«الوطن» ترصد معاناة أهالى «العزبة» فى أول أيام العيد

كتب: محمود عبدالرحمن

«الوطن» ترصد معاناة أهالى «العزبة» فى أول أيام العيد

«الوطن» ترصد معاناة أهالى «العزبة» فى أول أيام العيد

«الفرن الوحيد اللى فى البلد كلها غرق والعيش بتاع النهاردة كان عايم على وش المية من غير ما فرد فى البلد ياخد رغيف واحد»، لم يجد محمود سويلم، موظف، ما هو أخطر من عدم قدرة ما يزيد على 10 آلاف نسمة من أبناء قرية الجمّال التابعة لمركز الصف على الحصول على رغيف العيش، للتعبير عن بشاعة الكارثة التى ألمت بأهالى قريته بعد غرق منازلهم وسط مياه المجارى، بالرغم من تقدمهم بشكاوى عديدة للمحافظين المتعاقبين على محافظة الجيزة والعديد من المصالح الحكومية لحمايتهم من تكرار مأساة عدد من القرى المحيطة بهم والتى لاقت نفس المصير. لوحة معدنية صغيرة مدون عليها اسم قرية «عزبة الجمّال» قبل المدخل الرئيسى لمركز ومدينة الصف بمسافة 6 كيلومترات، مدق ترابى ضيق يفصل بين مجرى السيل الذى يفيض عن آخره بمياه تنبعث منها الروائح الكريهة ومجموعة من المنازل الطينية التى تصطف على الجانب الأيمن للطريق، سيارات نقل ومعدات ثقيلة تابعة للقوات المسلحة تنطلق تجاه القرية، وتساؤلات متواصلة بين الأهالى الذين جلسوا أمام منازلهم فى تجمعات صغيرة لتبادل أطراف الحديث حول غرق ما يقرب من مائتى فدان من الأراضى الزراعية بقريتهم وأكثر من 240 منزلاً بمياه المجارى، على حد تعبيره. « هجوم المية بدأ من إمبارح الساعة واحدة بالليل بعد ما جسر ترعة عرب الحصار اتكسر وحول مية المجارى على هنا»، يتحدث بسيونى عبدالحميد، فلاح، وأحد أبناء القرية فيقول: «انخفاض عزبة الجمال عن مستوى أراضى القرى المحيطة بها يجعلها عرضة للغرق سواء أثناء وقوع السيول أو تحطم أجزاء من جسر ترعة الحصار التى يتجمع فيها مياه الصرف الصحى من محافظتى القاهرة والجيزة للوصول إلى محطة التنقية الموجودة فى جبل مدينة حلوان، وهو ما حدث بالفعل قبل ذلك عدة مرات». يضيف الرجل الخمسينى: «فرحة أهالى العزبة بالعيد تحولت إلى كابوس، استيقظ عليه عشرة آلاف مواطن يسكنون فيها، وبعد أن كانوا يقضون اليوم الثانى للعيد فى أكل لحوم الأضاحى والتجمع فى منازل كبار العائلات، غرقوا فى مياه المجارى وتركوا منازلهم خشية سقوطها عليهم». تدفق المياه على أراضى ومنازل القرية استمر حتى منتصف نهار أمس الأول، الأمر الذى دفع الأهالى للهرب إلى الجسور المرتفعة التى تحيط بالقرية، ووضع أثاث منازلهم على سيارات نقل وفوق أسطح بعض المنازل التى لم تصل اليها المياه. «عندى فدان أرض زراعية برسيم بالإيجار باكل منه أنا ومراتى و5 عيال غرق كله، والأوضتين اللى بنيتهم علشان أدارى فيهم أنا وعيالى المية واصلة فيهم لحد السقف، والعفش كله غرق، يعنى بيتى اتخرب من جميع النواحى»، ويتحدث منصور عبدالحميد، عن أنباء وصلته عن وجود بعض ضباط القوات المسلحة بمنزل أحد أعضاء مجلس الشعب السابقين لتسجيل أسماء المتضررين، الأمر الذى دفعه للإسراع حتى يضع اسمه على رأس القائمة، حيث يقول: «أنا راجل عندى 65 سنة وما عنديش حاجة اتسند عليها غير 8 قراريط تمليك، وباقى أرضى بالإيجار، وولاد الحلال ساعدونى علشان أبنى أوضتين أعيش فيهم أنا وولادى، والآن وبعد تعرضهم للغرق الكامل، لم يعد أمامى سوى انتظار وعود المسئولين الذين أكدوا لنا تعويض المتضررين وإعادة بناء المنازل التى تعرضت للتصدع وغرق الأثاث». ويقول عبدالعظيم سامى، عامل يومية، إنه سارع بحمل والده على كتفيه والسير به وسط المياه التى ارتفعت إلى منتصف المنازل -بمساعدة جيرانه- حتى يتمكن من وضعه فى أحد المنازل التى لم تتعرض للغرق، نظراً لقيامه بإجراء جراحة دقيقة فى العمود الفقرى منذ عشرة أيام، خوفاً من انهيار منزله بعد تصدع أجزاء منه. «أنا ولد وحيد على 3 بنات، وأبويا مريض بالعمود الفقرى، وأمى عندها الكبد، وما نمتلكش حاجة فى الدنيا كلها غير بيتنا، ولما المية وصلت فيه لقرب السقف، قلت أخرج أبويا وأمى وأخواتى أحسن يجرى لهم حاجة فيبقى موت وخراب ديار» يتحدث عبدالعظيم قائلاً: «قوة اندفاع مياه المجارى أخلت بأساس المنازل نظراً لضعفها، لأنها مبنية على وش الأرض دون قواعد أو أساسات، الأمر الذى أثار رعب الأهالى وجعلهم يسارعون بالخروج إلى المناطق المرتفعة، وقضاء عيدهم فى الخلاء خوفاً من الموت». وأكد خالد مصطفى، أحد أبناء «الجمّال» عن تعرض القرية لنفس الكارثة منذ 7 سنوات عندما هاجمتها المياه وأغرقت جزءاً كبيراً من أراضيها تزامناً مع غرق قرى عرب العايدة وعرب الحصار وعرب الترابين وقرية الإقصاء لنفس السبب، وعلى الرغم من زيارة المسئولين للقرية وقتها وتأكيدهم على وضع العديد من الإجراءات التى تمنع تكرار الحادث مرة أخرى، إلا أن ضعف الجسر والبوابات دفعنا للتقدم بشكاوى عديدة إلى المسئولين فى محافظة الجيزة للتحذير من تكرار الكارثة، ولكن أحداً لم يستمع إلى شكوانا وتم وضعها داخل أدراج المحافظة. وأضاف: «شباب القرية قاموا بنقل مجموعة من الأطفال وكبار السن إلى المستشفى العام فى مدينة الصف نتيجة إصابتهم بحالة رعشة وإغماءات متواصلة نتيجة غرقهم وسط المياه، والآن يخضعون لتلقى العلاج، بالإضافة لبعض كبار السن والمرضى الذين قمنا بنقلهم إلى نفس المستشفى خوفاً على حياتهم». تعدد الروايات عن الأسباب الحقيقية التى تقف وراء تسرب مياه ترعة الحصار إلى عزبة الجمال، كانت السمة الغالبة على أحاديث وتجمعات الأهالى الذين انشغلوا بإنقاذ أثاث منازلهم وحمله خارج القرية، ونقل كبار السن والأطفال إلى العزب القريبة منهم والتى لم تتعرض للغرق، فبينما أكد بعض الأهالى عن أن الإهمال الحكومى يقف وراء الأزمة بسبب رفض الأجهزة المعنية ترميم الجسر الذى يتشابك مع مجرى السيل المار وسط قريتهم بالرغم من تقدم الأهالى بالعديد من الشكاوى إلى المسئولين والمحافظين السابقين، وفى نفس الوقت أكد شهود عيان لـ «الوطن» من أبناء القرية أن السبب الحقيقى يتمثل فى قيام مجموعة من البلطجية المعروفة أسماؤهم لدى أجهزة الأمن بسرقة البوابة الحديدية التى تحجز المياه عن القرية، والتى تزن 7 أطنان، بعد أن قاموا بخلعها بواسطة لودر كبير الحجم، وأكدوا مشاهدة تلك البوابة لدى بعض تجار الخردة قبل غرق القرية ببضع ساعات. اخبار متعلقة عزبة الجمّال.. «عيشة» على هامش الحياة أهالى القرية دونوا اسمها انتظاراً لـ«التعويض»