طهطا.. مركز صناعة الموبيليا.. وأصحاب الورش: «حالنا واقف.. ومش عارفين نأكل عيالنا»

كتب: محمد سعيد وخالد الغويط

طهطا.. مركز صناعة الموبيليا.. وأصحاب الورش: «حالنا واقف.. ومش عارفين نأكل عيالنا»

طهطا.. مركز صناعة الموبيليا.. وأصحاب الورش: «حالنا واقف.. ومش عارفين نأكل عيالنا»

تعد مدينة طهطا مركز صناعة الموبيليا فى الصعيد أو كما يطلق عليها البعض «دمياط الصعيد»، لأنها تضم العديد من ورش النجارة وتجارة الأخشاب الكبيرة، لكنها تمر حالياً بمحنة، فالورش فى الشوارع الرئيسية والحارات الضيقة مغلقة، وهناك أخرى لا يجلس فيها سوى صاحبها ويمر عليها الأيام دون أن يدخلها زبون واحد، أصحاب الورش يعانون من وقف الحال بسبب ارتفاع أسعار الخامات، وهو ما دفع بعضهم للإغلاق أو التفكير فى تغيير المجال بالكامل، وأصبحوا ينتظرون المجهول.

جلس بجلبابه الأبيض على أحد المقاعد الخشبية أمام ورشته فى انتظار وصول الزبائن، هو على حمدى، 43 عاماً، يبيع ألواح الخشب الأبيض والزان والأبلكاش، وتحدث إلينا عن تاريخ صناعة الأثاث فى طهطا، قائلاً: «كان اسمها المنطقة الصناعية بطهطا من كتر الورش اللى كانت فيها، 90% من أهالى طهطا كلهم شغالين نجارين، وطهطا كانت دايماً مشهورة بغرف النوم والصالونات والأنتريه والباب والشباك، وتمتاز بجودة الشغل، فى الأول محدش كان ملاحق من كتر الشغل، أنا كتاجر خشب كنت بوزع على من 300 لـ500 ورشة، لكن النهارده هما ورشتين أو تلاتة اللى بوزع لهم، ومعظم الورش قفلت، واللى لسه فاتح وقادر يستحمل بيفكر يقفل بعد العيد»، وأوضح «حمدى» أن الأزمة بدأت مع تعويم الجنيه، مضيفاً: «ارتفعت الأسعار والخامات بدأت تغلى، فلوح الأبلكاش كان بـ23 جنيه وصل دلوقتى لـ102 جنيه، ومتر الخشب الموسكى كان بـ1600 جنيه النهارده وصل 6 آلاف جنيه، ومتر الخشب الزان كان بـ2000 جنيه وصل لـ6500 جنيه، وبكدة بقى الدولاب اللى كان بيتكلف 2000 جنيه بيتكلف 5 آلاف جنيه، وبالسعر ده الدولاب مش هيتباع أصلاً، وهيتضطر النجار إنه ينزل فى سعره ويخسر فيه أحسن ما يفضل الدولاب جنبه»، مشيراً إلى أن لديهم أزمة مع الكهرباء لأنهم يستخدمونها بشكل استثمارى، «بتوع الكهربا بييجوا يعملوا محاضر بـ30 ألف جنيه، وبقت الناس عشان خايفة من الحبس تدفع الفلوس اللى عليها وتقفل، وتطفش من البلد، لأن اللى مش هيدفع الفلوس هيتحبس».

وحكى «صاحب ورشة بيع الأخشاب» عن وضع السوق فى الفترة الحالية، قائلاً: «بيمر عليّا بالـ10 أيام من غير ما نستفتح بأى شغل، ده احنا زى الوقتى كان ده الموسم بتاعنا ومكناش بنقعد من كتر البيع، وفكرت كتير فى المشكلة دى بس معنديش شغلانة غيرها، ومبقدرش أشرد عامل فى الشارع دول معايا بقالهم 15 سنة، ودول قرايب وأصحاب وجيران، واليومية بتاعتهم فى حدود 80 جنيه، ده أنا ليّا فلوس فى الدفتر بقالها 3 سنين عند النجارين لسه ملمتهاش، وكنت كل ما أدخل على واحد الورشة يقولى مفيش فلوس شوف اللى انت عايزه من الورشة وخده».

{long_qoute_1}

وأكد «حمدى» أن كافة المحلات المُغلقة كانت فى الأساس ورش نجارة، وكل الحارات كانت مليئة بالورش، مضيفاً: «كان فيه محل جنبى عبارة عن ورشة كبيرة ومحترمة دلوقتى صاحبه فلس خد بعضه ومشى، ودلوقتى أصحاب البيت أجروه لواحد حلوانى، ومعظم النجارين وأصحاب الورش فلسوا وسابوا الورش وطفشوا، اللى راح السعودية، واللى سافر البحر الأحمر، واللى راح يشتغل فى القاهرة، لدرجة إنى فكرت أقفل خالص وأغير المجال وافتح سوبر ماركت».

ويشير «الرجل الأربعينى» إلى أن شعبة تجارة الأخشاب بالغرفة التجارية هى المسئولة عنهم، لكنها أصبحت موجودة فقط من أجل تحصيل الضرائب، متابعاً: «الغرفة ملهاش دعوة بينا ولا بحقوقنا، ولازم الغرفة دى تدينى جواب بسعر متر الخشب اللى أشترى بيه، عشان مروحش للتاجر الكبير ويبيعلى بالسعر اللى على مزاجه، احنا محتاجين نثبت الأسعار وميبقاش السعر متقلب وكل يوم بحال، عشان الدنيا تهدى شوية ويبقى فيه حركة بيع وشراء».

على بُعد عدة أمتار وفى إحدى الحارات الضيقة وقف «العارف محمد»، 47 عاماً، فى ورشة النجارة الخاصة به، وقال: «البلد هنا كلها شغالة على تجارة الخشب وتصنيعه، وتعتبر طهطا تانى مكان فى جودة الأخشاب وتصنيعها بعد دمياط، لكن الوضع حالياً سيئ جداً ومفيش شغل خالص، ومفيش إقبال على التصنيع بسبب الزيادات المستمرة فى أسعار الخامات، فيه اللى قفل ورشته وفيه ناس اشترت توك توك تشتغل عليه أهو تطلع منه بفلوس يأكلوا بيها عيالهم، وفيه منهم اللى بقى بيلف على عربية خضار وفاكهة، لأن مبقاش فيه دخل خالص، حتى العربجى اللى كان بيشتغل بقى نايم فى البيت ومش لاقى شغل خالص».

وتحدث «النجار الأربعينى» عن توابع تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار قائلاً: «ممكن يمر علينا 15 يوم بدون شغل خالص فى الورشة هنا، والزبون بقى خايف يدفع عربون لأن السعر كل يوم بيزيد عن اللى قبله، ده أنا متجوز ومعايا 4 عيال ومقضيينها فول وطعمية ومش بإيدى حاجة أعملها وبندور على أقل حاجة عشان ناكلها ونمشى بيها نفسنا، وحتى الفراخ أو اللحمة اللى كنا بنجيبها كل أسبوع مبقاش فيه منها خالص»، موضحاً أنه لا يستطيع الحصول على قرض من البنك، لأنه لن يستطيع تسديده، وأضاف بنبرة حزينة: «المروحة فى البيت عندى فى عز الحر ده بايظة ومش لاقى فلوس عشان أصلحها، وعندى عيل عنده 6 سنين خليته ينزل شغل عشان ياخد يومية 20 جنيه، لأنى مش لاقى فلوس أجيبله حاجة».

ونتيجة لتوالى المشاكل والأزمات وضيق الحال مع توقف حركة السوق فكر «العارف» كثيراً فى ترك المهنة بشكل نهائى، حيث قال بحزن: «من كتر الخنقة ووقف الحال فكرت أبيع الورشة خالص وأقفلها وأغير المجال وأشترى توك توك أشتغل عليه، أهو يطلعلى فلوس ناكل ونشرب بيهم، ومدى نفسى فرصة لغاية آخر العيد الدنيا مشيت واشتغلت هكمل، لو فضلت زى ما هى نقفلها ونشوف شغلانة تانية بقى».

وتحدث «العارف» عن الصنايعية الذين كانوا يعملون فى ورشته قائلاً: «كان عندى 4 صنايعية هنا فى الورشة منهم اللى عايز يتجوز أو عنده بيت وصاحب عيال، وللأسف مشيوا لأنى مش عارف أجيبلهم أى حاجة، واللى هيستحملنى أسبوع مش هيستحملنى التانى».

وعلى الجهة المُقابلة للورشة جلس «محمد أحمد على»، 40 عاماً، صاحب إحدى ورش النجارة، موضحاً أنهم وصلوا إلى وضع سيئ للغاية، يعيشوم تحت خط الفقر، وليس لديه مهنة أخرى سوى النجارة، واشتكى من ارتفاع الأسعار بقوله: «سعر لوح الأبلكاش ارتفع من 30 جنيه إلى 120 جنيه، نجيبه إزاى ومنين، والزبون مبقاش قادر كمان على الأسعار دى، والواحد من كتر زنقته مبقاش قدامه غير السرقة ودى مقدرش أعملها أبداً».

{long_qoute_2}

«على» متزوج ولديه 5 أبناء، ويعيش معه والده صاحب الـ70 عاماً وليس لديه معاش ووالدته المُسنة، وتابع: «حاولت أدور على وظيفة ملقتش، والورشة دى بتصرف على أسرة كاملة مع والدى ووالدتى، وقاعد فى شقة إيجار بـ500 جنيه فى الشهر، ده غير 1000 جنيه فى الشهر للورشة، وعليّا إيجار 4 شهور مدفعتوهمش».

وتذكر «على» وضع الورشة سابقاً قائلاً: «الحال الأول كان نعمة وكان الشغل كتير، وكان زى اليومين دول بنرفض الزباين من كترهم ومش لاقيين وقت للشغل، دلوقتى مش لاقيين شغل خالص، أنا قعدت شهر كامل قافل الورشة مش لاقى شغل، لحد ما بقت عليّا ديون كتيرة ومش عارف أسددها إزاى، وفكرت أقفل الورشة لكن معنديش شغلانة تانية ولا معايا فلوس أقدر أشترى بيها حاجة تانية أو بضاعة، أو حتى أجيب توك توك أو تروسيكل».

وأوضح «صاحب ورشة النجارة» أن طهطا انتهى عهدها فى مجال الأثاث وغالبية الورش أغلقت أبوابها، وتابع: «أنا كان عندى 4 صنايعية الوقتى واحد اللى واقف معايا وحتى ابنى اللى كان واقف معايا من قلة الشغل بقى واقف على فرشة شاى بياخدله 20 جنيه فى اليوم، حالياً لو جالى كرسى حمام هنا هعمله مش هقول لأ»، واشتكى من ارتفاع أسعار الخامات والمستلزمات، فكيلو الغراء كان بـ4 جنيهات ووصل إلى 45 جنيهاً، ولوح الأبلكاش وصل 120 جنيهاً، وفيه منه مضروب، و«قاروصة المسامير» كانت بـ7 جنيهات ووصلت إلى 25 جنيهاً.

 


مواضيع متعلقة