صحابة الرسول.. بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام

كتب: محمد متولي

صحابة الرسول.. بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام

صحابة الرسول.. بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام

شديد السمرة، نحيف الجسد، مفرط الطول، كثير الشعر، جميل الصوت، لم يكن ليسمع كلمات المدح والثناء التي توجه اليه إلا ويحني رأسه ويغض طرفه ودموعه تذرف من عينيه قائلا "إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا".

حظي بلال بن رباح العبد الحبشي على صحبة الرسول وذلك بعدما كان من السابقين لدخول الإسلام، حيث كان حينها عبدا لبني جمح بقريش وأعلن إسلامه وعذبه سيده أمية بن خلف الجمحي القرشي، ما أدى أبو بكر الصديق لابتياعه وأعتقه لوجه الله حيث اشتهر حينها بصبره على التعذيب وقوله الشهيرة تحت وطئه حر صحراء قريش حينها والحجر الجاثم على صدرة بالصبر وقوله "أحد أحد".

شهد بلال عذابا لم يلقه مثله من العبيد الذين امنوا بعده، فكان مولاه يبدأ عذابه عندما يخرجون به في وقت الظهيرة بصحراء مكة، ويطرحونه على حصا ملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح فيه جلادوه قائلون: "أذكر اللات والعزى"، فيجيبهم بصوت غلب عليه التعب وأنهكه العذاب "أحد أحد"، وإذا حان وقت الغروب أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا الصبيان أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد ...أحد"، وقال عمار بن ياسر: "كلٌّ المستضعفين قد قال ما أراد المشركون، إلا بلال ومرَّ به ورقة بن نوفل وهو يعذب ويقول: (أحد أحد)، فقال: (يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك بركة)".

وفي يوم من الأيام كان مولاه أمية بن خلف يضربه بالسوط، فمرَّ عليه أبوبكر، فقال له: "يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟ " فقال أمية: "أنت أفسدته فأنقذه مما ترى"، وواصل أمية ضربه لبلال، وقد يئس منه، فطلب أبوبكر شراءه، وأعطى أمية ثلاث أواق من الذهب نظير أن يترك بلالا، فقال أمية لأبي بكر الصديق: "فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها"، فرد عليه أبوبكر: "والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها".

كان بلال ذا صوت عذب جميل، ففي أثناء الجاهلية كان يغني لمولاه وأصدقائه، وبعد ظهور الإسلام ودخوله فيه ظهر الأذان بعد إسلامه حيث كلفه الرسول بمهمة الأذان، حتى بعد هجرة الرسول الله والمسلمين للمدينة، آخى الرسول بين بلال وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشرع رسول الله للصلاة آذان، واختار بلالا ليكون "أول مؤذن في الإسلام".

وفي غزوة بدر نشب قتال بين المسلمين وجيش قريش، وكان بلال ضمن جيش المسلمين، وبينما المعركة تقترب من نهايتها، لمح أمية بن خلف عبدالرحمن بن عوف صاحب رسول الله فاحتمى به وطلب منه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته فلمحه بلال فصاح قائلا: "رأس الكفر، أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا"، ورفع سيفه ليقطع رأسه فصاح به عبدالرحمن بن عوف: "أي بلال إنه أسيري"، ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين فصاح بأعلى صوته في المسلمين: "يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا"، وأقبلت كوكبة من المسلمين وأحاطت بأمية وابنه، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.

ويوم الفتح عاش بلال مع الرسول يشهد معه المشاهد كلها، وكان يزداد قربا من قلب رسول الله الذي وصفه بأنه رجل من أهل الجنة وجاء فتح مكة، ودخل رسول الله الكعبة ومعه بلال، فأمره أن يؤذن.

ومن افضال بلال أول مؤذن في الإسلام قول رسول الله فيه: "إني دخلتُ الجنة، فسمعت خشفة بين يدي، فقلتُ: يا جبريل ما هذه الخشفة؟ قال: بلال يمشي أمامك، وقد سأل النبي بلالاً بأرْجى عمل عمله في الإسلام فقال: لا أتطهّرُ إلا إذا صليت بذلك الطهور ما كتِبَ لي أن أصلّيَ"، وقوله أيضا "إنه لم يكن قبلي بي إلا قد أعطى سبعة رفقاء نجباء وإني لأعطيت أربعة عشر وهم حمزة وجعفر وعلي وحسن والحسين وأبوبكر وعمر والمقداد وعبدالله بن مسعود وأبوذر وحذيفة وسلمان وعمار وبلال".

أذن بلال اذانه الإخير يوم وفاه الرسول وعندما فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس، حيث توسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة، ودعا عمر بن الخطاب بلالاً، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها، وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا الرسول وبلال يؤذن، وبكوا كما لم يبكوا من قبل، وكان عمر أشدهم بكاءً.

وحينما أتى بلال الموت قالت زوجته: "واحزناه"، فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت وقال: "لا تقولي واحزناه، وقولي وافرحاه، غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه، حتى توفي في الشام كما أراد ودفن في دمشق عام 20 هجريا ومازال قبرة هناك، كما يوجد مقاما له في "قرية بلال" في ضواحي مدينة عمان بالأردن.


مواضيع متعلقة