صبا مبارك.. مش بس ابنك اللي فخور بيكي

ريم عادل

ريم عادل

كاتب صحفي

• أنا من النوع اللي ما بينزلش من الحنفية.. ما بشتغلش إلا لما ألاقي دور فعلاً عايزة اعمله.. ومن النوع اللي بخطط ما بسيبش الـ Career ماشي مع نفسه.. لإني عايزة أنجز وعايزة ابني يبقى فخور It's not about being a superstar it's about being respectful، وإن الناس تشوف الحاجات اللي عملتها بعدين وتقول "كان عندها شكل معين.. كان عندها Line & Attitude معين في الشغل بتاعها".

• دايماً بيتقال لي ما ينفعش ما تعمليش سيزون رمضان لازم تعملي مسلسل السنة دي أو فيلم في العيد بس أنا عندي نظرية.. " كل حد هجرته إلى ما هاجر إليه" يا ابقى كده أعمل ده وده وده.. أو اختار المشاريع اللي تعجبني في العالم واشوف الـ Career بتاعتي عندها Potential تبقى أكبر من مجرد ممثل بيؤدي دور.. وفي الحالتين الاختيار محترم وأنا اخترت اعمل الحاجة التانية.

كانت تلك الجمل على لسان الفنانة "صبا مبارك" في أثناء مقابلة لها على شاشة ON E ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي.. ولن أجد أفضل منها كمقدمة للمقال.

• التركيز والمسؤولية: أن يكون الفنان "مسؤولاً".. دقيقا في اختياراته.. واعياً لموهبته.. متخطياً لتوقعات الجمهور له.. متحدياً لذاته.. محافظاً على العهد الذي أبرمه مع نفسه ثم الجمهور منذ بداية دخوله المجال.. ومضيفاً لرصيده لدى الجمهور من احترام وثقة.

• الثقة: أن يجعل اسمه ضمانة لمشاهدة عمل فني مختلف وجدير بالاحترام .. أن يجعل بينه وبين الجمهور "شيك على بياض" فذلك الشيك ضمانة أعطاها له منذ بداية دخوله للعمل الفني ومع كل عمل يشارك به يقوم المشاهد بكتابة رقم أعلى في الشيك.

• التحدي: أن لا يسمح لروتين الصناعة أن يعصف به أو يجعله يضل الطريق بسبب ندرة الأعمال المتقنة.. ويقف مع نفسه قبل الموافقة على الانضمام لأي عمل لمراجعة قوانينه التي سنها منذ اشتراكه في أول عمل.. أن يجعل روحه الطفولية هي التي تقوده إن كان العمل فعلاً سيشكل إضافة له، وأن تبعده إن كان سيشكل فقط رقما يضاف لعدد الأعمال التي قام بها لكنه سينسى لاحقاً.. أن يجعل تلك الروح صافية مجردة من أي اعتبارات أخرى سوى الدور والعمل المميز "كتابةً وإخراجاً".

• الإتقان: أن يصل لمرحلة الإتقان والكمال ولعل أبرز تجسيد للكلمة ما عبر عنه الناقد محمود عبد الشكور: "المشخصاتى الجيد هو الذى يمتلك قلبا ساخنا، يستدعى المشاعر قوية، وواضحة، ويمكن التعبير عنها على طريق الوجه والجسد، وعقلا باردا يدير أداءه للشخصية بشكل منضبط، بعيدا عن المبالغة، وبعيدا أيضا عن الاندماج الكامل، الذى يمكن أن يدمر الجهاز العصبى والنفسى للممثل أو قد يدمر الممثل الذى أمامه، إذا اندمج المشخصاتى، فأصاب زميله بسلاح أو بضربة يده.. الخ. العقل البارد يعمل على ضبط القلب الساخن، الشعور فى المقدمة، والعقل فى الخلفية، يدير ويراقب ويوجه".

أن يصل لتلك الدرجة من الإتقان الذي تجعله يوظف مشاعره وانفعالاته توظيفاً متوازناً، يعطي المشهد حقه كما ينبغي لا يقوم بالمبالغة أو الانتقاص منه بل أيضاً ينقل مشاعره للمحيطين به في لوكيشن التصوير وتصل به للنقطة التالية وهي "الحرفية" التي تجعله أيضاً يتحكم في أداء من يقوم بتجسيد الدور أمامه ويجعله هو الآخر في تحدي مع نفسه ليقوم بظبط إيقاع الدور لترى النتيجة النهائية على الشاشة عبارة عن ماتش تمثيلي بين محترفين.

• الحرفية: أن تكون اختيارته بعيدة كل البعد عن حسابات وعرف السوق وحينما تراجع أعماله تجده أعطي أفضل مثال عن تفضيل النوع على الكم فهو لم يرضخ يوماً للمعايير المتداولة من التواجد لمجرد التواجد أو الظهور في 30 حلقة سواء كانت الحلقات تستدعي ذلك أم لا.. تلك الحرفية التي جعلته يصب كل تركيزه في تطوير موهبته وفي البحث عن الجديد فهو واثق كل الثقة أنه يستطيع بموهبته أن يصل لبر الأمان كما أنها أيضاً ستجعله يعطي دروساً لم يسبقه أحد إليها.

تلك الحرفية التي جعلت المهنة كالماء بالنسبة له فهو يندمج مع الشخصية اندماجاً كاملاً ليجعل المشاهد يرى الشخصية التي يجسدها أمامه لحماً ودماً وينسى أن هناك فاصل بينهم وهو التلفزيون ويتأثر بجميع انفعالاتها بل أيضاً يعتبرها فرداً من العائلة، وجعلت أدائه يصنف تحت بند السهل الممتنع، حيث أنه بكل سهولة يستطيع أن يوظف انفعالاته أفضل توظيف.. أن لا يكون دوره يقتصر على "تسميع الحوار" أو "الزعيق" أو "التبريق" كما نشاهد في عدة أعمال أخرى.. حيث أن بإمكانه أن يوصل مشاعره بشكل حرفي وأكثر تأثيراً فقط من خلال نظرات معبرة ودرجة صوت معينة تتغير حسب احتياج المشهد وتنظيم ضربات النفس المتقنة حسب الانفعالات المطلوبة.. لإنه "حريف" جعلك تتنقل معه بين كل انفعال ونقيضه بدون أن تشعر.

• الاختلاف: أن يكون مختلفاً ومتصالحاً مع نفسه قبل الأخرين وعلى علم تام بموهبته وحجمها، وأن لا يكتفي بما وصل له، وأن يكون غنيا في قدراته الفنية وثقافته وحينما تصفه تجد أن عبارة "حدوده السما" هي أقرب وصف له، وحينما تراجع اختياراته الفنية تجد كل دور قام به هو شخصية قائمة بذاتها ومختلف عن الآخر، وكل عمل لا يتشابه مع غيره لتجده كون كنز من الأعمال والأدوار التي لا تنسى والتي تجعل المشاهد يرى نفسه بها.

كل ما ذكر بالأعلى كان مجرد أمثلة بسيطة للدروس التي قامت صبا مبارك بتجسيدها في دراما رمضان 2018 من خلال مسلسل طايع، ربما تأخر في مصر رد الفعل الجمعي الذي شاهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي والذي اتفق فيه الجميع على أدائها.. وربما يكون من أهم نتائج الموسم الدرامي لعام 2018 هو قدرة الجمهور على رؤية وتقدير موهبة الفنانة صبا مبارك كما تستحق، فهذه الموهبة ليست نتاج مسلسل أو فيلم واحد انبهر به الجميع.. تلك الموهبة نتاج العديد من الأعمال السورية والأردنية والبدوية والمصرية، ابنة المسرح الذي جعلها اليوم توظف كل ما تعلمته ابتداءاً من لغة الجسد مروراً لإتقانها لمخارج الحروف والذي ساهم أيضاً دراستها لمجال الإخراج في ثقل قدراتها الفنية الفريدة من نوعها.

لا أستطيع أن أتحدث عن دور صبا مبارك في طايع ووصفه أنه أهم أدوارها حيث أني شاهدت معظم أعمالها، لذلك دور مهجة يعد ضمن سلسلة الأدوار المهمة في مسيرة تلك الفنانة استثنائية الموهبة، حيث أننا أيضاً لا نستطيع أن ننسى دخلتها التاريخية في مسلسل العهد المستمر اصدائه حتى اليوم مطالبين الجمهور بضرورة وجود جزء ثاني له، ولا ننسى أيضاً دور درية في أفراح القبة وأحلام في حكايات بنات وزين في مسلسل زين، وداليا في بنتين من مصر وحنان في الاجتياح وجميلة في موجة حارة وبثينة في الكواسر وبلقيس العظيمة، وغيرها من أعمالها المميزة المصرية وغير المصرية فنحن أمام موهبة استثنائية من نوعها.. صادقة ومخلصة في فنها، واعية لقدراتها وحجم موهبتها ومتصالحة مع ذاتها.

وكالمعتاد أود أن أنهي المقال بجملتها الشهيرة في برنامج معكم مع منى الشاذلي:" يا رب أفضل كده وما أضحكش على نفسي لإن المكان اللي إحنا فيه لما بنبتدي نتعرف سهل جداً يتضحك علينا وسهل جداً نفتكر إننا حاجة أكبر من قيمتنا الحقيقية، وسهل جداً نعتبر إن إحنا مبنتهزمش وإن إحنا فظيعين ورهيبين وهنفضل عالقمة والكلام ده كله مش حقيقي.. سهل إنك ترجع للصفر وتنزل لتحت الصفر، وسهل جداً يتضحك عليك وتعمل حاجات وحشة عشان إنت فاكر إنك عظيم.. يا رب خليني في مكاني وأمشي خطوات قد كده، بس أبقى واعية أنا مين.. وفين نقط ضعفي قبل النقط اللي أنا كويسة وشاطرة فيها".