مستشفيات جامعة طنطا والتأمين الصحى «خارج الخدمة»

كتب: رفيق محمد ناصف

مستشفيات جامعة طنطا والتأمين الصحى «خارج الخدمة»

مستشفيات جامعة طنطا والتأمين الصحى «خارج الخدمة»

على بعد عدة أمتار من البوابة الرئيسية لمستشفيات جامعة طنطا، يفترش عشرات المواطنين الأرض، ينتظرون دورهم فى الكشف، ورغم تحمل الكثيرين منهم مشقة الصيام والسفر لمسافات طويلة، أملاً فى علاج يداوى جراحهم أو يخفف آلامهم، فإن انتظارهم قد يمتد لساعات، تحت أشعة الشمس الحارقة، بعضهم يحاول أن يجد موضع قدم له تحت إحدى الأشجار، ذنبهم الوحيد أن ظروف مرضهم اضطرتهم إلى القدوم للمستشفى خلال شهر رمضان. ورغم تغيير مواعيد العمل خلال شهر الصيام، يحرص عدد قليل من الأطباء وأفراد أطقم التمريض على الوصول إلى أماكن عملهم فى المواعيد المقررة، بينما الغالبية منهم يصرون على الحضور متأخرين، أو قد لا يصلون نهائياً، بعضهم ينصرفون قبل انتهاء مواعيد العمل الرسمية، وآخرون ينصرفون بعد دقائق قليلة من التوقيع فى كشوف الحضور، الأمر يزيد معاناة مئات المرضى الذين يترددون على مستشفيات جامعة طنطا يومياً، التى تبدو وكأنها «خارج الخدمة».

{long_qoute_1}

البوابة الرئيسية تبدو خالية من وجود أى أفراد حراسة، عشرات المواطنين يدخلون ويخرجون يحملون فى أياديهم أكياساً بلاستيكية وحقائب، دون أن يستوقفهم أحد، وعلى بعد عدة أمتار، جلس موظف الأمن تحت «تندة»، يحتمى بها من حرارة الجو، مكتفياً بمتابعة حركة دخول وخروج المواطنين من بعيد، وعلى مقربة منه يجلس العشرات من أهالى مرضى قسم الأمراض النفسية والعصبية، لكل منهم حكاية يرويها لـ«الوطن»، مع الإهمال والتقصير فى علاج ذويهم من المرضى.

«قاعدين هنا من 4 أسابيع، كل شوية بيطلبوا إجراء تحاليل وشراء أدوية»، قالها إبراهيم الصاوى، مرافق لوالده المريض بالقسم، وأضاف: «بنفطر ونتسحر فى مكاننا أمام القسم، ماقدرش أسيب أبويا هنا وأمشى، هيموت، مفيش حد هنا بيسأل على حد»، مشيراً إلى أنه فى الأيام العادية، غالبية الأطباء والممرضات يختفون من المستشفى، بعد التوقيع فى دفاتر الحضور، أما فى شهر رمضان فإن الأمر يزداد سوءاً، بحجة الصلاة والصيام والإرهاق وكثرة المرضى. والتقطت «منال عبدالهادى»، التى كانت تجلس على بعد أمتار قليلة، طرف الحديث بقولها: «المريض هنا لو غفل عنه أهله للحظات، فى عدم متابعته والسؤال الدائم عليه هيموت»، واعتبرت أن «التقصير، والإهمال فى العمل، واللامبالاة، أصبحت من السمات الأساسية فى القسم، مما يجعل حياة المريض دائماً معرضة للخطر»، وتابعت أن «المستشفى ليس سوى مبنى وأجهزة وأيدٍ عاملة، بينما كل المستلزمات الطبية نشتريها من الصيدليات، والتحاليل فى المعامل الخارجية».

وبعد صعود عدد من الدرجات على سلم المبنى الرئيسى، عشرات المواطنين برفقة أطفالهم، يفترشون أرض الطرقة الخاصة بقسم الأطفال، فى انتظار وصول طبيب الاستقبال، لتوقيع الكشف الطبى على أبنائهم، وقالت «منى إبراهيم»، ربة منزل: «من 9 الصبح وأنا منتظرة الدكتور ولسه ماجاش، ولما نسأل عن سبب التأخير، يكون الرد: رمضان كريم»، مشيرةً إلى أن ابنها «مازن»، 5 سنوات، يعانى من ارتفاع فى درجة حرارته، نتيجة إصابته باحتقان وتضخم فى «اللوزتين».

«خالد صابر»، أحد المواطنين، جاء برفقة والدته، للكشف على شقيقه «محمود»، 6 سنوات، قال: «الساعة دلوقتى 10، وإحنا هنا من الساعة 8، وإحنا جايين من مركز قطور، ولما سألنا عن الدكتور أبلغنا الموظف بأنه موجود، لأنه وقع فى دفتر الحضور، ولكننا لم نجده فى حجرة الكشف».

وقال «إبراهيم أحمد»، مرافق لأحد المرضى بالمستشفى: «الغلابة هم من يأتون للمستشفيات الحكومية، بعد أن أصبحت مهنة الطب تجارة يمارسها الأطباء فى عياداتهم ومستشفياتهم الخاصة، معرباً عن أسفه لما اعتبره أن العلاج فى المستشفيات الحكومية أصبح «رحلة من العذاب والمعاناة، قد تكلف المريض حياته».

وأكد موظف بالمستشفى الجامعى، طلب من «الوطن» عدم ذكر اسمه، أن غالبية الأطباء، منذ بداية شهر رمضان، يأتون فى الساعة 11 صباحاً، ثم يختفون من المستشفى فى ظل غياب الرقابة.

{long_qoute_2}

وعند الانتقال إلى مستشفى الطوارئ الجامعى، يجب عبور بوابتين، الأولى خروج من مجمع المستشفيات، والثانية لدخول المبنى المستقل للمستشفى، كانت هناك سيارة إسعاف تنتظر أمام المدخل لنقل أحد المرضى إلى المستشفى «الفرنساوى» المجاور، وعلى عجلة القيادة يجلس السائق ممسكاً بمصحف بين يديه، ينادى عليه زميله «المسعف» ليفتح الباب استعداداً لوصول المريض، ولكن دون جدوى لانشغاله بقراءة القرآن، فيقوم أحد الأهالى بمطالبته بفتح باب السيارة، قائلاً: «العمل برضو عبادة.. ابقى كمل قراءة لما تروح». وتُعد مشكلة تعطل المصاعد واضطرار المرضى إلى استخدام السلالم أكثر ما يؤرق الأهالى والعاملين بالمستشفى، الذين يضطرون إلى حمل المريض على أكتافهم، أو على أحد الكراسى المتحركة، لنقله إلى غرفة الكشف، أو إلى قسم الأشعة أو معمل التحاليل، وقال «إبراهيم عبدالغفار» إنه حمل والدته على كرسى ليصعد وينزل بها بين أقسام المستشفى مرتين خلال أقل من أسبوع. وبالقرب من ديوان عام المحافظة، وخلف مبنى المجمع الطبى للتأمين الصحى، توجد عيادة «على بن أبى طالب»، التابعة للتأمين الصحى، يجد المنتفعون معاناة كبيرة فى الوصول إلى الطبيب المختص، لتوقيع الكشف الطبى عليهم، وحصولهم على العلاج، وتبدأ تلك المعاناة بعدم وجود أسانسير، كما أن السلم الوحيد فى العيادة ضيق للغاية، ولا يتسع لأكثر من شخص فى الصعود وآخر فى النزول، ثم الانتظار لأكثر من ساعة فى طابور الكشف، ثم الانتظار للحصول على روشتة العلاج، والتوجه بها إلى المدير المالى لختمها، ثم الصعود إلى الطابق الثالث، والانتظار فى طابور آخر لصرف العلاج. «رزق ناصف»، أحد منتفعى التأمين الصحى بطنطا، قال لـ«الوطن» إن «التأمين الصحى فى الغربية يعد أفضل مقارنةً بالمحافظات الأخرى، لكن الروتين فى إجراءات الكشف، وصرف العلاج، يرهق المرضى، إلى جانب المعاناة فى صعود السلالم، وعدم وضع جميع الإجراءات فى شباك واحد.

الأهالى يفترشون الأرض بجوار بوابة المستشفى فى انتظار دورهم

 


مواضيع متعلقة