قطارات بوجى وطمطم

أما البوجى فهو سبب الحادث الأخير -حتى الآن- لقطارات السكة الحديد، الذى راح ضحيته -حتى الآن- نحو عشرين قتيلاً وعدد آخر من الجرحى. وأما الطمطم فهى الطرمخة الأزلية على الأحوال الخائبة لهيئة السكة الحديد. يرأس السكة الحديد فى الوقت الراهن شخص من السادة، الذين يختارهم ناس «أسَيْد» منهم لاعتبارات شخصية لا علاقة لها بالكفاءة من قريب أو بعيد، هكذا يقول العاملون بالهيئة والعاملون بالطرق الملتوية لاختيار القيادات، وهكذا يقول أيضاً حال القطارات التى لا يعلم إلا الله متى يتحرك أىّ منها ومتى يصل إلى المحطة النهائية!

السكة الحديد تابعة لوزارة النقل، وعلى رأس هذه الوزارة فى الحكومة الحالية شخص يعشق الصور والميكروفونات والتصريحات اليومية لكل وسائل الإعلام، فى كل يوم نطالع صورته وهو يستقبل أحد القطارات، ثم نشاهده بجوار سائق أحد القطارات فى كابينة القيادة بالجرار، ثم نسمعه يقول: إن الهيئة تعاقدت على مائة جرار، ثم يقول فى اليوم التالى: إن الهيئة سوف تشترى 1300 عربة قطارات جديدة، ثم يقول فى اليوم الثالث: إن التذاكر رخيصة جداً وسوف نضاعف أسعارها، ثم يقول فى اليوم الرابع: إن كهربة الإشارات وصلت حتى بركة السبع، ثم يقول فى اليوم الخامس: إن الهيئة سوف تحاكم السائق «اللى بيشرب حشيش»، ثم يقول فى اليوم السادس: إن الوزارة قضت على السوق السوداء فى التذاكر، وبين كل تصريح وآخر يُدلى معالى الوزير بتصريح ثابت يقول فيه: إن حركة القطارات انتظمت بالكامل فى الوجهين القبلى والبحرى!

السكة الحديد -خسائر الهيئات والمؤسسات فى هذا البلد- تحتشد بآلاف من البشر الذين شغلوا وظائفهم بالواسطة والتوريث وجهود السادة نواب مجلس الشعب الذين يخدمون أبناء دوائرهم بوظائف فى الجهات التى يعملون بها، ومنهم نائب واحد من إحدى دوائر الشرقية قام بتعيين قرى كاملة فى السكة الحديد، مثلما كان يفعل كمال الشاذلى وهو يصنع إمبراطورية للقضاة ووكلاء النيابة وضباط الشرطة فى دائرة الباجور!

هيئة السكة الحديد متخمة بموظفين لا يعملون، ومهندسين بلا كفاءة ولا خبرة، وقيادات لا تصلح لإدارة دورة مياه عمومية، وعشوائيات إدارية وفنية لا حدود لها، فى عهد الوزير «منصور شيفروليه» استوردت الهيئة عدداً كبيراً من الجرارات الأمريكانى، ثم قالت بعد وصول الجرارات إنها غير صالحة للاستخدام الآدمى، لأن رصيف المحطة المصرية يختلف عن نظيره عند الأمريكان!! وعقب أحد حوادث القطارات قام أهل الخير فى الخليج العربى بإهداء مصر عدداً من الجرارات الجديدة التى قيل أيضاً إنها غير صالحة للعمل فى الأجواء المصرية!! وقامت إحدى دول اسكندنافيا بإهداء مصر مائتى عربة قطار بالمجان، ولكنّ مسئولى السكة الحديد رفضوا تسلّمها، لأنها صفقة بلا عمولات! وهذا الكلام قالته مصادر فى الدولة صاحبة الهدية ساخرةً ومتعجبةً من أحوال المصريين!

العاملون فى السكة الحديد يقولون إن مهندسى الهيئة عاجزون عن التعامل مع الجرارات وإصلاح أعطالها، وإنهم يلجأون إلى تكهين أى جرار يتوقف عن العمل، ويقولون إن الهيئة تستضيف كل عام أحد المهندسين الألمان حتى يتولى بنفسه مهمة إصلاح الجرارات التى فشل المصريون فى التعامل معها.

موارد الهيئة ضائعة بين آلاف الركاب الذين لا يدفعون ثمن التذاكر كل يوم وكل رحلة، وبين آلاف آخرين يركبون بالمجان كل يوم بصفة رسمية، لأنهم قضاة أو ضباط أو من العاملين بالهيئة أو من أصحاب أو أقارب أو جيران الكمسارى أو السائق أو ناظر المحطة! وهناك قطارات أو عربات مكيّفة يحتلها بالكامل عمال وموظفو الهيئة، خاصة فى المواعيد المبكرة المتجهة من المحافظات إلى ورش الهيئة بالقاهرة. المجاملات والعشوائية والفساد تحرق هذا المرفق، ولا أحد من السادة الكبار يحاول اختراق الأزمة وتقصّى أسبابها والعمل على إصلاحها جذرياً دون الاستعانة بأحد السادة اللواءات، ليحل محل اللواء الذى سبقه، أو الاستعانة بمهندس كفء يحاول إدارتها بالحق والحزم، فيرد عليه السائقون والعمال بالإضراب والاعتصام وتعطيل القطارات. ابحثوا عن وزير جديد يتعامل مع مشكلات السكة الحديد دون مصورين وكاميرات وميكروفونات وحاشية وأونطة، ابحثوا عن شخص كفء محترم، وقدموا له كل المساعدات وكل الدعم الذى يطلبه، واسألوا الركاب الدائمين عن الأسباب الحقيقية لتدهور هذا المرفق، واسألوا صغار العاملين والفنيين ورؤساء القطارات عن رأيهم فى السياسة التى تُدار بها الهيئة، ابحثوا عن حل جذرى لمشكلات السكة الحديد أو اطلبوا من رئيس الجمهورية أن يتدخل لإصلاح هذا المرفق الحيوى بنفسه، مثلما يتدخل لتنفيذ كل المشروعات الأخرى، فلا نشهد فيها حوادث ولا ضحايا ولا عشوائيات.