المملكة السعودية تنتفض للعرب
جاء إعلان وزارة الخارجية السعودية عن اعتذار المملكة عن عدم قبول عضويتها فى مجلس الأمن، غداة انتخابها لشغل مقعد غير دائم فى المنظمة الدولية بمثابة برد وسلام على المواطنين العرب، وذلك بسبب ازدواجية المعايير فى مجلس الأمن وفشله فى حل القضية الفلسطينية والنزاع السورى وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووى، وذكر البيان الرسمى للخارجية أن آليات العمل وازدواجية المعايير الحالية فى مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمَّل مسئولياته تجاه حفظ الأمن والسلام الدوليين على النحو المطلوب، مما أدى إلى اتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب فى أنحاء العالم، وأشارت الخارجية بشكل خاص إلى بقاء القضية الفلسطينية لـ65 عاماً دون حل عادل ودائم، معتبرة أن ذلك نجم عنه عدة حروب هددت الأمن والسلم الدوليين. وكانت المملكة السعودية قد انتخبت للمرة الأولى عضواً غير دائم فى مجلس الأمن الدولى، وفازت بالمقعد إلى جانب تشاد وتشيلى وليتوانيا ونيجيريا، لتكون أعضاء غير دائمين فى مجلس الأمن لدورة من سنتين اعتباراً من أول يناير 2014.
جاء هذا الموقف السعودى تعبيراً دقيقاً عن الإرادة الشعبية العربية التى لم تجد الإنصاف لقضاياها العادلة من جانب مجلس الأمن الدولى، واستخدام بعض الدول دائمة العضوية لحق النقض «الفيتو» عند إدانة الكيان الصهيونى الذى استمرأ اغتصاب الأراضى العربية وممارسة كل أشكال القتل والتنكيل للمواطنين الفلسطينيين وتدنيس المسجد الأقصى والاستيلاء على أراضى القدس الشرقية، وظلت الدول العربية مجتمعة بضعفها وتراخيها عاجزة عن اتخاذ أى مواقف محترمة فى مواجهة السلب المتكرر لحقوقها المشروعة، وفشلت الدول العربية -بل والأفريقية- فى ممارسة الضغوط التى تتيح لإحداها عضوية دائمة فى مجلس الأمن، ومن ثم، جاء هذا القرار الجرىء من جانب المملكة العربية السعودية بمثابة صفعة على وجه المنظمة الدولية، أو صيحة احتجاج مدوية أرجو أن تكون بداية لإقامة تكتل دولى من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للمطالبة بتدشين نظام دولى جديد يراعى التوازن والعدالة بين أقطار العالم. جاء هذا القرار السعودى بمثابة صفعة قوية للضمير الدولى الغائب تجاه قضايا الأمة العربية، ولا يقلل من قيمة هذا القرار ما تردد من أسباب غير معلنة، مثل عدم شعور المملكة بارتياح لاتجاهات التفاهم والمهادنة بين واشنطن وطهران بشأن منح إيران دوراً إقليمياً فى مستقبل الشرق الأوسط، أو ما تردد عن تحركات أمريكية منفردة لدعم جماعات الحوثيين فى جنوب اليمن، على نحو يخالف الترتيبات المتفق عليها فى المبادرة الخليجية، أو تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا. لقد أثبت مجلس الأمن فشلاً مدوياً فى معالجة القضية الفلسطينية، ولم يتمكن من اتخاذ أى خطوة إيجابية حقيقية لحل هذه المشكلة على الرغم من إصداره سلسلة من القرارات منذ زرع الكيان الصهيونى فى دولة فلسطين عام 1947 وحتى الآن، بما يؤكد ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، فى حين كان المجلس يبادر باتخاذ قرارات فورية وقاطعة عندما يتعلق الأمر بدول أخرى. إن اعتذار المملكة السعودية عن عدم قبول هذا المنصب من شأنه لفت الاهتمام لازدواجية المعايير الدولية وتوجيه رسالة قوية بضرورة وضع إصلاحات عاجلة قابلة للتطبيق من جانب المنظمة الدولية لما يحقق التوازن والعدالة بين جميع دول العالم. آمل أن تكون هذه الخطوة من جانب المملكة العربية السعودية مقدمة لاتخاذ مواقف عربية موحدة نستعيد من خلالها أملنا الذى لا يموت فى أمة عربية واحدة، بغض النظر عن الحدود الجغرافية الزائفة.