عمال الإغاثة يتحدثون.. حين تكون مهمتك استخراج الجثث من أكبر مقبرة جماعية

عمال الإغاثة يتحدثون.. حين تكون مهمتك استخراج الجثث من أكبر مقبرة جماعية
- إطلاق نار
- الطبيب الشرعى
- العثور على
- المقابر الجماعية
- انتشال جثة
- تنظيم «داعش»
- تنظيم داعش
- حب الحياة
- حزام ناسف
- الرقة السورية
- تنظيم داعش الأرهابى
- قوات سورية
- إطلاق نار
- الطبيب الشرعى
- العثور على
- المقابر الجماعية
- انتشال جثة
- تنظيم «داعش»
- تنظيم داعش
- حب الحياة
- حزام ناسف
- الرقة السورية
- تنظيم داعش الأرهابى
- قوات سورية
اتجهنا نحو مقر فريق الاستجابة الأولية التابع لمجلس الرقة المدنى، كنا قد عزمنا على معايشة أوضاعهم والحصول على معلومات بشأن مهامهم الكثيرة فى المدينة التى دمر 90% من مبانيها وما زالت الجثث أسفل الأنقاض، المبنى بدا متعرضاً لإطلاق نار، لكن لم يُهدم كباقى المبانى المجاورة، لم نعثر على الفريق، حيث كان مشغولاً باكتشافه الكبير الذى تم قبل نحو أكثر من أسبوعين، وهو أكبر مقبرة جماعية تركها تنظيم «داعش» الإرهابى بالمدينة من بين 9 مقابر مكتشفة حتى الآن، حيث تم الكشف عنها بإرشاد الأهالى.
فى منطقة «ملعب الرشيد» وخلف محكمة الرقة، ساحة كبيرة تتّسع لنحو 300 متر تقريباً محاطة بسور، لكن ما إن تقترب منها حتى تزكم أنفك رائحة الجثث المتعفّنة والمتحللة، بمجرد الدخول من فتحة السور المحيط بالمقبرة تتناثر أمامك أكياس من اللون الأزرق، إنها أكياس الموتى التى تجمع فيها الجثث المستخرجة السليمة أو تجمع فيها العظام والأشلاء إن لم تكن الجثث كاملة، يقف ياسر خميس، قائد فريق الاستجابة الأولية، ليوجّه فريقه نحو البحث الجيّد والتعمّق فى الحفر لاستخراج جميع الجثث الموجودة بهذه المقبرة، التى تعد أكبر مقبرة اكتُشفت حتى ذلك الوقت بواقع 500 جثة تقريباً، مقرراً استخراجها من هذه المقبرة، حسب قوله: «نتوقع استخراج من 350 إلى 500 جثة، بنحسبها من خلال حجم المقبرة وعدد الجثث الموجودة فوق بعضها لأن هذه المقبرة توجد 5 جثث فوق بعضها، وهو ما يزيد من عدد الجثث المكتشفة فيها».
{long_qoute_1}
يضيف «خميس» أن المقبرة اكتشفت قبل نحو أسبوعين، لكنه أمر بالتوقف عن استخراج الجثث بعد العثور على أحزمة ناسفة فى الجثث المستخرجة، ليطلب خبراء المتفجرات لتفكيك الحزام، حفظاً على سلامة الفريق، متعجّباً من دفن الدواعش قتلاهم مع أحزمتهم الناسفة إن كان لاعتقاد دينى أم لأنهم تركوه ليحدثوا خسائر فى صفوف فريقه: «هل سيلقى ربه بحزام ناسف؟.. لا أفهم الطريقة التى يفكرون بها»، موضحاً أن المقبرة طولها 70 متراً وعرضها 40 متراً وتضم مقاتلين من تنظيم داعش مسلحين مدفونين بأسلحتهم وأيضاً تضم مدنيين وأطفالاً ونساء فوق بعضهم، لكن الطاغى على هذه المقبرة وجود أطفال بها.
وعن طريقة بحثهم عن المقابر الجماعية يقول «ياسر» إن المقابر يتم اكتشافها عن طريق فرقهم الجوالة الباحثة عن المقابر وأيضاً عن طريق بلاغات الأهالى الذين كانوا موجودين بالرقة وقت الحرب وشاهدوا أماكن دفن الموتى وسط القصف، مشيراً إلى أن «داعش» أجبر الأهالى على الوجود فى المدينة وقت الحرب، مما تسبب فى وقوع خسائر فى صفوف المدنيين، موضحاً أن التعرف على هوية الجثث يكون من خلال الملبس ولون الشعر والعمر أو أى شىء يرتديه الميت، سواء كان ساعة أو حذاء، لتمييز الجثة وفق بلاغ أهله، موضحاً أن الجثث تستخرج ويتم دفنها بالطريقة الإسلامية فى مقابر فى منطقة «تل البيعة» كما يتم كتابة تفاصيل الجثث التى تُقيد ضد مجهول حتى إذا قدم أحد من أهله نُحدد له موضع دفنه.
يتوقف «ياسر» عن الحديث ليذهب مسرعاً نحو جثة يتم استخراجها فى ما بدا أنه ظن معرفته بهذه السيدة من خلال ردائها، ليعلق بعد أن اتجهنا معه نحو الجثة المحللة، وهو يشير بيده: «يعنى مثل هذه نعرف من اللباس أنها امرأة ولديها حجاب، فلدينا هنا طبيب شرعى ومساعدو أطباء يقومون بالفحص البدائى ثم وضعها فى الكيس لنقلها إلى المقابر، وقبل أن ندفنها نلتقط لها صوراً». ويتابع: «نحن طلعنا 700 جثة من يوم 9 يناير هذا العام وحتى الآن المعروف لدينا 200 فقط وقيّدنا 500 ضد مجهول، لكن الـ500 لدينا صور لهم وتفاصيلهم، وبذلك تكون هذه المقبرة التاسعة ونحن نتوقع أن يبلغ عددهم 20 مقبرة جماعية»، يقاطعه أحد الأطباء المساعدين الحديث ويقول له: «ما فى أكياس، شو نعمل؟»، ليرد عليه: «والله وصينا لكم على أكياس، يالا يا شباب طلعوا هاى الجثث ولما تخلص راح نتوقف عن العمل ونكمل غداً إن شاء الله».
وبين أكياس الجثث التى وضعت على جانب الجثة وإلى جانب الحفر الطويلة التى حفرت بانتظام وما زال العمال يستمرون فى الحفر فى تلك الخنادق المنتظمة، يقف محمود إبراهيم، طبيب عام، أى طبيب لكل الأمراض السهلة فى تشخيصها وعلاجها، من «تل أبيض» بالقرب من الرقة، وظيفته فحص الجثث التى سيتم استخراجها وتحديد نوعها وعمرها، لم يمل ولا يكل من المجىء يومياً، شارف على العقد السادس من عمره، يعلق: «باجى كل يوم أباشر الجثث اللى تخرج وأصنفها لو كانت جثة سليمة، ولو متقطعة بتمم ونلم الأشلاء، لأن أوقات ما بنعرف بعض القطع تعود إلى أى جثة»، موضحاً أن الجثث التى يتم استخراجها من المقابر الجماعية تكون غالباً حالتها جيّدة، أى محفوظة داخل بطانية وكيس، فتجدها محللة، لكنها كاملة، على عكس الجثث التى يتم استخراجها أسفل الأنقاض المهدّمة، لأن تفجير الصواريخ يحول الناس إلى أشلاء وتكون المهمة هى جمع هذه الأشلاء من بين ركام المبنى وتكون صغيرة.
{long_qoute_2}
وحول سبب وجود المقابر الجماعية، يوضح الطبيب الشرعى: «المقبرة الأساسية بعيدة عن مركز مدينة الرقة 10 كيلومترات، فكان المواطنون يدفنون موتاهم فى الحدائق وداخل المنازل والأحواش، بسبب عدم قدرتهم على الخروج فى أجواء الحرب وقصف الطيران المتواصل، فأى حركة فى الشوارع تكون هدفاً للطائرات»، مشيراً إلى أن عمله يكون فى تصنيف الجثث سواء أكانت رجلاً أم سيدة أم طفلاً أم مقاتلاً، أما بالنسبة إلى أعمار الجثث فيتم تحديدها من خلال لون الشعر والأسنان وحجم العظام وتكون بالتقريب، وكذلك استخدام الشعر والعظام فى تحديد إن كانت الجثة ذكراً أو أنثى إن كانت الملامح مختفية، موضحاً أن لديهم سجلات بالمفقودين ومعهم سماتهم ويتم دائماً مقارنة ما هو مبلغ عنه بما يتم اكتشافه.
ويذكر «إبراهيم» أكثر المشاهد قسوة التى أثرت فى نفسيته، قائلاً: «المآسى كتيرة لكن أتذكر أننى كنت أبحث مع العمال تحت الركام وبعد إزالة جزء كبير من المبنى، وجدت جثة أم تلُف ذراعها على طفلها الرضيع وتنحنى به لتحميه وهى تحت الدرج، فانهار عليهما المنزل».
على الجانب الآخر، وفى الظل الذى يرسمه سور المقبرة الكبيرة التى تفوح منها رائحة الموت، تجلس القرفصاء ومعها نجل أخيها فى انتظار جثتين تعود بهما إلى أسرتها.. اعتادت وعد السيد، 26 عاماً، القدوم يومياً إلى هذا المكان الذى يكتظ بالجثث المختلطة بين مدنيين ومقاتلين وأطفال، لا تخشى هذه الفتاة التى لم تتزوج بعد من أى حادث قد يجرى خلال استخراج الجثث الملغومة بأحزمة ناسفة، تصر على البقاء إلى جانب هذه المقبرة يومياً حتى أصبحت جزءاً من حياتها، لتصف ما تشعر به: «صرت أحب الجثث.. ما عدت أحب الحياة، فهمت علىّ؟، أشوف الجثث وهى خارجة من المقبرة أحس حالى منهم، أنا عايشة ميتة، حياتى ما لها معنى، أنا هنا آجى علشان أبكى».
مع كل جثة يرفعها الفريق تجرى «وعد» متلهفة وتقترب من الجثة وتطلع عليها، فهى تبحث عن أمها وأختها، اللتين قتلتا فى القصف خلال الحرب، فهى من المواطنين الذين بقوا فى الرقة حتى آخر يوم فى الحرب، توفيت أختها وأمها أمام عينيها، حيث هرعت مع أختها لمساعدة الجيران بعد قصف الطيران لمنزلهم، لكنهم فشلوا وخلال عودتهم أطلقت إحدى الطائرات صاروخاً باتجاههما، لكن الصاروخ انفجر بعيداً عنهما فتطايرت الشظايا وقتلت أختها ونجت هى، وخلال عودة أمها لانتشال جثة أختها سقط صاروخ آخر قضى عليها هى الأخرى، لتعلق: «الله كتب لى عمر جديد والله حتى ما اتصبت»، مشيرة إلى أنها سلمت الجثتين لـ«داعش» فى المستشفى وظلت تتابع جثتى أمها وأختها أين سيتم دفنهما، وبالفعل تابعت خطوات الدواعش حتى رأتهم يدفنونهما وسط مئات القتلى من قواتهم والضحايا المدنيين فى ساحة خلف المحكمة، لتعود إلى المنزل وهى تتذكر هذا المكان الذى ستتوجه إليه لاحقاً إن نجت من هذه الحرب القاسية.
وحول قدرتها على تحديد إذا ما كانت الجثة تعود إلى أمها أو أختها من عدمه، خاصة أن بعض الجثث تخرج وهى متحللة، تقول: «أعرف من اللبس وأنا سلمتهم جثث كاملة مو مقطعين، أختى مصابة فى رأسها وأمى فى ضهرها وراسها، يعنى راح أعرف من اللبس ربك يعطينا أى علامة، أنا متأكدة إن الاثنتين موجودتين هون فى الخندق هاى أو الخندق هاى، وبعدين طلع من أيام 3 أطفال أبوهم وأخوهم اتعرفوا عليهم من البناطيل الجينز»، مشيرة إلى أنها لم تخرج وقت القتال وظلت موجودة طوال فترة حكم «داعش» واحتكت بهم، واصفة أن بعضهم كانوا «أناساً جيدين يحاولون مساعدة الناس ونصحهم»، فيما كان آخرون منهم «شريرين ويتسببون فى أذى الناس».
وتضيف أنها فقدت 4 من أسرتها فى هذه الحرب، فقد قتل أخوها الذى انتسب إلى «قوات سوريا الديمقراطية» بعد أن تعرضت النقطة التى كان يرابط فيها عند حاجز «ربط السمرة» لهجوم من دواعش كانوا متنكرين وأطلقوا عليه الرصاص العشوائى، إلى جانب والدها الذى غضبت عليه «داعش» من دون أى أسباب معلنة، وذبحوه من دون أن تعرف ما التهمة الموجهة إليه، معلقة: «أنا لسه معى أولاد أخوى اللى استشهد عند الحاجز، ما راح أتزوج وهاعيش لتربيتهم».
وتتذكر أكثر المواقف قسوة التى تعرّضت لها خلال الحرب غير وفاة شقيقتها ووالدتها، أنها نامت مع نحو 35 جثة داخل منزل واحد خلال الحصار الذى جرى فى الحرب، حيث قصفت الطائرة بيت جيرانهم وهو ما دفعها إلى التوجه نحو المنزل والبقاء مع 35 جثة كانت بالمنزل المجاور، كنوع من الأمان، حيث لم تقصف الطائرة منزلاً مرتين، فتركت منزلها وذهبت هى إلى المنزل المهدم والمقتول فيه 35 جثة وظلت به 3 أيام، متابعة: «موقف آخر.. الجيران طلبوا منى أبات عندهم، وكان معى ابن أخوى وكان بالمنزل 15 زلمة (رجل)، المرة كانت مسوية عجين قلت لها فوتيلى العجين على المطبخ حتى أطبخ، وبعد لحظات بدأ قصف طيران شفت الواد ناديته قلت له تعالى جه ودخلنا الحمام بعيد شوى عن الحوش صاروخ ضرب بافتح عينى لقيت الحوش كله جثث مشيت على الجثث وخرجت وأنا أبكى»، تتذكر هذه المشاهد ويتغير صوتها ويصبح مكتوماً، ولم تستطع مواصلة الحديث وانتهى الكلام.
اقرأ أيضًا:
هنا عاصمة داعش الأرض لا تزال تقاوم
- إطلاق نار
- الطبيب الشرعى
- العثور على
- المقابر الجماعية
- انتشال جثة
- تنظيم «داعش»
- تنظيم داعش
- حب الحياة
- حزام ناسف
- الرقة السورية
- تنظيم داعش الأرهابى
- قوات سورية
- إطلاق نار
- الطبيب الشرعى
- العثور على
- المقابر الجماعية
- انتشال جثة
- تنظيم «داعش»
- تنظيم داعش
- حب الحياة
- حزام ناسف
- الرقة السورية
- تنظيم داعش الأرهابى
- قوات سورية