"جوابات حراجي القط".. من موقع السد العالي إلى "قلب فاطنة"

كتب: أروا الشوربجي

"جوابات حراجي القط".. من موقع السد العالي إلى "قلب فاطنة"

"جوابات حراجي القط".. من موقع السد العالي إلى "قلب فاطنة"

وسط موقع إنشاء السد العالي، يجلس الفلاح البسيط "حراجي القط"، فوق صخرة ملساء، يواجه أشعة الشمس المتبقية من نهار طويل، بدأ منذ الخامسة فجرًا، يمسك بقلمه البوص، ويضع الدواية على أرض رملية بجانبه، بخط غجري يكتب "الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبدالغفار، يوصل ويسلم ليها في منزلنا الكاين في جبلاية الفار".

يروي "حراجي" لـ"فاطنة" ما شاهده في أسوان، منذ أن غادرها على قضبان السكة الحديد بقريته جبلاية الفار، وينتظر من زوجته رد حكاوي طفليه وأهل القرية.

"إحنا يا حراجي لسه مفرحناش.. لسه مقعدناش مع بعضينا.. ولسه متكلمناش.. لسه ما ضحكت لنا روح واتبلت لنا ريق وتبعزقنا طريق.. تبقى ما أوحشها طريق يا حراجي ما أصعبها طريق".. بهذه الكلمات وصفت "فاطنة"، المرأة الريفية البسيطة شوقها لزوجها، حكت عما فعل فيهما "البُعد"، اختصرت العاطفة القوية التي يحملها كلاهما للآخر بكلمات بسيطة، كتبها الأبنودي وظهرت للنور للمرة الأولى عام 1969، تروي قصة بناء السد، وتعيد الحق للعمال الذين أهملت ذكراهم في كل الملحمات التي ذكرت السد العالي.

جاءت قصص "حراجي وفاطنة" في 15 رسالة متبادلة، يحكي فيها الزوج عما انفتحت عليه بصيرته في العوالم التي كانت مجهولة له، تلاحقه هي بتساؤلاتها الساذجة العميقة، في رسائلها تلمس أنها سيدة ريفية ذكية بالفطرة.

ما لا يعرفه لبعض أن "حراجي" شخصية حقيقية، كان يلعب مع الأبنودي في قريته في صغره، اشتق الأبنودي اسم "حراجي"، الذي لم ير السد العالي طوال حياته، كما قال الأبنودي في أحد اللقاءات الصحفية، وصف على لسانه الكثير من الملامح عن حياة الريف المصري في أوجهها المختلفة.

أشهر قصائد الأبنودي العامية، التي ناقشت العديد من قضايا المجتمع الريفي، مثل قضية عمل المرأة ونظرة الرجل لها، ظهرت في رسالة "فاطنة" التي تحتج فيها على استحواذ الرجل على حق العمل، "في حاجة تانية يا حراجي، إشمعنا الشغل تملّي للرجال، أمّال الناس كانت راح تعمل كيف لو ربنا بس خلقها كلّها نسوان، واحدة عفيّة زيي يخلوها للشيل والحط، مش ملي الجرّة والكنس"، لكنها بسرعة تدرك خطر ما تفكر به فتضيف "والنبي لو قلت كلام دي للجبلاية لرد في وشي بيبانها، والنبي والرجالة ما تخليني أقعد مع نسوانها".

تصف القصيدة، كيف يتاجر البعض بعرق أبناء الريف، الباحثين عن لقمة العيش وقوت اليوم، "الشخص اللي يملك يقلب بيت اتنين زيّي وزيّك بمشاورة يد وقلب عمري وهو قاعد قصاد الدكان، بعزقنا كل ما منا بعزقو ريح".

في عام 1966، اعتقل الأبنودي لمدة 4 أشهر في سجن القلعة، وصادر الأمن قصيدة "جوابات حراجي القط"، وقال: "ده شعر شيوعي"، حيث تضمنت تلميحات عن العلاقات بين العامل وصاحب العمل وصراع الطبقات، حيث تفرض الفكرة الشيوعية نفسها بقوة، "روسيا.. اسمها روسيا دولة، دولة كبرانة والناس دي يا فاطنة مش مجبورة ع الشغل، عشان روحنا مجبورة عشانا إحنا نقف على رجلينا ويكون الواحد مننا حر".

واحتوت رسائل "فاطنة وحراجي"، على عدد من الشخصيات، أهمها:

- طلعت أفندي: أحد مهندسي السد العالي، الذي ساعد كثيرا في نقل الوعي التقدمي لحراجي وتوسيع مداركه، واتسمت شخصيته بالبساطة والتواضع والعمق السلس.

- الحاج حسين العكرش: مقاول "أنفار"، يذهب للقرى الريفية ويجلب منها العمال، ويتقاضى مبلغا من المال مقابل كل عامل يجلبه، والذي ينقل صورة استغلال أبناء الريف.

- الملوي وعلي أبوعباس: أصدقاء حراجي وزملاءه في أعمال السد العالي. - مرزوق البسطاوي: عامل البريد الذي يحمل الرسائل بين حراجي القط وزوجته.

- نظلة: أخت حراجي القط.

- الشيخ قرشي: شيخ الكُتّاب الذي يدرس به "عيد" ابن حراجي.


مواضيع متعلقة