خبراء وقانونيون: القضاء القطرى «غير مستقل» وتحركه الأسرة الحاكمة

كتب: الوطن

خبراء وقانونيون: القضاء القطرى «غير مستقل» وتحركه الأسرة الحاكمة

خبراء وقانونيون: القضاء القطرى «غير مستقل» وتحركه الأسرة الحاكمة

اقترب موعد استئناف قضية التعويض التى أقامها الصحفى محمد فهمى ضد قناة «الجزيرة» فى كندا، حيث تستمع المحكمة الكندية إلى الشهود والخبراء القانونيين فى قضية التعويض التى تطالب بـ100 مليون دولار أمريكى بسبب دعم القناة لجماعات إرهابية مثل تنظيم الإخوان فى مصر، وتنظيمى «القاعدة» و«جبهة النصرة» وتزويدها بالكاميرات والأموال وخداع صحفييها فى مصر وعملها دون تراخيص، ما تسبب فى تعريض «فهمى» وزملائه للسجن فى مصر لمدة تزيد على 400 يوم، فى القضية التى عُرفت باسم «خلية الماريوت»، حيث أكدت الشبكة القطرية لصحفييها أنها تعمل بصفة قانونية فى مصر، على عكس الحقيقة، حتى صدر عفو رئاسى عن «فهمى» فى سبتمبر 2015.

 {long_qoute_1}

‏وقدم محامى «فهمى» الكندى جوزيف آرفى، للمحكمة فى كندا، رسائل بريد إلكترونى ومستندات وتسجيلات صوتية وشهادات ‏موثقة من عاملين سابقين فى القناة، ‏تؤكد ضلوع الأسرة الحاكمة فى قطر فى دعم الإرهاب وسيطرتها الكاملة على المادة التحريرية للقناة وكيفية استخدامها لـ«الجزيرة» كوسيلة ضغط على الدول العربية، ‏وسيتم استجواب ‏الشهود فى المحكمة أو عن طريق الفيديو بالسفارة الكندية فى مصر.

وماطلت «الجزيرة» كثيراً منذ تقديم القضية، وغيرت ‏المحامى المسئول عن القضية ودفعت أكثر من مليون دولار كأتعاب محاماة، ‏ثم قدمت عريضة تطالب فيها بعدم اختصاص المحكمة الكندية لنظر القضية، وطالبت بتداولها فى المحاكم القطرية، إلا أن محامى «فهمى» تقدم بملف للمحكمة الكندية يضم تقارير من خبراء قانونيين متخصصين فى القضاء الدولى والعربى، ‏أكدوا فيه عدم استقلالية القضاء القطرى وعدم اكتمال المنظومة القضائية القطرية، واعتبروا أن «الجزيرة» محصنة، وتعد جزءاً لا يتجزأ من الحكومة القطرية.

ومن بين من قدموا شهاداتهم إلى المحكمة الكندية ضمن الملف، المحامى الدولى شيبلى مالات، أستاذ القانون والمرشح الرئاسى السابق للدولة اللبنانية، وهو من قدم القضية نيابة عن ضحايا مجزرة «صبرا وشاتيلا» ضد آرييل شارون فى بلچيكا، وكسب القضية فى ١٢ فبراير ٢٠٠٣. وقدم «شيبلى» شهادة رأى الخبراء إلى المحكمة الكندية، يقول فيها إنه «إذا أقام المدعى محمد فهمى القضية فى المحاكم القطرية، فمن الممكن أن يواجه العواقب كونه قد انتقد سياسة الأمير القطرى فى العديد من كتاباته ومداخلاته التليفزيونية وفقاً للقوانين التالية: المادة ١٣٤ من القانون القطرى تنص على معاقبة أى شخص ينتقد الأمير علانية، ويطالب بتغيير النظام لمدة لا تزيد على خمس سنوات، ويتعرض من ينتقد ولى العهد القطرى للعقوبة ذاتها، وبما أن فهمى قد ضم فى ملف القضية فى كندا نماذج لمقالات له يدين فيها النظام القطرى بدعم الإرهاب فى الإعلام العربى والأجنبى، فبالتالى يمكن أن يحاكم وفقاً لهذا القانون». ‏واعترض «شيبلى» على إقامة أو نقل الدعوى إلى القضاء القطرى لأنه «لا يمكن اعتبار قطر دولة ديمقراطية ولا يتوفر فيها الحقوق الأساسية لإجراء محاكمة عادلة فى قضية من هذا النوع، كما أنه ليس هناك محكمة دستورية عاملة فى قطر حتى بعد ١٠ سنوات من إصدار قانون بإنشائها».{left_qoute_1}

وتابع «شيبلى»: «تمويل الجزيرة مرتبط مباشرة بالحكومة القطرية وفقاً للمادة ١٩ من القانون الأول، ورأس مال القناة عند إنشائها كان ٥٠٠ مليون ريال قطرى، وهى ملك للدولة بميزانية تتحكم فيها الحكومة ومجلس الوزراء. ووفقاً للمادة الخامسة لا يمكن لمجلس إدارة الجزيرة أخذ بعض القرارات دون موافقة مسبقة من الحكومة»، مضيفاً: «حصنت قطر ممتلكات القناة من الاستحواذ على أملاكها لسداد أى ديون وذلك وفقاً للمادة ٢٨. ووفقاً لقانون ١/١٩٩٦، فإن القناة تحت السيطرة الكاملة للدولة ومؤسسها الأمير حمد آل ثانى بموجب المادة ٢٨ بعدم الاستحواذ على أملاك القناة فى حالة فوز فهمى بالقضية».

من جانبه، قال المحامى المصرى ناصر أمين، ‏مؤسس ورئيس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، إن «القضاء القطرى يعانى قصوراً كبيراً وليس مستقلاً ويفتقد المعايير الدولية»، مضيفاً: «لم تصدق قطر على العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حتى الآن، وبالتالى فإن التشريعات الوطنية القطرية ذات الصلة بالتقاضى، تصبح خالية من الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة والمنصفة»، وتابع: «قد تعتبر السلطات القطرية قضية محمد فهمى ضد الجزيرة تهديداً لها، ومن ذلك إمكانية أن تفعل القانون ١٧ لسنة ٢٠٠٢ بشأن (حماية المجتمع) الذى ينص فى مادته الأولى على أنه يجوز لوزير الداخلية فى الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أن يعتقل المتهم بناء على تقرير بالواقعة دون تدخل أو إشراف أو رقابة من قبل القضاء». وأكد «أمين» أن «نظام القضاء القطرى غير مكتمل، لأنه إذا قرر محمد فهمى الطعن بعدم دستورية أى من التشريعات القطرية التى تخضع قضيته لها، سوف يتم اعتراض تنفيذ أى حكم قد يصدر فى صالحه لعدم وجود محكمة دستورية عليا يلجأ إليها لتقديم طعنه».

مسألة تعيين القضاة القطريين أثارت اهتمام تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاء والمحامين «جابريلا نول»، والمقدم إلى مجلس حقوق الإنسان الدولى ‏فى الأمم المتحدة فى دورته التاسعة والعشرين بتاريخ 31 مارس 2015، حيث أشار تقرير المقررة الخاصة إلى أن «الآلية المستخدمة بشأن تعيين القضاة فى قطر قد تعرضهم لضغط سياسى، ‏لا موجب له. ‏ومن شأن التعيينات والتصفيات من قبل أمير قطر أن تؤثر بشدة على موقف القضاة وسلوكهم، لا سيما فيما يخص ممثلى السلطة التنفيذية، حيث جاء بالتقرير المشار إليه أن الأمير يعين جميع القضاة، بمن فيهم القضاة غير القطريين، وأن هذه الآلية المستخدمة حالياً لتعيين القضاة قد تعرضهم لضغط سياسى لا موجب له». تقريباً نسبة تتراوح بين 35 و40% من القضاة العاملين فى قطر من غير القطريين، ووفقاً لذلك تظل إشكالية استقلال القضاء القطرى قائمة، خصوصاً بعد ثبوت أن القضاة يعينون ‏مباشرة من طرف السلطات التنفيذية بعقود عمل لمدة محدودة».

{long_qoute_2}

وقد أعربت المقررة الخاصة، فى تقريرها المنشور، عن قلقها بشأن مدى استقلالية هؤلاء القضاة. ‏وأشارت ‏أيضاً فى تقريرها إلى أنه قد وردت تقارير تفيد بأن السلطة التنفيذية تمارس ضغوطاً على عمل السلطة القضائية. وقد منعت السلطات القطرية الدكتور نجيب النعيمى وزير العدل القطرى السابق، من ‏السفر، ‏بسبب مواقفه السياسية من حكومة قطر التى نشرها على حسابه على موقع «تويتر»، ‏وفقاً لمنظمة العفو الدولية، وهو عضو لجنة الدفاع عن الرئيس العراقى السابق صدام حسين ومحامى الشاعر القطرى محمد العجمى، ‏الذى حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، لانتقاده الأمير الوالد حمد آل ثانى. «النعيمى» كتب فى شهادته التى تم تضمينها ضمن الشهادات المقدمة إلى المحكمة الكندية، أنه «لا يمكن الوثوق بالقضاء القطرى»، مؤكداً ما أعربت عنه «نول» من قلق فى تقريرها الذى قدمته إلى الأمم المتحدة، الذى أكدت فيه عدم استقلالية القضاء القطرى.

من جانبه، أعد المحامى الدولى محمد نبوى ملفاً، وفقاً لقواعد المحاكم الكندية، يضم شهادات موثقة من عاملين وصحفيين سابقين فى مكتب «الجزيرة مصر»، أكدوا فيه أن «الجزيرة ضللتهم بتعاونها مع جماعات إرهابية خلف الكواليس فى مصر والمنطقة العربية دون علمهم، وأن الإدارة كانت على دراية بأن مدينة الإعلام فى مصر قد ألغت مشروع شبكة قنوات الجزيرة فى مصر، وعلى الرغم من ذلك فضلت القناة عدم إفادة العاملين بالحقيقة، ما وضع بعضهم تحت الشبهات من قبل السلطات الأمنية المصرية، وأدى إلى حبس الكثير منهم مثل صحفيى (خلية الماريوت)». وقد شارك المحامى محمد نبوى فى تنظيم مؤتمر «محاكمة قناة الجزيرة»، الذى انعقد فى نادى الصحافة فى «واشنطن» عام 2017، حيث شارك محمد فهمى ومستشار سابق فى إدارة جورج بوش ومحام أمريكى، كمتحدثين فى المؤتمر، وعرضوا محتوى بعض هذه الشهادات من صحفيى «الجزيرة» السابقين أمام الإعلام الغربى.

{long_qoute_3}

وأجرى «نبوى» بحثاً عن نزاهة القضاء القطرى، وبالأخص عن عدة قضايا قد رفعتها منى السليطى، شقيقة وزير الاتصالات والمواصلات القطرى الحالى، والمقيمة فى محافظة الإسكندرية فى مصر، ضد مسئولين كبار فى قطر، وقد مر على بعض هذه القضايا أكثر من خمس سنوات، ورغم ذلك لم يتم الحكم بها، ما يؤكد القصور فى نزاهة واستقلالية القضاء القطرى، وقد ضم الملف الذى قدم فى المحكمة فى كندا، مثالاً آخر على فشل النظام القضائى فى قطر الذى يتمثل فى قضية فواز العطية المتحدث الرسمى لدولة قطر فى التسعينات، والذى تم حبسه وتعذيبه وسحب جنسيته دون سند قانونى، حيث تم تلفيق اتهامات ضده والقبض عليه وفقاً لقانون (حماية المجتمع)، الذى ليس له مثيل إلا فى دولتى قطر وإسرائيل».

الصحفى والكاتب البريطانى هيو مايلز، الذى ألف كتاباً عن قناة «الجزيرة» أجرى فيه مقابلات مع مسئولين قطريين وأمريكيين وصحفيين ومديرين كبار فى قناة «الجزيرة»، قدم هو الآخر شهادة إلى المحكمة فى كندا، ذكر فيها أنه خلال زيارته لقطر، تأكد من أن مديرى قناة «الجزيرة» يتقابلون مع أفراد من العائلة الحاكمة القطرية كثيراً فى المجالس خارج القناة، وأنهم يملون عليهم تعليمات بصفة عامة عن المواضيع التى يجب أن تركز عليها «الجزيرة» فى التغطية الإخبارية. وأكد فى شهادته أنه ذكر فى الكتاب أن مسئولين فى الحكومة الأمريكية والمخابرات الأمريكية، كانوا أيضاً يدلون بتوجيهاتهم إلى إدارة قناة الجزيرة القطرية.

أما عن نزاهة القضاء القطرى، فأكد «مايلز» أنه خلال مقابلاته مع الأجانب المقيمين فى قطر، فقد تبين له أن القضاة متحيزون دائماً لإنصاف المواطنين القطريين وأن شخصاً أجنبياً، مثل محمد فهمى، لا يمكن أن يحظى بمحاكمة عادلة ضد قناة الجزيرة فى قطر.

 

أثناء نظر قضية محمد فهمى المعروفة إعلامياً بقضية «خلية الماريوت»


مواضيع متعلقة