المستشار عادل المسلمانى يكتب: الدكتور مهاتير محمد الذى أعرفه

كتب: المستشار عادل المسلمانى

المستشار عادل المسلمانى يكتب: الدكتور مهاتير محمد الذى أعرفه

المستشار عادل المسلمانى يكتب: الدكتور مهاتير محمد الذى أعرفه

التقيت الزعيم الماليزى مهاتير محمد عدة مرات.. تشرفت بالقرب منه فى السنوات الأخيرة، ولَم أكن أحتاج لمقابلته سوى إلى اتصال هاتفى.. وقد كان كريماً ودوداً فى كل مرة أردت لقاءه. حيث كان ترتيب الموعد يجرى على الفور. كتبت فى الإعلام العربى فى الصين عن لقاءاتى وحواراتى مع الزعيم الآسيوى الكبير، وما زلت أحتفظ بصورنا فى مكتبه بالعاصمة كوالالمبور.. وهى واحدة من الذكريات المهمة فى حياتى. إن الدكتور مهاتير محمد لا يعرف الراحة أو التقاعد. ومن لا يعرف ذلك الرجل التسعينى المسن يندهش كثيراً من جاهزية الأداء فور عودته إلى السلطة.. ثم تحركه السريع ضد الفساد الذى يمثله رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق، بعدما استقال من حزبه فى 2016، ثم أقام ائتلافاً مع أنور محمد غريمه القديم، وفاز فى الانتخابات ليعود رئيساً للوزراء بعد خمسة عشر عاماً من اعتزاله السياسة، ليتم القبض على المفسد نجيب عبدالرزاق، ويتم إلغاء الضريبة على السلع وهى 6%، ويطالب الشعب بأن تقتصر تبرعاته وهداياه للمسئولين على الورود والطعام فقط، وبدأ العمل بشكل جدى على استرداد المليارات المنهوبة والمحولة لأمريكا وسويسرا.

إن مفاتيح هذا الرجل تتمثل فى شخصية دارس الطب وممارسته لعلاج الفقراء فى مسقط رأسه، ثم السياسة التى عشقها وانضمامه لمنظمة الملايو الوطنية المتحدة، وترقيه حتى أصبح رئيساً لوزراء ماليزيا لينتقل بها من دولة فقيرة من دول العالم الثالث إلى مصاف الدول الاقتصادية الكبرى طوال 22 عاماً خلال عمله رئيساً لوزراء ماليزيا.

وقد استطاع الرجل أن يستغل التركيبة السكانية فى ماليزيا التى قد يظنها البعض من عوامل الضعف فى النسيج الماليزى، لكنها فى الحقيقة من عوامل القوة، ذلك لأن صيغة التعايش السلمى بينهم بعد قبول الملك الماليزى بعودة الصينيين وإلغاء قرار إبعادهم، كانت صيغة واقعية جداً حفظت لكل طرف مكاسبه الخاصة، فضمنت للأغلبية المالاوية حقهم فى الحكم وضمنت للأقلية الصينية حقهم فى التجارة والأعمال فكان الحكم مالاوياً خالصاً، وحكمت الأقلية الصينية سوق التجارة والاقتصاد وأثرت الأقلية الهندية سوق العمل والحرف.

كما استطاع توظيف العقلية الماليزية التى تشعر بالانتماء النوعى للإسلام دون تطرف تصبغه مسحة صوفية دون مغالاة واعتزاز تاريخى للأغلبية بانتمائهم الدينى الإسلامى تجد صداه لدى باقى الأقليات العرقية، مع تمتع أفراد الشعب الماليزى بمساحة يحسدون عليها من التسامح وقبول الآخر.

أضف إلى ذلك الطبيعة الشخصية للزعيم مهاتير محمد، الذى أعرفه عن قرب والذى لديه تحدى أسد وصبر نمر وعقل زعيم وقلب شيخ صوفى وحضور وتركيز من شبه المستحيل أن تجده فى شيخ فى مثل سنه وقد تخطى التسعين، تعرف أنه الأقدر على الإطلاق لقيادة سفينة الدولة الماليزية، خاصة أن نسبة الفساد الإدارى والردة للديكتاتورية فى الآونة الأخيرة بلغت درجة قياسية كأيام حكمه الأولى. وما أشبه اليوم بالبارحة، لا أنسى عندما حاربوه فى تجارة زيت النخيل، ففتح أسواقاً جديدة بالبيع الآجل، ولا أنسى ازدهار تجارة الخشب وإصراره على قطع أشجار الغابات ضد رغبة إنجلترا، ولا أنسى رفع مستوى دخل الفرد الماليزى من 350 دولاراً سنوياً إلى أكثر من 8000 دولار فى أقل من خمس سنوات.

سينجح الرجل إن شاء الله وليس أدل على ذلك مما قام به من إلغاء ضريبة السلع، والسعى لاسترداد الأموال المهربة وهى بالمليارات.

أتذكر آخر لقاء لى معه وهو يتكلم بحماسة الشباب ويقول: لماذا نتركهم يسوقون إسلامنا على أنه داعش والقاعدة؟! يجب أن نصحح بأنفسنا طريقة تسويق الإسلام، لكى نبرز مواطن الخير والحب والجمال فى هذا الدين العظيم، ولا أنسى عندما طلبت منه قيادة منظمة دولية هدفها مساعدة اقتصاديات الدول الإسلامية وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام الوسطى، ووجدته يقول: تقدم لإنشاء المنظمة ولن أتأخر عن دعمها، ولكننى ما زالت عيناى على ماليزيا.

لا أشك فى نجاح مهاتير إذا منحه الله العمر، فإن الفارس لم يترجل عن حصانه والمحارب لم يضع سيفه بعد.

 


مواضيع متعلقة