«كل ده بسبب شنطة الحاجة سعدية».. ؟!

يبدو أننا اخترناه دستوراً لنا‏.. قانوناً يحكم علاقاتنا وتصرفاتنا‏..‏ منهج عمل‏.. ‏مبدأ فى حياتنا اعتدناه مواطنين ومسئولين وهو أن نعيش حياة «نص‏.. نص»..!!‏ وإذا عملنا فنحن نتظاهر فقط بأننا نعمل وباختصار فإننا نعمل «كده وكده»..! نسعى لإيجاد تبريرات لحالتنا هذه، وأشهر هذه التبريرات «على قد فلوسهم»، التى يحاول بها كل من لا يراعى ضميره فى عمله إقناع نفسه بصحة موقفه هذا وأنه على حق!! وإذا كنا سنتجاوز ونقبل على مضض هذا الواقع المرير فى المواقع والأعمال العادية أو البسيطة إلا أنها فى بعض الأحيان تؤدى إلى «كوارث» إذا سيطر هذا التبرير على العاملين فى بعض المواقع التى تتسم بالحساسية..!

قبل أسبوع وتحديداً يوم السبت الماضى حمل هذا المكان سطوراً كانت تحت عنوان «سيادة الرئيس.. هذه إحدى مواطنيك»، التى عرضت قصة «الحاجة سعدية» التى جرى اتهامها بالاتجار فى المخدرات فور تفتيش حقائبها عند وصولها إلى أحد المطارات بالسعودية، إذ عُثر بها على كمية من الأقراص المخدرة، على الرغم من أن هذه الحقائب قد خرجت من أحد المطارات المصرية ولم يكتشفها أحد، ولا أدرى إذا ما كان هذا المطار هو مطار القاهرة أو الإسكندرية..!

الأغرب من ذلك أن أحداً من مسئولى وزارة الطيران أو الشركة القابضة للمطارات أو وزارة الداخلية لم يكلف نفسه ويجرى تحقيقاً فى هذا الأمر، على الرغم من كامل درايته بحجم الكارثة التى ستقع فوق رؤوسنا جميعاً -لا قدر الله- إذا ما كان قد جرى إبدال «هذه المخدرات» بـ«المتفجرات»!.

واقع الحال يؤكد أن حقائب «الحاجة سعدية» قد مرت على أجهزة الكشف ولم يشغل الجالس خلف شاشاتها نفسه بأن ينظر إلى «المونيتور»، وربما لم يكن موجوداً أصلاً فى موقع عمله، غير أن الأقرب إلى الصواب أنه ربما تعامل مع الأمر باستخفاف تام وعدم اهتمام، إعمالاً بمبدأ «كده وكده»، وبخاصة أنه كان يفحص «حقائب» سيدة عجوز ضمن ركاب كانوا فى طريقهم لأداء العمرة..!

القضية لا تتطلب مثل هذه المعاملة التى تتسم بالتساهل وبخاصة مع كبار السن أو الحجاج أو المعتمرين، إذ إن «الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة»، فقد عانينا طوال عامين منذ حادث «الطائرة الروسية» ولا نزال بعد أن ضرب «الحادث» أحد أهم الموارد المالية للدولة، بسبب انحسار السياحة الأوروبية بشكل عام.. وبعد معاناة شديدة نجحنا فى إقناع الدول بتخفيف القيود على السفر لمصر وتحملنا الكثير من «المماطلات»، وبخاصة من الجانب الروسى إضافة إلى مرورنا بعدة اختبارات -من جانب لجان ووفود عديدة- للإجراءات الأمنية المتبعة فى مطاراتنا، إلى درجة أننا تصورنا أنه كلما عانى الأجانب بشىء من وقت الفراغ شكلوا من بينهم وفداً للتفتيش على المطارات المصرية بمنطق «حج وبيع سبح»..!

على جانب التظاهر بالعمل أو «العمل كده وكده»، ففى مشهد ساذج غاب عن الأفلام المصرية اصطف 4 وزراء «الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزير التنمية المحلية ووزيرة التعاون الدولى ووزير الداخلية، آه والله وزير الداخلية» أمام أمن مطار شرم الشيخ وقد خلعوا الأحذية والجاكيتات والساعات ووضعوا كافة المتعلقات الشخصية على جهاز كشف المفرقعات، وخضعوا للتفتيش ذاتياً أثناء عودتهم من مدينة السلام «شرم الشيخ» بعد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء، الذى عقد هناك قبل ما يتجاوز العام وفق صورهم المتتابعة على الصفحات الأولى من الصحف وقتها «مش قوى كده.. ده مشهد لا يقنع حتى عبيط القرية»..!

قضية التظاهر بالعمل لم تقف عند وزراء الحكومة «المستقيلة»، وهذا المشهد الساذج الذى جرى لهم فى مطار شرم الشيخ، بل امتد إلى الرئيس السيسى نفسه، إذ حينما دخل إلى لجنة التصويت فى الانتخابات التى أجريت فى أكتوبر 2015 لتشكيل مجلس «النواب» الحالى ليدلى بصوته طلبت منه رئيسة اللجنة بعد أن رسمت على وجهها ملامح الجدية إظهار بطاقة الرقم القومى، وسلمتها لأحد الموظفين باللجنة الذى دقق فيها وأخذ يقلبها فى يديه وأدخلها إلى جهاز «القارئ الآلى»، وتأكد من «سلامتها» وأحقية صاحبها «أى الرئيس» فى الإدلاء بصوته داخل اللجنة «شوف إزاى».!!

ما أقدمت عليه رئيسة اللجنة والموظف يأتى فى إطار ظاهرة «العمل كده وكده»، ولا أدرى كيف كانا مقتنعين بأن «تمثيلهما هذا» قد يقنع أحداً بجديتهما وتفانيهما فى العمل. القضية ليست غريبة علينا، فكل تعاملاتنا تؤدى إلى هذه النتيجة.. فحياتنا هى صياغة واضحة لمبدأ «نص.. نص.. أو كده وكده»!!.. حتى عندما نحاول أن نستشهد بمقولة فإننا لا نجد سوى تلك المقولة الشهيرة «نص الكوب»!!

فى المدرسة يبذل المدرس جهداً «نص.. نص»، ويشرح الدروس للطلاب «كده وكده»، ادخاراً لجهوده التى سيبذلها وأمامه «قطعة كيك وكوباية شاى كشرى على ترابيزة السفرة» فى بيت التلميذ..!! وعلى المستوى العام فإن الأمر لا يختلف بل بالعكس فإنه يكاد يكون متطابقاً تماماً، إذ إننا نتحمس لتطبيق قانون جديد لبضعة أيام ثم يفتر حماسنا لتتأكد معها نظريتنا الخاصة، وهى حماس «نص.. نص.. أو كده وكده»، بعد أن نسوق التبرير الشعبى الشهير «الغربال الجديد له شدة»!!

تحت قبة مجلس النواب تنتفض عروق وتُشرخ حناجر ويتساقط العرق من الجباه أثناء مناقشة أى استجواب للحكومة لساعات طوال تكفى دقائق منها لإسقاط وزراء أو حكومات، وعندما ينتهى الاستجواب بالتصفيق وبتوجيه الشكر نتأكد نحن المواطنين أن حماس السادة النواب كان حماساً نص.. نص.. أو كده وكده!!.. وتحت القبة أيضاً نصوغ قوانين لا تخر المية أو حتى البيبسى لا تصمد سوى أيام قليلة تخضع بعدها لعمليات «نفخ وتجميل وشفط دهون» بعد أن أيقنا أن صياغتنا لها كانت نص.. نص وكده.. وكده!!.. فليسامحك الله يا «حاجة سعدية» ويفك كربك.. كل ده بسبب «شنطتك»..!