دور العرض تعيش عصر الظلام والجمود الفنى.. وخبراء: انعدام العائد المادى وراء الأزمة

كتب: إلهام زيدان

دور العرض تعيش عصر الظلام والجمود الفنى.. وخبراء: انعدام العائد المادى وراء الأزمة

دور العرض تعيش عصر الظلام والجمود الفنى.. وخبراء: انعدام العائد المادى وراء الأزمة

تعانى مسارح الدولة والقطاع الخاص حالة من الجمود الفنى، لا سيما بعد توقف الكثير منها عن الإنتاج، واكتفاء بعضها بتقديم عروض فرق الهواة، وتحويل البعض الآخر نشاطه إلى دار عرض سينمائى، أو إلى ساحات لتصوير البرامج التليفزيونية، وذلك لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية واجتماعية وثقافية.

ومن هذه المسارح المتوقفة، نجد «مسرح مصر» التابع للدولة، الذى يقع فى منتصف شارع عماد الدين بمنطقة وسط القاهرة، حيث تحول إلى أطلال تحيط به الأسوار، وعلى مدار سنوات سابقة تكررت الوعود بإعادة بناء المسرح من جديد، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

مسرح الزمالك الشهير فى شارع 26 يوليو، تحول إلى دار عرض سينمائى تحمل عنوان «سينما الزمالك» فى 2016، كما لجأ الفنان محمد نجم إلى هدم مسرحه، عندما لم يجد أى مكاسب مادية مناسبة من العروض المسرحية. أما مسرح «راديو» فيتم استغلاله حالياً لتصوير البرامج التليفزيونية، مثل «أبلة فاهيتا»، وبرنامج «البرنامج» لباسم يوسف سابقاً، علاوة على مسرح ليسيه الحرية الذى توقف نشاطه هو الآخر، بعد تعرضه لحادث حريق العام الماضى.

الدكتور عمرو دوارة، المؤرخ المسرحى، حلَّل أبعاد الظاهرة، قائلاً: نحو 12 مسرحاً من مسارح القطاع الخاص توقفت عن الإنتاج مؤخراً «سعر تذكرة المسرح الخاص ارتفع جداً فى هذه الفترة، وأصبح فوق متناول الأسرة المصرية، فأقل تذكرة قطاع خاص فى حدود 200 جنيه، ويعوضها البعض بالذهاب إلى السينما بربع التكلفة».

{long_qoute_1}

وتابع «دوارة»: «السياحة العربية لم تعد ترتاد المسرح كما كانت فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى، وأصبحت تفضل الفضائيات والملاهى الليلية، أى أن المسرح فقد جمهور السياحة العربية، كما أننا فقدنا نوعاً ثالثاً من الجمهور، الذى ظهر فى فترة الرواج الاقتصادى، وهم طبقة العمالة المصرية فى الدول العربية، والتى كان يفضل معظمها قضاء عدة أيام من إجازته فى القاهرة والذهاب إلى المسارح».

وأضاف «دوارة» لـ«الوطن»: «من جانب آخر فأسعار نجوم المسرح أصبحت عالية جداً، كما أن إيجار المسارح مرتفع للغاية فأصبح المنتج المسرحى يخشى توظيف أمواله فى إنتاج عروض مسرحية مكلفة، ولا يستطيع أن يعوضها مستقبلاً، ومن يرغب فى الإنتاج حالياً يعتمد على نجم مثل محمد رمضان، يتمتع بشعبية كبيرة ومعه عدد من فنانى الصف الثانى، وعلى الرغم من ذلك لا يقدم العرض يومياً، فهو لن يجد كل يوم إقبالاً جماهيرياً كبيراً قادراً على دفع تكاليف التذاكر».

وتحدث «دوارة» عما آلت إليه دور العرض المسرحى، قائلاً: «لهذه الأسباب نجد أن المنتج لا يغامر بإنتاج أعمال جديدة، ونصف دار العرض المسرحى تحولت إلى سينمات، لأن السينما تحقق أرباحاً أكثر بالنسبة للمنتج، من خلال تقديم أكثر من عرض فى اليوم الواحد، والنصف الثانى من المسارح تم تحويلها إلى مشروعات تجارية تستقطب فرق الهواة وتستغل عشقهم للفن، ويتحايل الطرفان على القانون، الذى ينص على أن عروض هذه الفرق مجانية، لأنهم غير أعضاء بالنقابة وليس من حقهم الحصول على أجور من الجماهير».

وقال الناقد المسرحى أحمد خميس، إن «فكرة مسارح القطاع الخاص مثل مسرح النجم مثل عادل إمام، أو سمير غانم انتهت، بسبب ضعف المردود المادى منها مقارنة بعائد الدراما، فلم تعد لدى النجم نفسه رغبة فى العمل المسرحى، وهو ما أضعف الإقبال عليه، فأحجم المنتجون عن تقديم عروض جديدة».

وأضاف «خميس» لـ«الوطن»: «هناك خلل كبير والحل يبدأ من النجم الذى يكون لديه رغبة حقيقية فى تقديم عمل مسرحى حقيقى، كما هى الآلية المعمول بها فى صنع الدراما، وحدث ذلك فى تجربة الفنان يحيى الفخرانى فى عرضه الأخير على المسرح القومى، فوجود عدد كبير من العروض أمر جيد وفى صالح الحركة المسرحية التى تقدم أطروحات متنوعة، وهو ما قد يحدث حالة من الرواج، وأتمنى وجود قانون يمنع استغلال المسارح فى أعمال أخرى، فلن يخسر المنتج عندما يقدم عملاً جيداً للجمهور على مسرحه».

وتحدث المنتج محيى زايد، صاحب مسرح «ليسيه الحرية»، عن أحوال الحركة المسرحية ومسرحه بشكل خاص، قائلاً: «ليسيه تعرض لحادث حريق فبراير 2017، ووقعت خسائر تقدر بملايين الجنيهات، وهذه ليست المرة الأولى، فقد توقف نشاطنا بعد أحداث 25 يناير 2011، حينما تم إغلاق شارع الشيخ ريحان الموجود به المسرح، وكنا وقتها نعرض مسرحية سمير غانم (ترالم لم)، وعندما تم فتح الشارع فى 2016، عدنا لأنشطتنا مرة أخرى، وأنتجنا مسرحية (حارة العوالم) للفنانة فيفى عبده، ومسرحية (العيال تكسب)، التى تم عرضها فى ليلة رأس السنة 2017».

وأكد «زايد» أنه غير مستعد من الناحية المادية فى الوقت الحالى لإعادة ترميم مسرحه، ولا سيما أنه تحمل بمفرده الخسائر الناتجة عن حادث الحريق، متابعاً: «أنا فى الأصل منتج فيديو، لذلك اتجهت إلى هذا المجال حالياً، دون التفكير فى مشكلات المسرح».

وأشار المنتج محمد فوزى، مالك مسرح «محمد فوزى»، إلى أن انكماش الحركة المسرحية يعود إلى أسباب اقتصادية فى المقام الأول، قائلاً: «تكلفة المسرح أصبحت عالية، وسوء الحالة الأمنية فى البلاد عقب الأحداث التى مرت بها بعد 2011، كان السبب الرئيسى وراء إغلاق معظم المسارح، فالفترة كانت عصيبة على مختلف أوجه الحياة بمصر، ولم يتبق لدينا إلا مسارح التليفزيون، بالإضافة إلى اتجاه النجوم إلى التليفزيون والسينما حتى يضمنوا لأنفسهم عائداً مادياً مناسباً».

وأضاف: «أعتقد أن المسارح ستعود إلى العمل قريباً، فالمسألة الأمنية اختلفت وأصبحنا أكثر استقراراً، والمسرحيون وأصحاب المسرح يرغبون فى العودة لمزاولة مهنتهم، كما أننى بصدد إعداد دراسة معينة لإعادة تشغيل المسرح من جديد، لنتمكن من اللحاق بالموسم الشتوى المقبل، وإنتاج عروض مسرحية جديدة».


مواضيع متعلقة