بريد الوطن| وتساقطت أوراق العمر رغم نسمات الربيع

بريد الوطن| وتساقطت أوراق العمر رغم نسمات الربيع
ودون موعد سابق، وجدته يقف أمامى مبتسماً كعادته التى لم تغيرها سنوات العمر البعيدة، ولأن اللقاء لم يكن مرتباً له فكانت المفاجأة أكثر جمالاً. لم نلتقِ منذ أمد بعيد أبعدتنا سنوات حفرت عددها خطوطاً على الجبين وتركت ملامحها على أجسادنا التى أنهكتها حمول السنين، لكن ما زلت أتذكر هذه الطيبة، وهذا القلب الأبيض الذى لم تعكره يوماً شوائب الأيام، أتذكره يوم وفاة أمى، وكنا لا نزال أطفالاً صغاراً، وتجربة الفراق المؤلمة لم تكن لتتحملها قلوبنا الغضة، ولأن أمى كانت هى كل مالى فى هذه الحياة وجدته بجوارى يبكى لبكائى ويتألم لألمى حتى عندما كبرنا وذهبت بعيداً للإقامة فى حى آخر، كنت حريصاً على أن أطمئن عليه وعلى أحواله، لكن فجأة جرت عجلات الحياة وأصبحنا لا نلتقى إلا مصادفة. سنوات وسنوات حتى وجدته أمامى شاحب الوجه نحيل الجسد يهتز جسمه مع كل كلمة تخرج منه بصعوبة، لكن ما زال يحمد الله شاكراً له، وما زال صامداً لا يشتكى رغم ما فيه من آلام، ورغم ما يظهر عليه من صعوبة الحياة جلست أمامه أحاول أن أذكره بأيام الصبا كيف كنا نمضى وقتاً نلعب ونلهو بالكرة التى كنا نعشقها، وكيف كنا لا نترك صلاة إلا وذهبنا للمسجد، وكيف كنا نجلس لتعلم القرآن الكريم، وكيف كانت الحياة بسيطة، وكيف كنا ننعم بالأمان رغم ما يعانيه آباؤنا من صعوبة فى توفير لقمة العيش، ومضى حديثنا كما مضت سنوات العمر بنا. وأصبحت أحدث عمرى الذى مضى مسرعاً ولم يعطنى فرصة للوقوف والهدوء لالتقاط الأنفاس.
محمد الطربيلى - المنصورة
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي
bareed.elwatan@elwatannews.com