مولد السيدة زينب.. وأهلها

تقول القاعدة: «للناس حظ من أسمائهم»، فهل لهم أيضاً حظ من «أحيائهم»؟

بعبارة أخرى هل الحى الذى ينشأ فيه الفرد ويعيش فيه عمره أو ردحاً من عمره يدمغ شخصيته بسمات معينة تجد جذورها فى تاريخه؟

أهل «حى السيدة زينب» -وغيره من الأحياء الشعبية- أكثر المصريين إدراكاً لهذه الحقيقة. فحيثما فتشت فى شخصياتهم ستجد سمات وخصالاً كانت بارزة فى شخصية السيدة زينب بنت على (رضى الله عنها وأرضاها) التى استقر بها المقام فى هذا الحى ودفنت فى ترابه، ليسمى بعد ذلك على اسمها.

الصلابة والثبات فى المواقف والقدرة على مواجهة الشدائد سمة أساسية من سمات شخصية السيدة زينب، فقد واجهت محنة كربلاء بثبات، وشهدت مصرع أخيها الحسين وأبنائه وأبناء أخيها الحسن، لكن ذلك لم يضعف موقفها المدافع عما كانت تؤمن به من حق أهل البيت فى الحكم. أغلب أهل السيدة لهم من هذه السمات نصيب فأغلبهم يمتازون بـ«الجدعنة» و«الثبات فى مواجهة الشدائد» و«الصلابة فى الدفاع عما يؤمنون به». مصطفى كامل (رحمه الله) كان يعيش بشارع الصليبة بحى السيدة زينب، وتجربته تشهد على شخص تسامى على مرضه ووهنه وواجه الاستعمار الإنجليزى لمصر بأعلى درجات الصلابة. وفى حى الحلمية نشأ كمال الدين حسين أحد الضباط الأحرار، وكان وزيراً بحكومات الثورة أكثر من مرة، وعندما اختلف مع جمال عبدالناصر رفض فى إباء الاستمرار فى العمل معه، وهو الذى واجه «السادات» برسالة «ملعون من الله ومن الشعب من يتحدى إرادة الأمة»، عقب أحداث 18 و19 يناير 1977. وواجه عبدالناصر -من قبل- فى عز قوته برسالة «اتق الله»، ورغم خلافه الشديد معه كان أول من هرول إلى مبنى القيادة العامة عندما وقعت واقعة يونيو 1967، رغم أنه كان خارج دائرة السلطة، فنداء الوطن تسقط أمامه أى خلافات.

الحزن أيضاً كان سمة أساسية من سمات تجربة السيدة زينب. الحزن امرأة.. وأحزان الشيعة «زينبية» بامتياز. شهدت حياة السيدة الكريمة محطات حزن متواصلة حتى لقيت وجه ربها. فقد فُجعت وهى طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها بوفاة جدها النبى (صلى الله عليه وسلم)، وعاشت أحزان أمها فاطمة وغضبها على حرمانها ميراث أبيها، ثم كان موت الأم فاطمة. ولا يجرح قلب طفلة صغيرة شىء مثل فقد الأم. تربت السيدة زينب فى أحضان الحزن، وأوجع قلبها، وشاء الله تعالى أن تستمر رحلة أحزانها حتى شهدت مصرع أبيها على بن أبى طالب، ثم مصرع أخيها الحسن بن على الذى تؤكد العديد من الروايات أنه قضى مسموماً، ثم ذبح أخيها وأبناء الحسن والحسين فى كربلاء أمام عينيها. أحزان عديدة ومتواصلة رسمت خريطة مشاعر وأحاسيس السيدة الكريمة، فكان طبيعياً أن تكون سراً من أسرار الحزن الشيعى، وسراً أيضاً من أسرار حالة الشجن التى تمتاز بها شخصية أهالى السيدة زينب، والتى جعلت من هذا الحى رافداً لا ينضب للفنانين والمبدعين. من حى السيدة خرج على الكسار وفريد شوقى وعبدالمنعم إبراهيم ونور الشريف وغيرهم كثيرون.

عندما انتهت رحلة السيدة زينب إلى الحى الذى سكنت فيه «الخليج المصرى»، أصبح مقصداً يؤمه المصريون من كل اتجاه، ليس فى مولدها الذى توافق ذكراه اليوم، بل فى كل يوم. فمن المعالم الأساسية التى يشتهر بها حى السيدة زينب المحلات التى تعد أكلات معينة لا تعرف فى غيرها من الأحياء، مثل «السوبيا»، ذلك المشروب الذى جعل المشير محمد حسين طنطاوى ينضم إلى موكب القاصدين للحى الشهير كى يستمتع به وبالحى الذى تفوح فى أرجائه الأنفاس الزينبية العطرة. رضى الله تعالى عن حفيدة النبى (صلى الله عليه وسلم) وأرضاها.