الدقهلية: محرومة من المستشفيات.. و«الهيروين» ينتشر بين الأطفال.. و«الأستروكس» الأخطر والحشيش ما زال فى المقدمة

كتب: صالح رمضان

الدقهلية: محرومة من المستشفيات.. و«الهيروين» ينتشر بين الأطفال.. و«الأستروكس» الأخطر والحشيش ما زال فى المقدمة

الدقهلية: محرومة من المستشفيات.. و«الهيروين» ينتشر بين الأطفال.. و«الأستروكس» الأخطر والحشيش ما زال فى المقدمة

اختار لنفسه أن يعيش بين الأموات فى المقابر على أطراف مدينة «الجمالية» بمحافظة الدقهلية، يتحدث حديث الواعى المثقف، ثم سرعان ما يسقط فاقداً للوعى، ويهذى بكلمات غير مفهومة، ملابسه غير مهندمة، تفوح منها رائحة كريهة، كتلك التى تملأ أرجاء شقته، التى يتردد عليها بين الحين والآخر عندما يشعر بالجوع، قبل أن يتوارى مجدداً عن أعين الناس وسط المقابر.

«مروان مجدى»، شاب لم يتجاوز الـخامسة والعشرين من عمره، كان مضرب المثل بين أبناء جيله، حينما اعتمد على نفسه وفتح مقهى للإنترنت «سايبر»، وبدأت الأموال تعرف طريقها إلى جيبه، إلا أنه تعرف على مجموعة من «أصدقاء السوء»، تقربوا إليه، وظلوا وراءه حتى تناول أول قرص «ترامادول»، وسرعان ما أصبح مدمناً على «السموم» بمختلف أنواعها، ولم تفلح محاولات العلاج المتكررة فى إصلاح ما أفسدته المخدرات.

«الوطن» التقت «نجاح العشرى»، خال الشاب «مروان»، الذى أكد أنه سعى مراراً لعلاج ابن شقيقته فى أحد مراكز علاج الإدمان الحكومية، إلا أنه اكتشف أن جميع المراكز فى محافظة الدقهلية مراكز خاصة، ولا يوجد أى مركز حكومى، اصطحبنا الرجل إلى شقة شقيقته، الرائحة الكريهة تملأ المكان، بحث عن «مروان» فى كل مكان ولم يجده، وكل ما وجده بقايا بعض الطعام على الفراش وأرضية الشقة، فأعاد إغلاق الباب، مبدياً حسرته على الأيام التى كان يقضيها فى ذلك المكان مع شقيقته، التى كانت تهتم بكل صغيرة وكبيرة بها.

{long_qoute_1}

وقادنا «نجاح» إلى منطقة المقابر على أطراف المدينة، وهناك عثر على «مروان» يجلس على الأرض يدخن سيجارة «حشيش»، وهو شبه فاقد للوعى، وحوله مجموعة من الشبان، بادرنا الشاب قائلاً بعض الكلمات التى وجدنا صعوبة فى تفسيرها، منها «أنا عاوز أكون رئيس أمريكا أو العراق، وعاوز أشتغل بواب، بلدنا حلوة قوى بس عاوزين الشباب يشتغل»، ليعلق «العشرى» على الحالة التى وصل إليها ابن شقيقته، قائلاً: «شبابنا بيتم تدميره، ويجب على وزير الداخلية أن يشن حرباً على تجارة المخدرات، وعلى وزير الصحة إنشاء مستشفى لعلاج الإدمان فى الدقهلية، لأننا لا يمكننا أن نحارب الإرهاب بشباب مدمنين، وبيوتنا اتخربت بسبب الإدمان».

أما «هنية العشرى»، والدة «مروان»، فقد عبرت، لـ«الوطن»، عن شعورها بالحسرة على مستقبل ابنها الوحيد، لأنها تعيش فى مأساة منذ أن عرف طريق المخدرات، وقالت: «ضربنى وكسر ذراعى، واحتاج علاجى شرائح ومسامير، بعد أن اتهمنى بأننى أريد أن أضع السم له فى الطعام، وطردنى من الشقة، ومنعنى إنى آخذ ملابسى»، وأضافت الأم المكلومة أنها حاولت علاج ابنها، وأدخلته أحد المستشفيات الخاصة وكانت تكلفها 2500 جنيه كل أسبوع، وباعت كل ما تملك، حتى شقتها فى مدينة دمياط الجديدة، لتوفير تكاليف العلاج، إلا أنه بعد أن أمضى نحو 12 أسبوعاً من رحلة العلاج، رفض البقاء فى المستشفى، حتى ساءت حالته، وتبدلت أحواله، موضحة أنه كان شاباً مستقيماً، يخشى أن يغضبها، لكنه تحول إلى شخص عدوانى بعد أن عرف طريق المخدرات، حتى مع أقرب الناس إليه».

وفى السياق نفسه، قالت رضا عيد البساطى، محامية، من أبناء مدينة الجمالية: «إن الإدمان منتشر بصورة كبيرة حتى بين الأطفال أقل من 10 سنوات، كما ينتشر تعاطى المخدرات بين الطالبات، خاصة فى المدارس الثانوية العامة والأزهرية». وأضافت، لـ«الوطن»، أنها بدأت حملة لعلاج الإدمان، وأخذت عدداً من المدمنين للعلاج فى مستشفى دميرة للطب النفسى بالدقهلية، ولكن المستشفى لا يحجز المدمنين، ويعطى لهم بعض الأدوية يأخذونها فى البيت، ويكون أول أسبوع للمريض فى كورس العلاج مدمراً، ولا يستطيع تحمله، وسرعان ما يعود للمخدرات مرة أخرى، إذا لم يمكنه اجتياز الأسبوع الأول بنجاح.

{long_qoute_2}

وتابعت: «جاءنى 4 أطفال، أعمارهم أقل من 10 سنوات، يتعاطون الهيروين والأقراص المخدرة، ويرغبون فى العلاج، لأنهم يسرقون، ولم يجدوا شيئاً يسرقونه، كما أخذت 7 طالبات للعلاج من الإدمان»، مشيرةً إلى أنها اضطرت إلى وقف حملات علاج الإدمان لأنها «عادةً ما تنتهى بتدمير المدمن»، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن العلاج بدون حجز فى مصحة ينقلب ضد المريض، وتسعى حالياً لإنشاء مستشفى خيرى للعلاج من الإدمان فى الجمالية، بمواصفات خاصة وضعها عدد من المتخصصين، بالتعاون مع بعض الجمعيات الأهلية، وأكدت أنها وجدت تشجيعاً كبيراً من الأهالى.

من جانب آخر، أكد مصدر مسئول بمديرية الشئون الصحية بالدقهلية أن مستشفى «دميرة» يتبع المجالس الطبية المتخصصة، ولا توجد مستشفيات لعلاج الإدمان بالمحافظة سوى أقسام الطب النفسى وعيادات الإدمان، معتبراً أنها غير كافية للتعامل مع هذه المشكلة، نظراً لأن «المدمن» يجب حجزه بالمستشفى لبعض الوقت، تحت إشراف الأطباء، مشيراً إلى أن مستشفى «دميرة» تحول منذ نحو 5 سنوات من مستشفى لعلاج الإدمان إلى الطب النفسى فقط، ومن يدخله من المدمنين يكون بغرض العلاج النفسى فقط، وليس العلاج من الإدمان، لذلك يخرج كثير من المرضى وقد تأثروا بغيرهم ممن يعانون أمراضاً نفسية، ويؤدى ذلك إلى إصابة بعضهم بالأمراض النفسية.

وطالبت نهى محمد، إحدى المواطنات، بتفعيل قانون الطوارئ ضد تجار المخدرات، قائلة: «فى السابق، كان تجار الحشيش والبانجو معروفين، أما الآن فأصبح الهيروين منتشراً بين العديد من الأطفال وطلاب المدارس والجامعات، ولا نعرف مصدره».

وقالت رئيس قسم الطب والسموم الإكلينيكية بكلية الطب بجامعة المنصورة، الدكتورة سحر الدكرورى، إن الإدمان مرض مزمن، ذو طبيعة منتكسة، أى يمكنه الارتداد فى أى لحظة، ويجب علاجه من خلال طرق العلاج الكيميائى، والسلوكى، والتأهيل النفسى، ولا يمكن علاج الإدمان فى عيادات المستشفيات، وإنما يحتاج المريض إلى مصحة كاملة، لتوفير الرعاية والاهتمام اللازمين.

واستعرضت «الدكرورى»، خلال مشاركتها فى «أسبوع مكافحة الإدمان» بالمنصورة، بعض الإحصائيات عن المخدرات فى مصر، أظهرت احتلال «الحشيش» و«البانجو» مقدمة المواد المخدرة المنتشرة سنة 2015، بينما جاء «الترامادول» فى مقدمة المواد المخدرة الأكثر انتشاراً لسنة 2017، مشيرة إلى التأثيرات الخطيرة الناجمة عن تعاطى «الأستروكس»، أحد المواد المخدرة التى ظهرت حديثاً، ويدخل فى تصنيعه بعض المواد غير الممنوعة، إلا أن بعض التجار يضيفون عليها مادة «الكيتامين»، التى تسبب تأثيرات نفسية خطيرة، قد تؤدى إلى الوفاة.


مواضيع متعلقة