أحد الشعانين: استقبال المسيح بالألحان وصلاة التجنيز لمن حضر.. جاء الملك

أحد الشعانين: استقبال المسيح بالألحان وصلاة التجنيز لمن حضر.. جاء الملك
- أحد السعف
- أحد الشعانين
- الاستيقاظ مبكرا
- الباب الرئيسى
- الخيوط الذهبية
- السيد المسيح
- العهد الجديد
- اللغة القبطية
- سرة الطفل
- آذان
- أحد السعف
- أحد الشعانين
- الاستيقاظ مبكرا
- الباب الرئيسى
- الخيوط الذهبية
- السيد المسيح
- العهد الجديد
- اللغة القبطية
- سرة الطفل
- آذان
زحام فى صحن الكنيسة، حيث يقف المصلون بعد أن امتلأت المقاعد عن آخرها، يرددون ترانيم الصلاة الآتية من مقدمة الكنيسة، تارة باللغة القبطية وتارة أخرى بالعربية، يتردد صداها فى الأرجاء: «الجالس فوق الشاروبيم، اليوم ظهر فى أورشليم، راكباً على جحشٍ بمجد عظيم..»، كلمات رنمها الشمامسة ووصلت إلى آذان الحاضرين فى الكنيسة، فظهرت آيات الخشوع على وجوههم وهم يرددونها خلفهم، ومن حولهم كان دخان البخور ظاهراً، ورائحته تغطى المكان كله، خلف الأبواب الثلاثة للكنيسة المغلقة على من فيها، حيث مكان الصلاة الذى انقسم إلى نصفين، على يمين الداخل كان الجزء المخصص للسيدات، اللاتى وضعن على رؤوسهن أغطية أسدلت على أكتافهن، بينما كان الجزء الأيسر مخصصاً للرجال، وبين الطرقات كان أفراد الكشافة (التابعون للكنيسة) ينظمون الدخول والخروج والفصل بين أماكن السيدات والرجال، وعلى حواف مقاعد الكنيسة كانت أغصان السعف تزين المكان وتضفى عليه أجواءً تتناسب مع «أحد السعف»، تلك الأجواء التى لم تقتصر على كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بالجيوشى، فى منطقة شبرا مصر، من الداخل فحسب، وإنما كانت أسوار الكنيسة أيضاً تحتفل بالسعف كما فى الداخل، فإلى جوارها جلس الخمسينى «ميلاد رفعت»، ومن حوله أبناؤه، فى ركن مجاور لبوابات الكنيسة، يستقبل المقبلين إليها فى «أحد الشعانين» بأغصان السعف المختلفة أشكالها، كما استقبل أهل أورشليم السيد المسيح، حسب العقيدة المسيحية، مجلس هو فيه قبل ثلاثة أيام مضت، ويتكرر منذ أن كان طفلاً: «بقالى 15 سنة باقعد نفس القعدة دى وعمرى فى يوم ما بصيت لمكسب»، يقولها «ميلاد» وهو منهمك فى تشكيل أحد أغصان السعف من أمامه، ليشير بعينيه إلى الكنيسة من خلفه قائلاً بفخر إنه أحد أبنائها، لذلك فإن اهتمامه فى مثل هذه الأيام من العام لا يكون إلا ببيع السعف للمقبلين إلى الكنيسة، رغم أن له عملاً آخر: «لازم آخد بركة اليوم ده وبجهز له من قبلها بأربع أيام ولو بموت لازم أبقى موجود برضه».
من أمام «ميلاد» انطلق «مينا صبحى»، الذى لم يكمل عامه العشرين بعد، ناحية الكنيسة، بعد أن حصل على تاج من السعف مزين بالورود، كعادة لم يتنازل عنها فى مثل هذا اليوم من كل عام، بمجرد دخوله من الباب الرئيسى للكنيسة، حتى التقى بأصدقائه الواقفين فى انتظاره فى «حوش الكنيسة» لقضاء يوم هو الأجمل بالنسبة لهم: «متعود آجى هنا كل سنة، والدى ووالدتى بييجوا لوحدهم، وأنا باجى مع أصحابى، وأهم حاجة فى اليوم بالنسبة لى إنى ألبس تاج من السعف».
{long_qoute_1}
أصوات ضحكات «مينا» وأصدقائه تعلو شيئاً فشيئاً بعد أن داعبهم طفل صغير يلهو إلى جوارهم، وما أن هموا فى مجاراته واللعب معه، حتى تركهم الطفل مسرعاً واتجه نحو والديه الواقفين أمام الباب الداخلى للكنيسة الممتلئة عن آخرها، أسرة الطفل تكونت من طفلين آخرين غيره، ووالديه، كان حضورهم إلى الكنيسة له ترتيباته الخاصة التى بدأت فى الليلة السابقة لهذا اليوم، حسب ما قال الأب «تامر صبحى» صاحب الـ33 عاماً: «اشترينا السعف من إمبارح وبيتناه معانا فى البيت عشان ناخد البركة بتاعته»، لم يكن «تامر» ممن لديهم القدرة على الاستيقاظ مبكراً فى أيامه العادية، وهو ما فطنت إليه زوجته «جاكلين حلمى» ورتبت له حتى لا يفوتهم القداس لعدم قدرة زوجها على الاستيقاظ، فكانت لها خطتها التى يحكى عنها «تامر» وهو يضحك قائلاً: «وهى بتصحينى الصبح قالت لى قوم بسرعة الساعة بقت 10، وفعلاً صدقتها وقمت جرى من على السرير ولما لبست وجهزت نفسى لقيت الساعة لسه 7»، حالة الفرح فى أسرة «تامر» لم تقتصر عليه وزوجته فحسب، وإنما انتقلت إلى الأطفال الذين فاقت فرحتهم فرحة أبويهم، حسب ما تصف الأم «جاكلين»، فأطفالها لا يتنازلون فى هذا اليوم عن تيجان وصلبان السعف، بل إنها لا تحمل لهم هماً فى إيقاظهم لهذا اليوم كما تحمله لأبيهم.
ترنيمات صلوات القداس ما زالت تتلى على المصلين، عابرة أبواب صحن الكنيسة إلى الخارج، عن طريق مكبرات الصوت، وشاشات للعرض تنقل لمن فى الخارج الأجواء الداخلية، التى تدور أغلبها فى الجزء المقابل للأماكن المخصصة لجلوس السيدات والرجال، حيث «الخورس»، الذى يفصله درجتا سلم عن مكان المصلين، ويقف على جانبيه الشمامسة بثيابهم البيضاء المطرزة بالخيوط الذهبية المسماة بـ«التونية»، ومن فوقها «البطرشيل»، وهو حزام ذو لونين أحدهما أحمر والآخر أسود يُرتدى فى المناسبات الحزينة، يرددون تلاواتهم لهذا اليوم المشهود خلف رئيسهم: «فى الطريق فرشوا قمصان، ومن الشجر قطعوا أغصان، وهم يصيحون بالألحان، أوصنا أبشيرى أون دافيد»، وعلى بعد ثلاث درجات سلم أخرى للأعلى من «الخورس»، كان الهيكل الذى يحتوى على المذبح الكبير، ومن حوله يطوف الأب الكاهن (رئيس الكهنة) حاملاً فى يديه الشورية (المبخرة)، ومعه اثنان من الشمامسة، أحدهما يحمل الصليب، والآخر يحمل كتاب البشارة (العهد الجديد)، ثلاث لفات منها كانت كافية حتى يسجد بعدها الشمامسة ومن خلفهم المصلون، وما إن فرغوا من سجدتهم، حتى نزل كبير الكهنة عن الهيكل، يطوف فى الكنيسة موزعاً الدخان الصاعد من «الشورية» التى يمسكها بيديه فى أرجاء المكان، ويأخذ من المصلين الطُلبة (أوراق صغيرة كتبوا فيها طلباتهم من الرب)، ليضعها الأب الكاهن على المذبح من أمامه بعد صعوده إليه مرة أخرى فتأخذ بركة الصلاة.
{long_qoute_2}
طقوس متعددة يتخللها قداس «أحد الشعانين»، يكون من بينها الصلاة على مياه التجنيز، التى يتم رشها على الأحياء فى هذا القداس، حيث لا صلاة على ميت مسيحى ولا تجنيز له فى هذا الأسبوع، فتكون هذه المياه لمن ترش عليه وكأنها بديلة عن الصلاة عليه فى حال موته قبل انتهاء أسبوع الآلام، وغيره من الطقوس الخاصة بهذا اليوم فى عقيدة المسيحيين، تستمر نحو 5 ساعات كاملة، من تلاوة لقصة اليوم (البولس) عن طريق أحد الشمامسة، يتلو على المصلين قصة هذا اليوم وما حدث فيه، ومن بعده «الإبركسيس»، (وفيه يتلى سير الشهداء على مر العصور)، إضافة إلى تلاوات من الإنجيل يتلوها الأب الكاهن على المصلين.
لكل يوم من أيام هذا الأسبوع اسم يطلق عليه ويمثل وظيفة من وظائف السيد المسيح، حسب ما قال القمص صليب متى، كاهن كنيسة مارجرجس بالجيوشى، فيوم الأحد إضافة إلى تسميته بـ«أحد الشعانين» أو «أحد السعف»، فهو يطلق عليه أيضاً اسم «المسيح الملك»، ففيه، حسب العقيدة المسيحية، كما يقول «صليب»، دخل السيد المسيح أورشليم ملكاً على جحش ابن أتان، واستقبله أهلها بالهتاف وسعف النخيل الذى يرمز للسلام والنقاء والنصر، ولم يكن دخوله على حصان حتى يعلّم أمته التواضع كما قال «صليب»: «قال لنا تعلموا منى التواضغ».
رَشُّ مياه التجنيز على جميع حاضرى القداس يكون هو آخر ما ينهى به الأب الكاهن قداس «أحد الشعانين»، بعدها مباشرة ينطلق الجميع إلى الخارج، ومن خلفهم تسدل الستائر السوداء على مذابح الكنيسة الثلاثة، معلنة بداية أسبوع آلام تبدأ أولى صلواته الخاصة (البصخة) فى ليلة اليوم نفسه، يعقبها صلوات أخرى تباعاً فى الأيام التالية.