لماذا نجح محمد صلاح خارج مصر؟!

بلا شك نحن جميعاً فخورون بنجمنا العالمى المحبوب محمد صلاح الذى حقق الأرقام القياسية فى جمهورية كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى فى العالم.. ومصدر فخرنا ليس فقط موهبته الكروية فهناك آلاف الموهوبين مثله ولكن لأخلاقه وتدينه وتواضعه وانتمائه لبلده وصلته لرحمه وأعماله الخيرية، لقد حقق المعادلة الصعبة فى تفوقه الرياضى والأخلاقى، وكلما زادت شهرته زاد تواضعه.. إنه نموذج مشرف لمصر والعرب وقدوة تحتذى قد يسهم فى تغيير الصورة الذهنية السلبية عنا فى الخارج.

كل وسائل الإعلام والكُتاب والنقاد والمحللين النفسيين تناولوا موهبة صلاح الكروية ولم يتحدثوا عن أسباب نجاحه فى الخارج وهل كان يستطيع النجاح لو استمر فى مصر؟ وهل لدينا كثيرون أمثاله فى كل المجالات؟ وهل ما زالت مصر طاردة للكفاءات؟ وكيف يمكن اكتشاف المواهب ورعايتهم؟ ولماذا ننجح فى الخارج أكثر من الداخل؟ وننجح كأفراد ونفشل كمؤسسات؟ ولماذا نفتقد روح العمل الجماعى؟

أنا من المتابعين جيداً لمحمد صلاح، وإعجابى بتفكيره أكثر من لعبه فهو لا يتحدث أبداً عن نفسه بل عن الفريق كله حتى حينما أحرز 4 أهداف فى مباراة واحدة أو بعد فوزه بأحسن لاعب فى أفريقيا وفى الدورى الإنجليزى دائماً ينكر نفسه لصالح زملائه، وهذا هو سر نجاحه، بالإضافة إلى البيئة التى يعمل فيها حيث تساعد على النجاح؛ للمجتهد فيها نصيب بصرف النظر عن ديانته وجنسيته ولونه فالكفاءة فقط هى المعيار.

د. سمير تكلا، شيخ المصريين فى بريطانيا، قال لى إن الشباب الباحثين المتميزين الذين يأتون إلى لندن لاستكمال دراساتهم لا يعودون إلى مصر، وهى ظاهرة لفت نظره إليها عالم إنجليزى كبير.. وليست بريطانيا فقط وإنما هناك دراسة مؤلمة أجرتها جمعية «عصر العلم» بالاشتراك مع أكاديمية البحث العلمى تؤكد أن معظم المبعوثين فى الخارج لا يعودون إلى مصر أيضاً، المتفوقون من الجامعات يهاجرون بمجرد حصولهم على شهادة التجنيد، كما أن لدينا 30 ألف طالب يستكملون دراساتهم الجامعية فى أوروبا وأمريكا أمنياتهم الحصول على جنسيات أجنبية وعدم العودة. نبوغ محمد صلاح فى الخارج قد يفيد مصر لأننا على الأقل نستعين به فى المباريات الدولية ويتبرع كثيراً لأعمال الخير ولكن الكارثة فى هجرة العقول والنوابغ المصرية للخارج والتى تستقر هناك وتحصل على جنسيات أجنبية ولا تعود إلا فى أرذل العمر أو للدفن فى مقابرنا.. مصر يجب أن تكون قبلة العرب والعالم فى جذب العلماء والعقول المتميزة فليس معقولاً أن تكون قبلة لأهل الفن والطرب والرقص من الدول العربية والأجنبية ثم تترك خيرة أبنائها بعد تعليمهم وتقدمهم هدية مجانية لدول أصبحت كلها عواجيز.. أتمنى أن تأخذ هذه القضية أولوية عند الرئيس السيسى فى ولايته الثانية لأن استمرار نزيف العقول سوف يُفرغ كل مؤسساتنا من الكفاءات ويُسرع بانهيارها، ويجب معرفة أسباب هذا النزيف هل المشكلة فى الدولة نفسها التى لا تعرف كيف تستفيد من نوابغها؟ أم فى القيادات الضعيفة التى تقتل المبدعين تحتها وتستبعدهم حفاظاً على كراسيها؟ أم هى أنانية وضعف انتماء لدى الشباب أنفسهم فى السعى وراء مصلحتهم فقط دون اعتبار لمصلحة البلد؟!

الموضوع يحتاج اهتمام الرئيس شخصياً حتى تتحرك كل الأجهزة قبل فوات الأوان ويصبح كل قياداتنا وعلمائنا من أنصاف المواهب.. وسوف تحيا مصر بأبنائها المبدعين النوابغ فى كل المجالات.