بعد غرامة جوجل.. هل تتراجع هيمنة أمازون وفيسبوك وآبل على العالم؟

كتب: أيمن صالح

بعد غرامة جوجل.. هل تتراجع هيمنة أمازون وفيسبوك وآبل على العالم؟

بعد غرامة جوجل.. هل تتراجع هيمنة أمازون وفيسبوك وآبل على العالم؟

طبق الاتحاد الأوروبي، صباح اليوم، غرامة مالية على شركة "جوجل" قدرها 4.34 مليار يورو ما يعادل 5.06 مليار دولار، وهي أكبر غرامة على الإطلاق في مجال مكافحة الاحتكار.

وذكرت المفوضية الأوروبية في بيان على موقعها، اليوم الأربعاء، أن شركة "جوجل تطبق منذ عام 2011 حواجز غير قانونية على الجهات المصنعة لأجهزة "أندرويد" ومشغلي شبكة الموبايل، وذلك "لتعزيز مركزها المسيطر في مجال بحث الإنترنت العام".

وأضافت أن "جوجل" لديها مهلة 90 يومًا لوقف المخالفات، وإلا ستواجه عقوبة إضافية قد تصل إلى 5% من متوسط الدوران العالمي اليومي لشركة "ألفابت" المالكة لها.

وفي يونيو العام الماضي طبقت سلطة مكافحة الاحتكار الأوروبية غرامة على جوجل بقيمة 2.7 مليار دولار، وكانت وقتها الأكبر فيما يتعلق باتهامات الاحتكار، كما تجاوزت الغرامة التي طُبقت ضد "إنتل" الأمريكية في عام 2009 بقيمة 1.06 مليار يورو.

وتُنهي تلك الغرامة تحقيقات دامت لـ39 شهرًا بواسطة سلطة المنافسة بالمفوضية الأوروبية بشأن نظام التشغيل أندرويد التابع لـ"جوجل"، حيث وُجه إلى الشركة الأمريكية اتهامات بشأن استغلال سيطرتها على السوق.

وتمثلت تلك الاتهامات في تثبيت "بحث جوجل" كمحرك البحث الافتراضي على أنظمة تشغيل "أندرويد"، ومنع الشركات المصنعة للهواتف الذكية من تشغيل أنظمة منافسة.

 

قرار اليوم يفتح ملف الأربعة شركات الأكثر تأثيرًا على سطح كوكب الأرض بالكامل وهم "أمازون" و"آبل" و"فيسبوك" و"جوجل"، هذه هي الشركات الكثير منا يعد شاهدًا على تطور وصعود هذه الكيانات على مدار العقدين الماضيين إلى أن أصبحت على ما هي عليه اليوم، غير أن قلة قليلة جدًا من تفهم وتستوعب كيفية وصول الأربعة إلى تلك المكانة، وتداعيات سيطرتها على القمة.

هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي تناولت ظروف وآثار صعود الأربعة خلال العشرين عاما الأخيرة، لكن ربما لم يستطع أحد أن يوضح مدى سيطرة وقدرة تلك الشركات كما فعل "سكوت جالواي" أستاذ التسويق بجامعة نيويورك في كتابه الصادر العام الماضي "الأربعة: الحمض النووي الخفي لـ"أمازون" و"آبل" و"فيسبوك" و"جوجل" المتصدر قائمة "نويويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعا.

 فبدلًا من شراء الأساطير التي تبيعها تلك الشركات للجميع حول أسباب نجاحها، يطرح "جالواي" أسئلة أساسية تغافل عنها الكثيرون، محاولا توضيح كيف تمكن الأربعة من التغلغل في حياتنا تمامًا بحيث أصبح من المستحيل تقريبا تجنب التعامل معها أو مقاطعتها.

 

.. كيف يفعلونها ؟

لماذا يغفر سوق الأسهم لتلك الشركات خطايا كان من شأنها أن تدمر شركات أخرى؟ وبما أن الأربعة في سباق محموم نحو لقب "أول شركة في العالم تتجاوز قيمتها السوقية التريليون دولار" هل يمكن لأي شخص منا تحديها؟

وهل ندرك أن أحد الأسباب الأسياسية التي تقف خلف نجاح تلك الشركات هو فهمها العميق واستغلالها للرغبات البشرية؟ فكل واحدة من الأربعة تستهدف جزءا معينا، فـ"جوجل" مثلًا، تستهدف الدماغ وعطشنا للمعرفة، أما "فيسبوك" فتركز على القلب وحاجتنا لتطوير علاقات عاطفية.

أمازون" تستهدف الشجاعة وحس الصياد بداخلنا، فهناك دائما العرض الذي لا تستطيع تفويته، ومحصلة ذلك "استهلاك أكثر"،  وأخيرا "آبل" بمنتجاتها الفاخرة فتركز بقوة على رغبتنا الدائمة في التميز عن الآخرين.

وأثارت الثروة المركزة لدى تلك الشركات وقوتها اهتمام المراقبين الذين يعتقدون أن استمرار نمو وتوسع الأربعة يشكل تهديدا ليس فقط للمستهلكين وللشركات الأخرى بل للمجتمع العالمي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص.

رقميا أضاف عمالقة التكنولوجيا الأربعة حوالي تريليوني دولار إلى قيمتهم السوقية المجمعة منذ أزمة 2008، وهو المبلغ الذي يقترب من حجم الناتج المحلي الإجمالي للهند، وخلال الفترة ما بين عامي 2013 و2017، ارتفعت القيمة السوقية للأربعة بنحو 1.3 تريليون دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.

 

.. خلق الثروة.. كيف تمكنت من ذلك؟

بلغ نسبة الأمريكيين المشتركون بخدمة "أمازون برايم" حوالي 52% في حين لا يذهب سوى 51% منهم إلى الكنيسة، بينما لا يمتلك سوى 44% منهم أسلحة.

وتمتلك "أمازون" شبكة لوجيستية عالمية لا تمتلك مثلها معظم دول العالم، تشمل أسطول طائرات من طراز "بوينج 767" وطائرات دون طيار والآلاف من المقطورات والشاحنات، وسفن شحن بالمحيط الهادئ.

أما "جوجل" فتمتلك شبكة من مزارع الخوادم، وتقوم بإطلاق المناطيد في الغلاف الجوي بهدف توصيل الإنترنت عريض النطاق، في حين أعلنت "فيسبوك" مد كابل بحري فائق السرعة عبر المحيط الهادئ. باختصار، ترغب هذه الشركات في أن تصبح ركيزة المستقبل وأن يدور كل شيء في فلكها.

بعد أن قضى "جالواي" معظم العقد الماضي يدرس تلك الشركات، توصل إلى استنتاج مفاده أن مخاوف أغلبنا في غير محلها، وأنه بدلًا من التركيز على الأربعة، علينا أن نكون قلقين بشأن شركة واحدة. شركة في طريقها لإحكام السيطرة على محركات البحث والأجهزة والحوسبة السحابية، ستتحكم في شبكة واسعة من الشركات، وبإمكانها تدمير قطاعات اقتصادية بالكامل بمجرد إعلانها اهتمامها بها.

 

 "جالواي"  يرى في كتابه أن "أمازون" من اللحظة الأولى ومؤسسها "جيف بيزوس" محدد وواضح في رؤيته حول الاستثمار في الحاجات الأسياسية للمستهلك (السعر والراحة والاختيار). هذه الرؤية إلى جانب التنفيذ الصارم لها، جعلت "أمازون" هي الشركة الأكثر إثارة للإعجاب والخوف معا في عالم الأعمال.

أما بالنسبة للثلاثة الآخرين، لا نقلل من نجاحاتها الحالية، وما تمثله من خطورة، غير أنها جميعًا تأتي خلف "أمازون" وبمسافة بعيدة، وتحتل "جوجل" المقدمة في السوق عندما يتعلق الأمر بمحركات البحث.

ومنذ سنوات وتحافظ "آبل" على صدارة مجال ابتكار الأجهزة. لكن جائزة أكثر الأجهزة الحديثة انتشارًا تذهب إلى مكبرات الصوت الذكية "أمازون إيكو" ومساعدها الصوتي الافتراضي "أليكسا".

وحتى الآن، تحافظ "آبل" على الصدارة في سوق الأجهزة الصوتية بفارق كبير عن منافسيها، فبفضل حوالي 700 مليون مستخدم حول العالم لجهازها "آيفون" ويستحوذ مساعدها الصوتي الذكي "سيري" على أكبر حصة في السوق، لكن حصة "أمازون" في سوق الأجهزة الصوتية المنزلية تقترب من 70%.

هنا قد يسأل البعض، لماذا قد يشكل الصعود السريع لـ"أمازون" مشكلة؟ أليس انخفاض الأسعار وزيادة الكفاءة هو شيء جيد بالنسبة للجميع؟ في الحقيقة هذا صحيح، ولكن هذه ليست الصورة الكاملة. حيث إن نمو "أمازون" الذي يبدو بلا حدود يجبرنا على أن نتصارع مع أسئلة صعبة حول أسباب هيمنتها ولا إجابة واضحة حتى الآن.

فمنذ عام 2008، دفعت "وول مارت" 64 مليار دولار كضريبة دخل إلى السلطات الأمريكية، في حين أن "أمازون" لم تدفع سوى 1.4 مليار دولار فقط، وذلك على الرغم من أن قيمتها السوقية ارتفعت خلال الأشهر الأربعة والعشرين الماضية فقط، بنحو 220 مليار دولار، أي ما يعادل القيمة السوقية كاملة لـ"وول مارت".

اذا كيف يمكن أن ترتفع قيمة شركة إلى ما يقرب من نصف تريليون دولار لتصبح خامس أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية دون أن تدفع أي ضريبة تذكر؟ إذا كانت شركة عملاقة مثل "أمازون" تدفع أقل من متوسط ما تدفعه الشركات المدرجة بقائمة "فورتشن 500" كضريبة دخل (24%) هل هذا يعني أن الشركات الأقل نجاحًا تدفع أكثر؟ أسئلة كثيرة حول "أمازون" تبقى دون إجابات مقعنة.

 

.. فعلوا ما لم تفعله الدبابات

بالنظر إلى  التكتلات الاقتصادية الكبيرة خلال القرن العشرين مثل "جنرال موتورز" و"يونيليفر" اللذان نجحا في رفع قيمتها السوقية بما يتراوح بين 100 ألف و250 ألف دولار عن كل موظف لديها، وهذا ما أسهم في توسعة رقعة الطبقة المتوسطة، وعيش مئات الآلاف من الموظفين لديهم في جميع أنحاء العالم حياة كريمة.

أما في حالة "فيسبوك" نجحت الشركة في رفع قيمتها السوقية بما يعادل 23 مليون دولار عن كل موظف لديها، لذلك، قد يكون من الرائع أن تعمل لدى "فيسبوك" وتمتلك "فيراري" وعقارات في سان فرانسيسكو، ولكن السؤال، هل هذا جيد بالنسبة للمجتمع بشكل عام، أن يستفيد عدد قليل جدًا من الأسر من أكوام المال التي كانت تتوزع في السابق بين شرائح أوسع؟

إن نجاح شركة واحدة مثل "آبل" يمكنه أن يشل أسواق بأكملها، وتدمير مناطق اقتصادية. "آيفون" طرح لأول مرة في عام 2007، ومع دخوله إلى الساحة اختفت شركتا "موتورولا" و"نوكيا" ومعهما 100 ألف وظيفة.

المثير للدهشة أن "نوكيا" في ذروتها كانت تشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي لفنلندا، وكانت تدفع ما يعادل ربع ضريبة الشركات في ذلك البلد، وفى شتاء 1939 حين اجتاحت روسيا اجتاحت فنلندا بآلاف الطائرات والدبابات، لم يضر ذلك الغزو العسكري باقتصاد البلاد كما فعل الغزو التجاري الذي شنته "آبل" على "نوكيا" في عام 2007، وأدى سقوط  "نوكيا" إلى هز أركان الاقتصاد الفنلندي بأكمله، فالشركة التي كانت تشكل قيمتها نحو 70% من قيمة سوق الأسهم المحلي تراجعت إلى 13% فقط، خلال سنوات.

وأخيرًا، حسب  كتاب "جالواي" فإن المستقبل المنظور، يشير إلى ان  أن الأربع شركات سوف تستمر في الهيمنة، إذا لم يهاجم بعضهم بعضا، فالتاريخ يخبرنا أن الملوك لا يتقاسمون السلطة والنفوذ.

 


مواضيع متعلقة