صنايعية أغاني رمضان

أحمد خالد

أحمد خالد

كاتب صحفي

منذ فترة نشر الكاتب "عمر طاهر" كتابا بعنوان "صنايعية مصر"، وهو تجميعة لمجموعة مقالات فى ذكر كل من أسس لصناعة فى مصر أو احترف صنعة معينة ولكن لم ينصفه التاريخ.. لفتة عظيمة من "عمر طاهر" العبقرى واختيار مسمى "صنايعية مصر " بالذات فقد اعتاد المصريون دائما استخدام لفظ "صنايعي" كدلالة على احتراف الشخص مهنة معينة بل وإبداعه بها، فـ"الصنايعي" هى مكانة ومرتبة عالية وليس كل عامل بالضرورة صنايعى.

أغانى رمضان أيضا هى صنعة اختفى وانقرض محترفيها من عشرات السنين.. كانت آخرها فى فترة الثمانينات.. ربما منذ البدء لم تكن صنعة رائجة وده طبيعى لكونها صناعة موسمية، أو كما يقال من السنة للسنة.. أو لأن فى هذا الوقت كانت الحفلات الموسيقية هى مكسب صناعة الغناء بالإضافة إلى الأغنيات التى تأتى فى سياق الأعمال السينمائية، وبالطبع لا يمكنك تخيل صعود فنان قدير على المسرح فى أمسية غنائية ليغنى لشهر رمضان الكريم.. أو أن يغنى بطل الفيلم فى خضم أحداثه أغنية للشهر المبارك وبركاته.

وربما لتلك الأسباب أو لأسباب أخرى نجهلها نحن لم يغن فنانو هذه الحقبة العظام مثل "عبد الوهاب" و"حليم" والست "أم كلثوم" أى أغنية لشهر رمضان، و إن كان التليفزيون المصرى قد حول ابتهال "أنا من تراب" لعبد الحليم حافظ إلى دعاء رمضانى خاص يأتى فى الدقائق السابقة لآذان المغرب، إلى أن رسخ فى ذهن المصريين ارتباطه بالشهر الكريم.

حاول الكثير من فنانى العصر الحالى بضع محاولات لإنتاج أغانى رمضانية سواء من الجانب الروحانى والاحتفال بشهر رمضان وقدومه، أو من الجانب الدينى بحيث يمكن استخدامها فى عدة مناسبات أخرى دينية.. و لكن لم تحصل هذه المحاولات على النجاح المنتظر، وأكبر دليل على هذا عدم تذكرى أو تذكرك لأى من هذه الأغانى ولا يمكنك حتى ذكر اسم ثلاثة أغانى منها، بينما يمكنك تسميع "أهو جه يا ولاد" و"أهلا رمضان" وأنت تتناول القطايف بالكريمة ودون أى معاناة فى تذكر كلمات الأغانى بلحنها أيضا.

أظن كل الظن أن سبب عدم نجاح أغنيات رمضان الحديثة هو كونها مجرد كلمات كتبت ولحنت بشكل منمق وجميل، لكنها تفتقر للصنعة المطلوبة.. الصنعة التى جعلت أغانى رمضان التراثية جزء من نسيج رمضان وروحانياته.

الصنعة التى مُزجت بفن وفرحة وشعور روحانى بشهر رمضان حتى أصبحت أغنية مثل "رمضان جانا" أهم من بيان المفتى فى الإعلان عن قدوم شهر رمضان كما قال الفنان " محمد عبد المطلب" صاحب الأغنية فى تصريح شهير له.

كانت أغنية "رمضان جانا" وما زالت من أنجح أغانى رمضان – إن لم تكن الأنجح على الإطلاق – وغناها الفنان محمد عبد المطلب وهو المعروف عنه "مزاجه" فى اختيار الأغانى، ولك أن تتخيل أن أجر عبد المطلب فى غناء "رمضان جانا" كان حينها ستة جنيهات من الإذاعة المصرية.. و بالطبع لم تكن تلك الأجور مغرية لنجوم هذا العصر أصحاب الحفلات المكتظة.. لكن يشاء القدر نجاح الأغنية بمعدل خرافى حتى أنه قيل أن عبد المطلب قد علق قائلا "لو أخدت جنيه عن كل مرة اتذاعت الأغنية لأصبحت مليونيرا"!

وكان اللحن لـ"محمود الشريف" وهو ذاته صاحب لحن "يا بتاع التفاح"، وهو من ألحان الدندنة والروقان الشهيرة جدا، أما الكلمات فهى للشاعر "حسين طنطاوي" وهو نفسه كاتب برنامج "أبلة فضيلة" اللى اتربينا جميعا على سماعه منذ سن الطفولة.. وطبعا مع مجموعة زى دى من "الصنايعية" كان من الطبيعى إنتاج أغنية مثل "رمضان جانا" لتصبح هى إعلان قدوم رمضان فى البلاد لعشرات السنين الماضية والقادمة.. و لكن للأسف حتى الآن ظلت أسمائهم غير معروفة للناس ولم يتم تقدير صنايعية أهم أغنية لأهم شهر من كل عام.

ولم ننه ذكريات وتاريخ الصنعة بعد.. فحديثنا مستمر فى المقال القادم.