عمال المحاجر: «شاربين المر ورابطين بطونّا علشان ولادنا تعيش»

عمال المحاجر: «شاربين المر ورابطين بطونّا علشان ولادنا تعيش»
- أجر يوم
- أذان الفجر
- أمراض الربو
- أوضاع العمل
- التعليم الثانوى
- الثانوى العام
- الشهادة الإعدادية
- الضبطية القضائية
- الطوب الحجرى
- العام الحالى
- أجر يوم
- أذان الفجر
- أمراض الربو
- أوضاع العمل
- التعليم الثانوى
- الثانوى العام
- الشهادة الإعدادية
- الضبطية القضائية
- الطوب الحجرى
- العام الحالى
قبل أذان الفجر، يودع المئات من عمال المحاجر أبناءهم على أمل العودة لهم مجدداً، قاصدين الطريق المؤدى للصحراوى، بقرية الشرفا، بشرق النيل فى المنيا، حاملين معهم الزاد والدخان «السجائر»، ثم يستقلون سيارات ربع نقل.
عندما تنظر فى أعينهم تجد فيها الإصرار والتحدى والصمود، ومع ذلك تشفق عليهم، فهم ذاهبون إلى يوم عمل شاق، وسط الصحارى والجبال، تقطع السيارة بهم نحو 25 كيلومتراً للوصول إلى مناطق التحجير فى «السرارية» و«جبل الطير» و«بنى خالد».
عقب ذلك تمر السيارات بالمدقات الجبلية، وفور دخولهم المحجر يرددون عبارة «استعنا على الشقا بالله»، ثم يرتدون زى العمل، وفريق منهم يقف أمام آلة تسمى «الكسارة» التى تفتت الأحجار، وفريق ثانٍ أمام «الفصالة» التى تفصل البلوكات عن بعضها البعض، وفريق ثالث أمام «الحشاشة» التى تقطع المادة الخام لأجزاء متساوية، أما الفريق الرابع فيتولى مهمة تحميل السيارات النقل.
لا تمر دقائق معدودة، حتى يبدأ الجميع فى ارتداء أقنعة عبارة عن شال ونظارات شمسية، تقيهم الغبار والأتربة الناتجة عن العمل، ثم تتحول سماء المحجر إلى سحابة بيضاء من البودرة، تمر 3 ساعات ويتوقف العمل لنحو ربع ساعة للإفطار، وقتها يشعل المدخنون منهم السجائر ويتأملون فى الجبل وكأنهم يتحدثون معه عما يجول بخواطرهم: «من يهدك يا جبل وأنا ظهرى انحنى».
يستأنف العمال مهمتهم حينما تكون الشمس تعامدت على المحجر، يشعر الجميع وقتها بأنهم فى قطعة من العذاب فيرددون بعض الأغانى الشعبية التى تصبرهم على تجرع مرارة ومشقة وإجهاد الحر: «هيلا هيلا.. والشدة على الله»، وحينما يقترب غروب الشمس تبدأ رحلة العودة للمنازل وتجد فى أعين العمال فرحة وسعادة غامرة، وكأنهم تخلصوا من العذاب والألم ونجوا من صحراء جرداء قاسية.
{long_qoute_1}
«شاربين المر بمعلقة، وربطنا البطون علشان ولادنا تعيش، رضينا بالهم والهم مش راضى بينا، الجبل فاتح بيوتنا ولو سبنا الشغلانة دى هنروح فين!!»، بهذه العبارات يصف عمال المحاجر فى المنيا طبيعة العمل الشاق الذى يباشرونه يومياً منذ مطلع الفجر حتى غروب الشمس.
100 جنيه فقط هى يومية العامل الواحد، يواجه بها صنوفاً من التعب من أجل توفير نفقات أسرته، غير أن أوضاع العمل تتدهور يوماً تلو الآخر بسبب وضع شروط جديدة للترخيص نتج عنها غلق معظم المحاجر، التى كان يبلغ عددها نحو 1800 محجر، منها نحو 500 فقط تعمل الآن، ومعظمها يعمل فى الخفاء بسبب المطاردات التى يتعرض لها أصحاب وعمال المحاجر غير المرخصة من جانب أجهزة المحافظة.
يقول رزق عياد، عامل بمحجر: «إن طبيعة العمل بالمحاجر شاقة جداً وتكون تحت حرارة الشمس المُحرقة، حتى فى الشتاء تكون درجة الحرارة فى الجبال مرتفعة جداً، ونُصاب بضربات شمس، لكن هذه المهنة هى التى تفتح بيوت الكثير من أهالى قرى شرق النيل، فالعامل يحصل على أجر يومى 100 جنيه، وخلال الشهر نعمل 21 يومياً فقط حيث يتوقف العمل أسبوع فى كل شهر للراحة والصيانة، ويتراوح الدخل الشهرى للعامل حول 2500 جنيه، بعد البقشيش، لكن العمل أصبح غير منتظم خلال العام الحالى فبعد غلق عدد كبير من المحاجر، تراجعت اليومية وأصبح العمال يبحثون عن عمل بالمحاجر، وأدى ذلك إلى تدنى اليومية إلى 80 جنيهاً بدلاً من 100».
وأضاف: أعول 6 من الأبناء جميعهم فى مراحل التعليم المختلفة، وأجرتى اليومية لا تكفينى، لذا نربط بطوننا وأسرنا كى نستطيع الإنفاق على أبنائنا بهذا الأجر المتدنى، علماً بأن الأغلبية من العمال تصاب بأمراض الربو والصدر بسبب طبيعة العمل، فأنا مصاب بانفصال فى شبكية العين، وسبق أن تركت هذا العمل وسافرت لمحافظات أخرى، ومدينة 6 أكتوبر، ووجدت الأجور متدنية وفرص العمل محدودة فعدت مرة أخرى للعمل بالمحاجر.
وتابع: «إحنا راضيين بالشغلانة دى علشان مفيش غيرها، بس الحكومة تسيبنا فى حالنا نشتغل، وحينما يصاب أحد منا بأى إصابة قد تصل إلى العاهة المستديمة يترك العمل، ويكون أمام خيارين، إما أن يتطوع صاحب المحجر بتحمل نفقات علاجه، أو يقترض مبالغ مالية من الأصدقاء والأهل».
وقال يسرى فؤاد، عامل بمحجر: «إن جميع شباب قرى شرق النيل لا يجدون فرص عمل إلا فى المحاجر، ومعظمهم حاصل على مؤهلات متوسطة، بل إن البعض يترك التعليم من أجل العمل فى المحاجر لمساعدة أسرته الفقيرة، وأعرف شباباً حصلوا على مجموع فى الشهادة الإعدادية يلحقهم بالتعليم الثانوى العام لكنهم نظراً لظروفهم الصعبة رفضوا حتى يتمكنوا من العمل فى المحاجر، خاصة أن طبيعة قرى شرق النيل جبلية صحراوية ولا توجد بها مساحات خضراء صالحة للزراعة، لافتاً إلى أنه سبق أن أصيب فى قدمه ولم ينفق عليه صاحب المحجر لأن العاملين بالمحاجر ليس لهم تأمينات صحية أو اجتماعية».
وأضاف: «المحاجر تتعرض لمطاردات والعمل بها غير منتظم، رغم أن تطوير تلك الصناعة المهمة قد يجلب خيراً وفيراً على المحافظة، فهدف المسئولين عن المحاجر هو تحصيل الأموال وليس الحفاظ على تلك المهنة التى توفر فرص العمل وتفتح الكثير من البيوت، وأقول للمسئولين (سيبونا فى حالنا نشتغل).. إحنا راضيين بالهم لكن الهم مش راضى بينا».
وقال رجب عبدالعزيز، عامل بمحجر: «إن العديد من المواد الخام تستخرج من المحاجر، ومنها الطوب الحجرى الذى يتم استخدامه فى بناء المنازل، ويتم نقله إلى جميع محافظات مصر، وهذا يوفر آلافاً من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، من خلال التحميل والنقل وتشغيل المعديات النيلية، وهناك أيضاً البوردة التى تستخدم فى صناعة البلاط، ولها عدة استخدامات أخرى، حيث تدخل فى صناعات الزجاج وعلف الدواجن».
ويشير أصحاب محاجر بمناطق جبل الطير والسرارية وبنى خالد، فى مركز سمالوط، إلى أن معظمهم يتعرضون حالياً لخسائر فادحة بسبب فرض أموال كثيرة لاستصدار التراخيص، رغم أن أسعار البلوك الحجرى لم تشهد أى زيادات منذ فترة، وفندوا نفقات التشغيل، ومنها تأجير لوادر وحفارات للتكشيف عن المادة الخام، وهو ما قد يستغرق نحو عامين، وبعد ذلك يبدأ التشغيل.
وأشاروا إلى أنه يومياً يستهلك المحجر الواحد 350 لتر سولار، بمبلغ يقدر بـ1200 جنيه، ومعدات تنفق نحو ألف جنيه يومياً، ويتم تأجير اللودر بالساعة بمبلغ 280 جنيهاً، وقد يعمل اللودر لمدة 10 ساعات، أى بمبلغ 2800 جنيه فى اليوم، مؤكدين أنهم لو كانوا يحققون مكاسب لاشتروا لوادر ومعدات لحسابهم، بدلاً من استئجارها، وطالبوا بتنمية صناعات المحاجر ومعاملتهم كمستثمرين ومنحهم مزايا وتيسير إجراءات التراخيص والرسوم المقررة، والسماح بتوسيع المساحات فى مناطق العمل، ووضع ضمانات للعمل بطمأنينة.
ولفتوا إلى أنهم يواجهون مشاكل منذ نحو عام ونصف العام، ومنها ضغوط من جانب إدارة المشروع بالمحافظة، والتى تضع العراقيل أمامهم لتعطيل إنهاء إجراءات التراخيص، ولذلك لتحقيق استفادة مالية كبيرة فى ظل استمرار الوضع الحالى بتشغيل محاجر دون ترخيص، فإدارة المشروع تملك صفة الضبطية القضائية التى تحرر من خلالها محاضر للمخالفين، فطبقاً للائحة الجديدة فإن إدارة المشروع تستفيد بنسبة 25% من قيمة المخالفة الواحدة التى تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه.
وأكد أصحاب المحاجر أن أقل مساحة منصوص عليها فى شروط الترخيص الجديد، وفقاً للائحة، لا تقل عن آلاف متر مربع، أى إن إيجار أصغر محجر 70 ألف جنيه سنوياً، إضافة إلى دفع مبلغ 70 ألف جنيه كتأمين، و8 آلاف جنيه للبيئة، و5500 جنيه رسوم إدارية، و6 آلاف رسوم متنوعة، و2000 خرائط، إضافة إلى 14% ضريبة مضافة تطبق فى المنيا فقط دون باقى المحافظات، وأيضاً دفع مبلغ 27 ألف جنيه سنوياً للتأمينات الاجتماعية ويتم احتسابها على أساس دفع نسبة 41٫4% من قيمة الإيجار السنوى للمحجر، مع العلم أن أقل إيجار لمساحة 10 آلاف متر مربع 70 ألف جنيه فى العام، علماً بأنه لا يوجد عامل واحد يستفيد من هذه المبالغ، حيث إن عمال المحاجر يحصلون على أجور يومية ونظام العمالة غير ثابت.
وأوضح أصحاب المحاجر أن القانون الجديد ساوى بين محاجر اليورانيوم ومناجم الذهب ومحاجر الطوب الجيرى، وبه مادة تلزم صاحب المحجر برد الشىء لأصله فكيف يكون ذلك وهو يحصل على مادة خام لبيعها؟! كما أن إدارة مشروع المحاجر سبق أن سمحت لأصحاب محاجر بالعمل فى منطقة المنيا الجديدة، وحينما بدأت أعمال التكشيف والتى تستغرق مدة لا تقل عن عام لاستخراج مواد خام صالحة للبيع، فوجئوا باللوادر تزيل المحاجر.