رغم تصنيفها بـ"الانتحار" بشر يحولون أنفسهم إلى مومياوات

كتب: رحاب عبدالراضي

رغم تصنيفها بـ"الانتحار" بشر يحولون أنفسهم إلى مومياوات

رغم تصنيفها بـ"الانتحار" بشر يحولون أنفسهم إلى مومياوات

مع انتشار الديانة البوذية خلال القرون الماضية، في شرق القارة الآسيوية، وتزامناً مع احتكاكها بثقافات جديدة، شهدت تنوعاً ظهرت على أثره مدارس عديدة.

واتجت العديد من المدارس البوذية إلى اعتماد تقاليد وطقوس غريبة وفريدة من نوعها، ولعل أبرزها ما يعرف بتحنيط الذات أو سوكوشينبوتسو.

عرفت هذه العادة الغريبة ظهورها بمحافظة ياماغاتا اليابانية، ضمن أتباع الديانة البوذية المنتمين لمدرسة شينجون، والذين تميزوا بزهدهم وسعيهم للتشبه بسيدهارتا جوتاما (أو بوذا).

وسجلت تقاليد التحنيط الذاتي انتشارا واسعا ما بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر، وذلك قبل صدور مرسوم حكومي ياباني منع هذه الممارسة بعد تصنيفها كنوع من أنواع عمليات الانتحار، بحسب "العربية".

وعلى الرغم من ذلك، واصل عدد من الرهبان ممارسة التحنيط الذاتي بشكل سري.

 يعود الفضل في ظهور ما يعرف بالتحنيط الذاتي إلى الراهب البوذي الياباني، كوكاي، والذي عاش خلال القرن التاسع، وفي أثناء مسيرته أسس كوكاي مدرسة شينجون واضعاً أهم قواعدها.

وظهرت بين أتباعه عادة التحنيط الذاتي بعد وفاته بنحو قرنين من الزمن، بناءً على قصة غريبة تفيد بأن كوكاي حي، وأنه أقدم على الجلوس في وضعية تأمل داخل القبر ليعود للحياة بعد آلاف السنين من أجل مساعدة الناس على بلوغ درجة النيرفانا التي تخلو من المعاناة والمؤثرات الخارجية.

خلافا لما نقله المرسوم الحكومي الياباني، لم يعتبر الرهبان البوذيون المنتمون لمدرسة شينجون التحنيط الذاتي عملية انتحار بل على العكس من ذلك، حيث اعتبر هؤلاء ممارسة ما يعرف بسوكوشينبوتسو نوعا من أنواع عمليات التنوير.

وقبل التحنيط الذاتي، يتجه الرهبان البوذيون إلى اعتماد نظام غذائي غريب في سعي منهم إلى تجفيف أجسادهم والقضاء على البكتيريا التي قد تتواجد داخله، أملاً في منع تحلل الجسد عقب الوفاة.

وتستمر الدورة الغذائية الأولى لنحو ألف يوم قبل أن تبدأ بعدها مباشرة دورة ثانية.

ومع بداية استعداده للتحنيط الذاتي، يعمد الراهب إلى نظام غذائي يقوم أساسا على الماء والغلال والجوز والبذور في سعي منه لتقليص حجم جسمه، ثم يتجه إلى تغيير نظامه الغذائي ليقتصر طعامه أساسا على جذور ولحاء أشجار الصنوبر والشاي السام، حيث يسعى إلى القضاء على البكتيريا الموجودة داخل جسمه.

ومع نهاية هذه المراحل، يوضع الراهب داخل القبر جالسا في وضعية تأمل.

ويزود القبر بأنبوب تنفس وجرس يقوم الراهب بقرعه يوميا ليؤكد للمسؤولين بقاءه على قيد الحياة. ومع توقف صوت الجرس، يتأكد المسؤولون من وفاة الراهب، ويفتح القبر بهدف سحب أنبوب التنفس والجرس قبل أن يغلق بشكل تام لفترة تقارب الألف يوم.

بعدها تتم عملية إعادة فتح القبر، وفي حال عثر المسؤولون على الجثة سليمة وخالية من مظاهر التحلل، تكسى الأخيرة بأفخر وأفضل الملابس قبل أن تعرض على الأوفياء داخل قاعات المعابد لتقديسها، أما في حالة العثور على جثة متحللة فيتم تركها داخل القبر، وفي المقابل يحظى صاحبها بالتبجيل والتقدير لتضحيته.

وتعد مومياء الراهب شينيوكاي-شونين واحدة من أبرز المومياوات، حيث عاش الأخير ما بين سنتي 1687 و1783 قبل أن يقدم على ممارسة التحنيط الذاتي في عمر السادسة والتسعين.

كما يعد الراهب بوكاي آخر من مارس التحنيط الذاتي، ففي حدود سنة 1903 أقدم على ممارسة هذه الطقوس الغريبة، متحدياً القرار الحكومي وسخرية الناس الذين لم يترددوا في مناداته بالمجنون والمتخلف.


مواضيع متعلقة