وزارة الصحة.. و«النفوذ»!

ربما حمل البعض منا أملاً دفيناً أن ينصلح الحال الذى أرهقنا عبر العقود والأزمان.. وأن يتحسن الوضع الذى نشكو منه مراراً وتكراراً.. اعتماداً على جيل جديد يتبوأ مكانه الذى يستحق.. ويلقى الدعم اللازم لينهض بالمنظومة كلها.. ولكن يبدو أن البعض الآخر يأبى أن يحدث ذلك أبداً.. فما كان سيظل.. ومن يحاول -مجرد المحاولة- فلا بد أن يعاقب!

إنها وزارة الصحة المكلومة مرة أخرى.. التى تصر أن تقتل كل من يحاول أن يغير واقعها المؤلم.. وكأن القدر يصر أن تظل مقبرة لكل أصحاب الأحلام.

طبيب مجتهد.. يعمل منذ فترة مديراً لمركز الأورام بمحافظة المنيا.. تلك المدينة الصعيدية الصغيرة.. الكل يشهد له بالاجتهاد وحسن الخلق.. بل إن أحداً من رؤسائه أو مرؤوسيه لم يتقدم ضده بشكوى -ولو كيدية- طوال أكثر من عشر سنوات هى فترة إدارته للمعهد!! إنه يحاول دوماً أن يطور من المركز الذى يديره.. فيقوم بتنظيم يوم علمى للأطباء العاملين به.. ويدعو فيه بعض المحاضرين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية لإلقاء محاضرات علمية.. كما يدعو نائب رئيس الهيئة القومية للمجالس المتخصصة التى يتبعها المعهد.. ثم تنشأ أزمة بسيطة ومعتادة بين أحد المحاضرين -وهو أستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة- واللجنة المنظمة للمؤتمر بعد أن حاولوا تنبيهه إلى أن محاضرته قد تجاوزت الوقت المقرر لها!! الأزمة يعرفها كل طبيب حضر أحد المؤتمرات العلمية فى أى مكان فى العالم.. وفى الأغلب تنتهى بوعد بالانتهاء سريعاً.. وابتسامة صافية من الطرف الآخر.. إلا أن هذا لم يحدث!! لقد انفعل المحاضر بشكل غير مبرر.. وتوقف عن إلقاء المحاضرة وغادر القاعة غاضباً وهو يتوعد القائمين على المؤتمر بأنه سيستخدم «نفوذه» لعقابهم!!

إلى هنا والأمر لم يتجاوز أنه موقف شخصى «غير لائق» ممن يفترض أنه أحد أعضاء هيئة التدريس المرموقين.. الذى كان عليه أن يكون أكثر صبراً.. وأوسع صدراً!! لكن القصة لم تنته عند هذا الحد.. فبعد عدة أيام.. يفاجأ الجميع فى المركز بقرار إعفاء ذلك الطبيب من منصبه كمدير للمركز.. بل وإعفاء رئيس قسم الجراحة أيضاً.. وندبهما لمديرية الشئون الصحية فى القاهرة لمدة عام!!

القرار صدر دون تحقيق من الأساس.. بل إن حيثيات القرار كانت أعجب بكثير من القرار نفسه.. فقد حمل القرار مبرراً طريفاً للغاية.. وهو أن مدير المركز خالف قرار السيد الوزير بعدم إقامة أى فعاليات علمية وعدم دعوة أى «شخصيات عامة» إلا بعد إبلاغه!!.. والأطرف.. أن قرار السيد الوزير وصل إلى المركز بعد إقامة اليوم العلمى بأسبوع كامل!!

وهنا يحمل الأمر الكثير من الأسئلة التى ينبغى أن توجه لمن بيدهم الإجابة فى هذا الوطن.. إذا كان القرار قد صدر لعقاب السيد مدير المركز لأنه تجرأ وخالف قرار السيد الوزير -الذى لم يعرفه إلا بعد الحدث نفسه- فلماذا يتم عقابه منفرداً مع وجود السيد نائب رئيس الهيئة بنفسه فى ذلك اليوم؟.. لماذا لم يتم عقاب ذلك النائب معه وهو يعلم بالقرار بكل تأكيد؟! أما إذا كان القرار هو نتيجة لتهديد السيد الدكتور ومعارفه «المهمين».. فالأسئلة تبدو أكثر قسوة بكل تأكيد!

فإلى متى ستدار الأمور داخل تلك الوزارة المسكينة بهذا الشكل؟.. وإلى متى سيتم قتل كل من يحاول أن يخطو خطوة للأمام بهذه الوسيلة البائسة؟! إلى متى ستظل وزارة الصحة طاردة لكفاءاتها.. رافضة لأى تطوير ولو بجهد بسيط مشكور؟! إلى متى سيتحكم من يملك «نفوذاً» فى من يملك الأحلام؟!

أفيدونا يرحمكم الله!!