عودة الفكر الضال

سهير جودة

سهير جودة

كاتب صحفي

إذا أردت أن تتحكم فى جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف دينى.. منذ قرون أدرك ابن رشد الحقيقة المؤسفة.. وتمر الأيام ويثبت الواقع أن سطوة الدين تتألق وتتوهج وتتحكم فى عقول بينها وبين الجهل صلة قرب وقرابة بل وعلاقة غرام وتناغم وتوافق ليصبح الباطل حقا ويصبح ما يتاجرون به باعتباره شريعة خنجرا لا يخطئ فى قلب الوطن بل وفى قلب الإسلام الصحيح. سقطت دولة الإخوان فى 30 يونيو ولكن ما زال فكر الانتهازية الدينية مستمرا وعظيما، ما زالت اللافتات التى ترفع شعار الدين فى ملعب السياسة تنتعل ما تعتقد أنه الشريعة وتخلعها على حسب الموقف والهوى وكله بالشريعة. نسمع عن بشر صنفوا أنفسهم «مشايخ» يتحدثون عن الشريعة ويقومون بتوزيع صكوك الكفر والحرام يمنحونها لمن يخالفهم الرأى. التناقض والانتهازية ضد مبادئ الدين -أى دين- ولكنه مبدأ بعض من يدعى أنه وكيل الإسلام على الأرض، فبعض نجوم التيارات التى ترفع شعارا ظاهره الإسلام وباطنه السياسة كانت قبل الثورة لديها مبادئ وقيم ومواقف تبدلت تماما بعد الثورة.. الشيخ محمد عبدالمقصود -على سبيل المثال لا الحصر- كان يقول قبل ثورة 25 يناير إن دخول مجلس الشعب معناه العودة إلى الجاهلية، بل وتفضل سيادته بالتأكيد على أن الشريعة لو جاءت من خلال هذا المجلس فلا نريدها، وفى سبيل تأكيد فتاواه يصول ويجول ويسرد أقوالا على اعتبار أنها من السنة لتؤكد وجهة نظره، ثم بعد الثورة وبقدرة قادر أصبح يدعو إلى الانتخابات وإلى دخول المجلس ويؤكد: «الصوت شهادة» و«الصوت أمانة» و«من يتقاعس عن ذلك فهو سلبى»، ويؤيد كلامه بأقوال يؤكد أنها من السنة أيضاً.. وسبحان مغير الأحوال والأقوال.. سبحان من له الدوام.. الفتاوى مثل الأحوال متغيرة لا يدوم لها حال ولا يعيش لها رأى ثابت وكله بالشريعة.. ولنا فى فتاوى -لا خروج على حاكم- ذكرى، وكأن الشريعة قبل الثورة شىء وبعدها شريعة أخرى. مصر تعيش زمن الهوس بإطلاق الفتاوى المتناقضة والتبارى بكل ما هو شاذ ومتطرف. إن هؤلاء البشر يدخلوننا مدار الفتاوى والتناقض معا. حرب مصر ضد الإرهاب تبدأ واقعيا من الحرب على الفكر والإرهاب، الذى قام بوضع الأساس له وتشييده شخصيات تبحث عن الصيت وهى منزوعة العلم، والصيت يأتى من شاشات تسمى نفسها دينية وكلما كان الأداء والفتاوى شاذة كانت الشهرة أكثر؛ ففئة «خالف تعرف» ليست قليلة فى مصر.. وعقل هؤلاء لا يستوعب صحيح الدين فهم يعتقدون أن هؤلاء البشر الذين صنفوا أنفسهم فى قائمة المشايخ الأكثر فهما وعلما والحق أن بينهم وبين الفهم مائة سنة أو أكثر. والقدرات العقلية لقادة هذا الفكر الإرهابى والكارثى الهدام تنتعش فقط فى الحفظ دون إعمال العقل، دون وعى ودون منطق أو فهم ولنا أن نتخيل كم من الكوارث حلت بنا بسبب هذا الفكر الذى يستخدم الشعور الدينى للسيطرة على العقول من التغييب إلى التشويه.. الحرب على الإرهاب تبدأ من تصحيح المفاهيم ونزع غلاف الجهل وعودة الحق حقا والباطل باطلا.