قبل أن يصبح العشم وهماً

المتتبع لردود فعل من حوله على زيادة أسعار تذاكر المترو يلاحظ حجم الغضب الذى انتابهم جراء القرار الذى اتخذه وزير النقل بـ«ضمير مستريح». ولست أدرى كيف سيستقبل المصريون القرارات المقبلة التى سبق وأعلنت عنها الحكومة بزيادة أسعار البنزين والسولار وفواتير الكهرباء، وكيف سيقابلون تداعيات زيادة أسعار هذه السلع على غيرها من السلع والخدمات. فمن المعلوم أن رفع سعر أى سلعة يؤدى إلى تحريك أسعار غيرها. المصريون يعيشون محنة حقيقية، الحياة أصبحت صعبة على الجميع، يستثنى من ذلك بالطبع الطبقات المخملية.

ليس جديداً أن ترتفع أسعار السلع والخدمات فى مصر، لكن الارتفاعات التى شهدتها السنوات القليلة الماضية تمتاز بأمور ثلاثة؛ أولها الإيقاع السريع والمتوالى. فما يكاد الناس يفيقون من «موجة غلاء» حتى تدهمهم موجة جديدة أشد وأعتى من سابقتها، وثانيها أن ارتفاع الأسعار يحدث فى ظل ثبات فى مرتبات ودخول النسبة الغالبة من أبناء الشعب، ليس ذلك وفقط، فهذا الدخل ثابت كرقم، لكنه متآكل ومتراجع ومنكمش على مستوى القيمة الشرائية، لأن قيمة الجنيه أصبحت لا شىء بعد تعويمه أمام الدولار، ورغم الوعود المتكررة من الحكومة بأن التعويم سيؤدى إلى خفض قيمة الدولار أمام الجنيه، فإن الذى حدث هو العكس، إذ ارتفع سعر الدولار داخل البنوك بصورة فاقت سعره داخل السوق السوداء، بمجرد اتخاذ قرار التعويم. الأمر الثالث أن ضربات الغلاء، خلافاً لأزمان سابقة، أصبحت موجهة إلى منظومة الاحتياجات الأساسية للمواطن، أنت تتحدث عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، وأسعار الأدوية، وأسعار المستلزمات الأساسية التى يحتاجها كل بيت.

«محدش بيموت م الجوع». ذلك واحد من الأقوال المأثورة عن المصريين. كيف حال الناس اليوم؟ حياة المصريين تتعثر جراء الارتفاع غير المسبوق فى الأسعار، فى وقت يخرج فيه الوزراء ومرتزقة الإعلام يحدثون المواطن عن الحياة بـ«ثلاثة أرباع بطن»، والتضحية من أجل مصر بالجوع وربط البطن، ولم تتورع إحداهن عن تقديم «خطاب بزرميط» تعظ فيه الناس بقبول زيادة الأسعار كجزء من الإيمان بقدر الله ومشيئته، ناهيك عن أحاديث «الصب فى مصلحة المواطن» التى يشعر المواطن معها أن المسئول يسخر منه. يحدث هذا فى وقت يسمع فيه هذا المواطن عن الارتفاعات الماراثونية فى مرتبات ومعاشات الوزراء، والأرقام الخزعبلية التى يقبضها مرتزقة الإعلام.

أخشى لحظة يصبح فيها العشم فى صبر الناس وتحملهم مجرد وهم. الناس لا تصبر إلى ما لا نهاية، ولا تتحمل ما لا طاقة لها به. أخشى أن يصل الناس إلى لحظة يأس ساحقة، تستوى فيها الأشياء فى أعينهم، ويرون فيها أن طولها زى عرضها. هذا الشعب تحمل ما لا يحتمله شعب، بلغ به الإرهاق مبلغه جراء الضغوط المعيشية التى أمسكت بخناقه بسبب ارتفاع الأسعار طيلة السنوات الماضية. وليس من الحكمة فى شىء أن ترهق حصاناً مرهقاً. تخطئ السلطة فى مصر إذا ظنت أن من يدعونها إلى المزيد من الضغط على هذا الشعب هم الأنصح لها، تخطئ إذا تصورت أن الوزراء ومرتزقة الإعلام الذين يجلدون الشعب بألسنة حداد مسمومة يفيدونها فى شىء.. نحن فى ظرف صعب!.