صحابة الرسول| عثمان بن عفان فم لم يذق الخمر ورأس لم يسجد لصنم

كتب: محمد متولي

صحابة الرسول| عثمان بن عفان فم لم يذق الخمر ورأس لم يسجد لصنم

صحابة الرسول| عثمان بن عفان فم لم يذق الخمر ورأس لم يسجد لصنم

ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين للإسلام، كان غنياً، شريفاً، ومن أحكم قريش عقلا وأفضلهم رأيا، ومحبوباً من قبلهم، ولم يسجد لأي صنم طوال حياته، ولم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام.

لُقِّب عثمان بن عفان بـ"ذي النورين" لأنه تزوَّج اثنتين من بنات النبي محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم، ووُلد "عثمان" في الطائف في عام 576 ميلاديا بعد "عام الفيل" بـ6 سنوات وأسلمت والدته وماتت في خلافته، وكان أحد الذين حملوها إلى قبرها، أما أبوه فمات في الجاهلية.

علم عثمان معارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، ورحل للشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب وعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه، حيث اهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، كان كريما جوادا وأحد كبار الأثرياء ونال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة.

 

اعتبر عثمان أول مهاجر لأرض الحبشة لحفظ الإسلام والذي تبعه سائر المهاجرين لأرض الحبشة، وهاجر الهجرة الثانية للمدينة المنورة، حيث وثق فيه رسول الله وحبه وأكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيدا.

بويع عثمان للخلافة بعد الشورى التي تمت عقب وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هجريا واستمرت خلافته نحو 12 عاماً نجح فيهم في جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فنجح في فتح أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص وأنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.

أسلم بن عفان في عمر الـ34 عندما دعاه أبو بكر الصديق للإسلام قائلاً له "ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر‏:‏ هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم"، وحينها مرَّ رسول اللَّه فقال‏:‏ ‏"يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه‏‏"، قال‏:‏ "فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله".

في عهد أبي بكر الصديق كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، وكان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة، وكان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام، وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان: "إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين".

في إحدى فترات خلافة أبي بكر الصديق حدث قحط وأزمة اقتصادية، وعن ابن عباس قال: "قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاؤون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين"، فقال ابن عباس: "فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: "يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه".

وفي عهد عمر بن الخطاب كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس وكانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم، ولما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان: "أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين".

عندما تولى عثمان الخلافة ولى على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد، ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك، وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.

في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى استشهاده، كان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره 82 سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة


مواضيع متعلقة