ارفعوا أيديكم عن عماد أديب

أ. عماد أديب من المفكرين والإعلاميين الليبراليين بحق، وليس ليبرالياً مزيفاً مثل الكثيرين، ويمثل نوعاً نادراً من الإعلاميين فى زمن الدجل والنفاق والصراخ واللاموضوعية واللامهنية التى انحدر فيها إعلامنا، فتحوّل بقدرة قادر إلى منهج أحمد سعيد.

الرجل طرح أمراً موضوعياً، وهو الحوار مع المتعاطفين مع الإخوان، لم يطرح الحوار مع إرهابى أو قاتل، ولا أدرى ماذا فى ذلك؟ وهل الذى يفكر خارج الصندوق الجهنمى الذى وضع الجميع فيه نفسه يهان بهذه الطريقة غير الأخلاقية واللاإنسانية؟!

لقد استطاع الرئيس عبدالناصر، وهو أشد الحكام على الإخوان، أن يستقطب فصيلاً كبيراً من الإخوان وجناحاً مهماً منهم، وجعله إلى جوار الدولة، منهم الشيوخ الباقورى نائب المرشد، ومحمد الغزالى، وسيد سابق، وعبدالعزيز كامل، وكان محكوماً عليه فعفا عنه وعيّنه وزيراً للأوقاف، بل استقطب «السندى» قائد الجناح الخاص، فما بالك بآلاف المتعاطفين وكل له سببه.

السياسة ليس فيها مستحيل أو مجرّم أو ألا تتحاور مع أحد، لقد تصالحنا مع إسرائيل وهى ما زالت تحتل معظم فلسطين والجولان، ووصلنا معها إلى سلام امتد لأكثر من أربعين عاماً، والجميع الآن يتواصل معها ويتغزل فيها.

هل نسى الذين يتطاولون على أ. عماد أديب الخلوق الذى لا يخاطب ضيوفه إلا بكلمة «سيدى» تواضعاً منه فى الوقت الذى «يشرشح» فيه الآخرون لضيوفهم.. هل نسى هؤلاء قصة شكرى مصطفى وكيف أنه قُبض عليه فى عملية توسيع لدائرة الاشتباه فى الستينات ولم تكن له علاقة بالإخوان فساقه قدره العاثر أن يكون وسط مجموعة قطبية تكفيرية فتعلم التكفير منهم مع ظروفه الاجتماعية الصعبة فأصبح من أهم أئمة التكفير؟!

وهل نسى هؤلاء أن عدداً كبيراً من الذين قُبض عليهم فى المظاهرات الأولى فى الجامعات سنة 2014 كان شباباً عادياً «غير مؤدلج» ولا ينتمى لأى جماعة، غلبته الحماسة فى حالة صراع سياسى حاد، فتحوّل فى السجن إلى تكفيرى أو داعشى أو على الأقل ناقم على الحكومة، لأنه لم يجد فى السجن من يحنو عليه أو يعطيه حتى محاضرة واحدة فى الفكر الصحيح أو يريه وجهاً للدولة غير الوجه الخشن وهو يشعر بالظلم والقهر وضياع المستقبل؟!

هل يصدق أحد أن كل هذه الآلاف التى فى السجن ليس فيها برىء واحد سيق بطريق الخطأ أو بتوسيع دائرة الاشتباه أو لموقف عارض؟! هؤلاء سيتحولون إلى قنابل موقوتة.

هل يعلم هؤلاء أنه مرت خمس سنوات كاملة فى السجون المصرية لم تعطَ خلالها لهؤلاء محاضرة واحدة، فى الوقت الذى حوّل فيه «أبوباشا» وفؤاد علام السجن فى أوائل الثماينيات إلى جامعة كبيرة أهّلت الآلاف لحياة جديدة بعيداً عن التطرف، كل يوم فيها محاضرة وحوار عميق مع عشرات العلماء حتى يستطيع إخراج آلاف المعتقلين الذين يُعتبر بقاؤهم فى السجن خطراً عليهم وعلى المجتمع والأمن القومى؟! وكيف استطاع العبقرى أحمد رأفت أن يحول السجن إلى مدرسة وورشة كبيرة ويحول آلاف الذين يحملون أفكار العنف إلى فكر السلام؟!

سيقولون: عاد بعضهم؟ هذه مغالطة كبرى، فالذين عادوا للتطرف فقط وليس العنف لا يجاوزون أصابع اليد الواحدة من بين عشرة آلاف معتقل لم يمارس أحدهم العنف رغم مرور عشرين سنة على هذه التجربة.

أكثر الذين يشتمون الرجل لا ينصفونه ولم يدرسوا أو يتابعوا أى تجربة تاريخية كاملة لمواجهة التطرف والإرهاب، بعضهم تحكمه ثقافة القطيع و«ملكى أكثر من الملك نفسه» ويظنون أنه بالقوة والسجون وحدها يعالج التطرف والإرهاب.

مصر لم تستطع إلى الآن زرع فكر دينى بديل عن الفكر القطبى، ولم يستطع شيخ الأوقاف أن يجذب لدرس العصر سوى فرّاشى المسجد، أتحدى أن ترى نشاطاً فى المساجد يجذب الشباب. «الأوقاف» تسلمت المساجد خالية من المتطرفين بفضل آخرين، ولكنها لم تقم فيها بأية نشاطات تجذب الشباب أو تقنعهم.

اسمعوا لهذا الرجل قبل أن تهيلوا التراب عليه، ويتطاول عليه من يستحق ومن لا يستحق، فأزمة أكثرنا «لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» وأنهم يريدون أن يحاسبوا الناس على مشاعرهم، وأن يفتحوا رؤوسهم وينظروا كيف يفكرون ولأى جهة يتوجهون، يريدون محاسبة الناس على نواياهم.

تحية للأستاذ عماد أديب، وأقول لكل من يرمونه بالحجارة «من كان منكم بلا خطيئة أو نفاق فليرمه بحجر».