزيز فأسرعت إليه لكني لم أجده بحث في كل كل مكان فتشت الغرف جيدا والمطبخ والحديقة، لم أجد أي شيء، فتذكرت ذلك القبو ترددت في البداية أن أبحث عن عزيز فيه، لكن هناك صوت سمعته في أذني يخبرني بأن أمرًا سيئًا حدث لعزيز، فهو في مشكلة ما.

تسلحت في يدي اليسرى بمصباح شديد الإضاءة، وفي اليمنى بماسورة حديد وجدتها في الحديقة، نزلت القبو في حذر شديد، خوفا من التعثر والسقوط في هذا المكان الشؤم، أسمع صوتا غريبا وكأن حيوانا في الغرفة يتألم وجهت الكشاف نحو مصدر الصوت لكني لم أجد شيئا، بحثت في القبو بالكامل لكنني لم أجد أي شيء.

وقررت أن أخرج من هذا المكان الملعون بسرعة لكني انتبهت إلى اللوحة الموجودة على الحائط، فبالأمس، كان عليها رجلًا والآن فهي فارغة، تملكني الخوف خصوصا بعدما عاد الصوت من جديدة لكن هذه المرة بالقرب مني، وشعرت وكأن لُعاب هذا الحيوان يسيل على قدمي، تسمرت في مكان ووجهت الكشاف ببطء ناحية الأرض ويدي الأخرى جاهزة لتضرب أي شيء.

ما هذا؟.. اللوحة؟.. الرجل ترك اللوحة.. أين عزيز؟.. ماذا أفعل؟، أصبحت في حال يرثى له ولا أعرف ماذا أفعل؟ رفعت يدي اليمنى وهويت بالماسورة الحديدية على هذا الشيء وهرولت إلى باب الشقة، أحاول فتحه للخروج من هذا البيت الملعون.

يدي ترتعش لم أعد قادرا على أن أمسك مقبض الباب.. كسرت زجاج النافذة بالماسورة التي أمسكها، وقتها جرحت يدي وأنا أزيل الزجاج من النافذة لكني لم أشعر بها، وكل ما أراها نزيف الدم، وخرجت إلى الشارع لأستنجد بأي عابر سبيل في هذا الوقت المتأخر من الليل، بحثت يمينا ويسارا بعدها اتجهت إلى بيتي وأغلقت كل المنافذ جيدًا وصعدت إلى غرفتي وحركت الدولاب الصغير الموجود بجوار السرير لأغلق به الباب، ودخلت فيه وأغلقته بشدة خوفا من أن يجدني هذا الشيء.

تملكتني رعشة غريبة لم أعهدها من قبل، أخرج هاتفي من جيبي لأضيء به الدولاب من الداخل، فجأة ظهر على شاشة الهاتف "عزيز" يتصل بك، ترددت في الرد عليه، لكن استجمعت قواي وأجبته:

- ألو عزيز أنت فين؟.= هاهاهاهاها.. "عزيز" خلاص.- مين معايا.. وتقصد إيه بخلاص؟= هتعرف كل حاجة في وقتها ماتستعجلش.- أنت مين؟ عاوز مني إيه؟= قولتلك ماتستعجلش.. صحيح نسيت أقولك الدولاب اللي أنت فيه ده مش هيفيدك ويحميك مني.

وبدأت في الصراخ كالمجاذيب.. أنت مين؟!.. عاوز مني إيه.. مش هتعرف تعملي حاجة فاهم، بعدها سمعت ضحكة عالية قبل أن يغلق الهاتف، ومرت الساعات المتبقية قبل طلوع الشمس ببطء شديد، وانتظرت حتى سمعت أصوات الناس المألوفة في الشارع، فخرجت من الدولاب، واستبدلت ملابسي، وسرت في الشارع كالمجنون أبحث عن أي شخص أعرف أو يكون أهل ثقة.

يتبع..