«جامعة القاهرة»: الأسرّة والحضّانات «كاملة العدد».. والمرضى الجدد يفترشون الطرقات

كتب: أميرة فكرى وأحمد أبوضيف

«جامعة القاهرة»: الأسرّة والحضّانات «كاملة العدد».. والمرضى الجدد يفترشون الطرقات

«جامعة القاهرة»: الأسرّة والحضّانات «كاملة العدد».. والمرضى الجدد يفترشون الطرقات

يظهر ما تعانيه مستشفيات جامعة القاهرة من إهمال وواقع متردٍ بمجرد إجراء جولة سريعة بها، حيث الطرقات مكتظة بالمرضى فى «قوائم انتظار» طويلة، والأسرّة قد امتلأت عن آخرها بالمصابين بأمراض متنوعة، والأجهزة تفتقد الجاهزية لاستقبال المرضى، حتى العلاج الاقتصادى الذى يدفع فيه المريض آلاف الجنيهات، وضعت له شروطاً قاسية، كثيراً ما تكون بوابة لـ«الموت السريع»، وتكفى حالة الطفل «محروس أحمد محروس»، الذى توفى بعد أسبوعين فقط من مولده، لتكشف عن حقيقة الواقع الطبى فى «أبوالريش» للأطفال، بعد رفض المستشفى قبول حالته فى القسمين «المجانى والاقتصادى» مرة لعدم وجود أماكن خالية فى الحضانات ومرة أخرى لاشتراط وجود طبيب من خارج المستشفى لمتابعة الحالة.

وقامت «الوطن» بجولة عن قرب لحالة الطفل «محروس» الذى ولد وهو مصاب بثقب فى القلب ومياه على المخ، إذ ذهب والده إلى مستشفى أبوالريش طالباً حجزه، فردوا عليه فى طوارئ القسم المجانى بعدم وجود أماكن، والمستشفى مكتظ بالأطفال، ولأنه كان مستعداً لعلاجه بأى ثمن، وإبلاغ الأطباء المعالجين لحالته بأن صحته تتدهور، طلب من المستشفى حجزه فى الرعاية المركزة بالقسم الاقتصادى على أن يتحمل هو كل التكاليف، وكانت الصدمة أن المستشفى رفض بحجة أن الطفل لم يتم تحويله من عيادة خاصة، ولا يوجد طبيب استشارى من إحدى العيادات يشرف عليه ويتابع حالته، وعندما سأل والد الطفل عن السبب، ردوا عليه بأن هناك تعليمات بعدم قبول أطفال المخ والأعصاب دون أن يتم تحويلها من استشارى فى عيادة خاصة يتولى حالته بعد حجزه لأنه لا توجد أطباء مخ وأعصاب فى القسم الاقتصادى، وبين كل هذه المحاولات والتوسلات من والد الطفل لإدارة المستشفى توفى هذا الصغير لحظة ما كان الأب يتوسل للإدارة.

{long_qoute_1}

وعلى مقربة من القسم الاقتصادى كانت الأسر الفقيرة تفترش الأرض فى طرقات الأقسام المجانية بأدوارها المختلفة، فى حين خلا من المرضى وأسرهم لوجود شرط يتمثل فى ضرورة أن يكون هناك طبيب خارجى مسئول عن الحالة وكأن مبنى المستشفى بمثابة فندق يقيم فيه الطفل ولا علاقة للمستشفى بأى شىء يخصه سوى تحصيل تكلفة الإقامة.

وقالت إحدى الممرضات بالقسم الاقتصادى، لـ«الوطن»، إنها «سمحت بدخول حالة طفل لظرف إنسانى، لكنها تجلس إلى جواره لا حول لها ولا قوة، إذ لا يوجد طبيب يتابع حالته، ولم ينفذ والده شرط الاستعانة باستشارى من الخارج للتواصل معه ليأتى ويتابعه، وأنتظر وفاته فى أى لحظة، أما باقى الأطفال فهم تابعون لاستشاريين من الخارج، وأكتفى فقط بالاتصال بهم لكتابة العلاج هاتفياً أو سؤالهم عن إجراءات علاجه إذا ساءت حالته».

وجوه بائسة فى كل مكان بالمستشفى، أطفال وأسر وأطباء، و«قلة الإمكانيات» شعار يرفعه «الجميع»، وعبارة «مفيش مكان للحجز» جاهزة على أفواه كل المسئولين بالمستشفى قبل أن ينطقوا بها، حتى صرخات الصغار لا تغنى ولا تسمن من جوع، فأم الطفل «محمد رزق» المحتجز منذ 10 أيام فى القسم المجانى تقضى يومها فى غرفة ضيقة محتجز بها 5 أطفال والكل مكدس بجوار بعضه، وتقول: «بعد عناء دخلنا المستشفى، وبعناء شديد نستدعى أطقم التمريض لمتابعة الحالة.. ارحمونا يرحمكم الله».

{long_qoute_2}

فيما يجلس «عمرو السيد» أمام ‏مستشفى أبوالريش منذ يومين فى انتظار خلو مكان بالحضانات لابنه الذى يعانى من نزيف بالمخ، ويحتاج إلى جراحة عاجلة، وسرير رعاية جراحة، ولم تتلخص المأساة فى عدم وجود مكان فقط، فنقص الأدوية يزيد.

أما فى مستشفى «قصر العينى» فكل المداخل قد تفضى إلى الموت بعد المرور بمعاناة كبيرة من صعوبة الألم، وأعداد مهولة من المرضى تنتظر العلاج والكشف عبر طابور انتظار طويل يصل لأمتار تتعدى العشرات من المرضى، فى ظل وجود أجهزة طبية خارج نطاق الخدمة.

وكانت الساعة تشير إلى 11 صباحاً، عندما شهد محيط العيادات الخارجية بمستشفى قصر العينى زحاماً من المرضى على أبواب ومداخل العيادات من باطنة وجراحة وأنف وأذن وحنجرة، وافترش عشرات منهم أقسام «الأشعة»، انتظاراً لدورهم فى عمل الفحوصات اللازمة لهم لتقديمها للأطباء للحصول على العلاج، ورصدت «الوطن» وجود عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، تشاركوا جميعاً فى صرخات «آه» من شدة المرض.

وداخل المستشفيات، رصدت «الوطن» نموذجاً للوضع المؤلم داخل عدد من العيادات، خاصة بعد شكاوى بعض المرضى من وجود أزمات تمثلت فى نقص بعض الأدوية والمستلزمات، وكذلك ذهاب بعضهم للخارج لإجراء تحاليل خاصة بأمراض الجهاز الهضمى، والمصابين بفيروس «سى»، وكذلك الأشعة الخاصة بـ«القلب والعظام».

وفى ساحة انتظار «عيادة الباطنة»، جلس «على محمود»، يضرب كفاً على كف، حيث يعانى من «فيروس سى»، وقال: «حسبى الله ونعم الوكيل، مستشفى كبير وفى قلب العاصمة ومفيهاش تحاليل للدم، ويخلونى أحلل بره، والممرضة قالت لى (إحنا بنعمل صيانة لعدد من الأجهزة)»، مضيفاً أنه جاء من «حلوان» للكشف وإجراء التحاليل لأخذ العلاج اللازم، بعد أن واجه صعوبة فى جمع تكاليف العلاج بالخارج، مشيراً إلى أن هناك بعض المعاملات السيئة التى واجهها من قبل طاقم التمريض.

وعلق ممدوح ضاحى، المقيم بعزبة خيرالله، التابعة لحى دار السلام، قائلاً: «أصبت منذ فترة بكسر فى قدمى اليسرى، وتم علاجى منها بعد ما ركبوا شريحة، وجئت إلى المستشفى للكشف بعد أن أصابتنى بعض الآلام فى مكان العملية، وفوجئت أنهم طلبوا منى عمل أشعة خارج المستشفى، بحجة أن هناك عطل مفاجئ أصاب الجهاز»، وأكد «ممدوح» أن «هناك العديد من الأهالى يواجهون اليوم مراراً وتكراراً أزمات فى العيادات لنقص بعض المستلزمات، وطلب إجراء عدد من التحاليل والأشعات خارج أبواب المستشفى».

وقالت سامية على، وهى بصحبة زوجها المريض خالد عبدالبارى، أمام قسم الاستقبال فى انتظار دوره فى العلاج رغم معاناته الشديدة من المرض، إنها توجهت للاستقبال بعد أن وجدت طابوراً كبيراً للانتظار على عيادات الباطنة، وسط إهمال شديد من قبل طاقم التمريض والأطباء لظروف المرضى.

وقال محمد عبدالسلام، المقبل من مركز «الواسطى ببنى سويف»، إنه «تم تحويله من التأمين الصحى لمستشفيات قصر العينى، لإجراء عملية القسطرة، ولم يستغرق وقتاً طويلاً فى إنهاء إجراءات وأوراق العلاج على نفقة التأمين»، منوهاً بأن المعاناة الوحيدة التى لاقاها بالمستشفيات هى إهمال العاملين والأطباء له، مستطرداً حديثه، قائلاً: «الدكتور قالى هتنتظر شوية على قوائم الانتظار، لأن عندنا نقص شديد فى المستلزمات يا حاج والناس كتير».

واشتكى مصطفى محمود، من المرج، أنه جاء لـ«قصر العينى»، بعد أن وجد صعوبة ومعاملة غير آدمية فى قسم الباطنة بمستشفيات «الدمرداش»، لعمل عملية «حصوة على المرارة»، مشيراً إلى أنه لاقى فى المستشفيات نفس المشاكل المتمثلة فى التكدس الشديد من قبل المرضى الذين يعانون من مشاكل متعددة، قائلاً: «جيت على هنا عشان أستريح، فتعبت أكتر، وليّا أكتر من شهر رايح جاى بلا فائدة، وتعب وأوراق وغير كده كل ما أعوز أعمل تحليل أو إشاعة يقولولى اعملها بره وهاتها».

وقال محمد مجدى، والد مريض محجوز بالمستشفى قسم الصدر، إن «الباعة الجائلين داخل مستشفيات الدمرداش وبجوار الأبواب الرئيسية أشبه بالسرطان الذى ينتشر فى وقت ولحظة»، مشيراً إلى أن الأصوات الصادرة من الأسواق المجاورة للمستشفيات تؤرق المرضى، وأنه تحدث مع أحد قياداتها بخصوص الأسواق العشوائية خاصة أن مستشفى الدمرداش بموقعه المميز له دور مهم فى خدمة المواطنين، وقال: «هنعمل إيه، خاطبنا المحافظة والمسئولين أكثر من مرة ولم نلق اهتماماً».


مواضيع متعلقة