أهالى «القرية السعيدة» فى بنى سويف: لا «طرنشات» ولا «مجارى طافحة»

كتب: عمرو رجب

أهالى «القرية السعيدة» فى بنى سويف: لا «طرنشات» ولا «مجارى طافحة»

أهالى «القرية السعيدة» فى بنى سويف: لا «طرنشات» ولا «مجارى طافحة»

5 آلاف مواطن هم مجموع أهالى قرية «البساتين» التابعة لمركز بنى سويف، تحولت حياتهم من جحيم ومشاجرات بين الأهالى يومياً إلى سعادة وتعاون فيما بينهم، بعد تشغيل محطة الصرف الصحى بالقرية بنظام المعالجة الثلاثية، لتصبح «البساتين» أول قرية مصرية تقضى على مشكلة المياه الجوفية والصرف الصحى، بنظام معالجة المياه ثلاثياً، وتتحول مياه المجارى والصرف إلى مياه صالحة للزراعة والرى واستخدامات أخرى.

قصص كثيرة عاشتها القرية عقوداً وسنوات طويلة نتيجة مياه المجارى، وبسبب خزانات «طرنشات» المنازل التى كانت بمثابة جحيم للأهالى حتى فكر بعضهم فى مغادرتها والإقامة فى مناطق أخرى، بسبب رشح المياه فى الحوائط والأرضيات وما تبعها من تصدعات فى المبانى، بالإضافة إلى تجمع مياه الخزانات ذات الروائح الكريهة داخل المنازل وفى الشوارع وانتشار الحشرات والذباب وإصابة الأطفال بالأمراض التنفسية. وفى داخل المحطة يعمل 8 عاملين على مدار اليوم لتشغيلها، وصيانة وإصلاح أى عطل مفاجئ قد يحدث فى الماكينات أو المضخات وغيرها، تحت إشراف مهندس متخصص فى محطات معالجة المياه الثلاثية، أحدهم يرتدى الزى الرسمى يتنقل داخل المحطة يميناً ويساراً لمتابعة سير العمل يرافقه زميل آخر له، يتبادلان الحديث، ويختبران جودة المياه المنتجة من المحطة بعد المعالجة. «والله الميّه اللى خارجة من المحطة تتشرب وناس شربتها بينهم الخبير اللى وصل لمتابعة المحطة قبل تشغيلها النهائى»، هكذا قال أحد العاملين فى المحطة بسعادة بالغة تُظهر فرحتهم بنجاح تشغيلها وجودة المياه المنتجة منها.

{long_qoute_1}

وأضاف حسن سعيد حسن على، فنى تشغيل محطة عزبة البساتين للصرف الصحى والمعالجة الثلاثية للمياه ومقيم فى مركز «سمسطا» بالمحافظة، لـ«الوطن» إن «محطات الـB R» تتميز بجودة المياه المنتجة منها بدون رائحة وبدون ذباب أو حشرات تتجمع داخل المحطة عكس المحطات العادية أو محطات المعالجة الثنائية، بالإضافة إلى صلاحية المياه المنتجة للزراعة أو الاستخدام الآدمى، وقد عملت لفترة طويلة كفنى تشغيل محطات المعالجة الثلاثية فى عدد من القرى السياحية فى شرم الشيخ ومطروح والعين السخنة، إلا أنه وفور معرفتى ببدء العمل بهذه المحطات فى مسقط رأسى «بنى سويف»، تقدمت بأوراقى على الفور للعمل معهم لرغبتى فى الإقامة برفقة أسرتى المكونة من زوجتى وأطفالى الثلاثة، وقلت لنفسى كفاية اغتراب ولف فى البلاد مفيش أحسن من الإقامة بجانب أسرتى، والحمد لله بقى لى مرتب ثابت ويكفى احتياجات أسرتى وفاتح بيتى». من جانبه، قال محمد محمود، 28 سنة، عامل بالمحطة، إن «محطة البساتين تحمل لى فرحتين أولاهما لأنى عملت بها، بعد أن كنت أعمل فى مهنة منجد بلدى، وعقب اتجاه المواطنين إلى الشغل الإفرنجى، أصبحت بلا عمل بعد 10 سنوات من العمل بهذه المهنة، حتى أتيحت لى فرصة العمل بالمحطة كعامل، مقابل مرتب محترم»، وأضاف «محمد»: «والاستفادة الأخرى تتمثل فى توصيل خدمة الصرف الصحى لمنزلى بصفتى أحد أبناء القرية، حيث قضت المحطة على كل مشاكل الصرف الصحى التى كانت تعانى منها القرية على مر العصور، وتجمعات مياه الخزانات التى كانت تملأ المنازل والشوارع، وتوفير نفقات كسح المياه وغيرها من مشاكل الصرف التى كانت تعانى منها القرية».

من جهة أخرى، يعيش أهالى قرية «البساتين» حالياً حالة سعادة بعد إنهاء مشكلة الصرف الصحى فى القرية، وقالت نسيمة عبدالتواب عبدالرحمن، إحدى سيدات القرية: «الناس كلها بتحسدنا على حل مشكلتنا الرئيسية فى البلد بعد أن قضينا حياتنا كلها منذ طفولتنا ونحن نغرق فى مياه المجارى، والقرية كلها استفادت من مشروع محطة الصرف الصحى، دلوقت بنقدر نغسل اللى عايزينه فى بيتنا وبطلنا نروح الترعة نغسل فيها، وألغينا خزانات المجارى وردمناها لأننا لسنا بحاجة إليها بعد تشغيل المحطة، وتابعت «نسيمة»: «ولسنوات طويلة تقدمنا بأوراق وشكاوى لإدخال خدمة الصرف الصحى بالقرية دون استجابة من أحد، إلا أنه فى الفترة الأخيرة وعقب تقدمنا بشكاوى للمهندس شريف حبيب، المحافظ الحالى، وعدنا المحافظ بتشغيل محطة صرف صحى عالمية فى القرية، الحمد لله ربنا رحمنا من مياه المجارى ورشح الحوائط والأرضيات وردمها وتكاليف كسح المياه من المنازل، والذباب والحشرات والروائح الكريهة».

{long_qoute_2}

فيما قال محمد رفعت عبدالرحمن «كنا نشكو من مشاكل الصرف الصحى فى القرية، ومن رشح المياه بالمنازل، التى تسببت فى وجود شروخ وبعض التصدعات فى الحوائط نتيجة للمياه الجوفية، حتى استجابت إحدى المؤسسات الأهلية بالتعاون مع محافظ بنى سويف وتدخلت لحل هذه المشكلة، من خلال إنشاء مشروع محطة الصرف الصحى بالبساتين للمعالجة الثلاثية، وبالفعل تم إنشاؤها فى فترة وجيزة وعلى نفقة هذه المؤسسة»، وأوضح «محمد» أن «المحطة دى رحمت الأهالى من مشاكل كثيرة وحلت أزمات ظلت تعانى منها القرية لسنوات وعقود دون حل، يكفى الحياة غير الآدمية التى كانت تعيش فيها القرية، وتكاليف كسح المياه، والروائح الكريهة الناتجة من طرنشات المنازل».

من جهتها، قالت رجاء ربيع عبدالوهاب، إحدى سيدات «البساتين»: «عانيت فترات طويلة من رشح المياه بمنزلنا، ولا نستطيع غسيل الملابس إلا مرة فى الأسبوع، ويومياً نضطر لأن نفرغ خزان المياه المنزلى فى الشارع، أو كسحه بواسطة سيارات الوحدة المحلية مقابل مبلغ مالى، وكان موظفو الوحدة المحلية إذا تجاوبوا وحضروا مرة أسبوعياً لا يأتون فى الأسبوع الثانى، حتى وصلنا لمرحلة عدم القدرة على السير فى الشوارع بسبب تجمعات ومستنقعات المياه الناتجة من خزانات المنازل، والآن نستطيع غسل الملابس والأوانى أكثر من مرة فى اليوم، بعد إنشاء محطة الصرف الصحى، التى مثلت خيراً كبيراً لأهالى القرية، وراحة لكل الأسر، خاصة السيدات والأطفال».

وقالت «سلمى أحمد عاشور»، إحدى سيدات القرية: «عانيت طيلة عمرى من رشح مياه الخزان فى الحوائط وأرضيات المنزل، وما بين فترة وأخرى نضطر إلى ترميم حوائط المنزل بالأسمنت، ولا نستطيع الجلوس داخل المنزل، ونضطر إلى طلب سيارات كسح المياه سواء الأهلية أو التابعة للوحدة المحلية، لكسح المياه مقابل مبالغ تصل إلى 40 جنيهاً فى المرة الواحدة، بمعدل 80 جنيهاً فى الأسبوع، وأحياناً مع عدم وصول سيارة الكسح نضطر إلى فتح الخزان وتفريغه فى الشارع وندخل فى مشادات ومشاجرات مع الجيران، بسبب الروائح الكريهة التى تخرج من الخزانات بعد تفريغها فى الشارع، أما الآن فنحن نعيش فى نظافة دون روائح كريهة أو حشرات، والسيدات سعيدات بتنظيف الملابس والأوانى يومياً دون مشاكل أو تحمل عناء كسح المياه والخوف من امتلاء الخزان وما يتبعه من كسح وتفريغ».

{long_qoute_3}

من جهة ثانية، قال محمود عبدالخالق مهدى، موظف، «الدولة أنقذتنا من مشكلة الصرف الصحى بإنشاء محطة معالجة المياه الثلاثية، وقبل إنشاء المحطة لا يمر أسبوعان قبل أن نستدعى سيارات كسح المياه لشفط الخزانات بتكلفة تتعدى أكثر من مائة جنيه أسبوعياً، ناهيك عن الرائحة الكريهة التى كانت تملأ المنازل، ومدى حرص سيدات القرية على استهلاك المياه والغسيل وتنظيف الملابس وغيرها، بالإضافة إلى الراحة النفسية التى نعيشها الآن بعد حياة الجحيم التى ظللنا سنوات من عمرنا نعيشها رغم أنفنا».

وفى السياق، قال محمد جمال قرنى، طالب جامعى وأحد أهالى القرية: «قريتنا أصبحت أسعد قرية فى مركز بنى سويف، لأن أول تجربة لمحطات معالجة مياه الصرف الصحى بالنظام الثلاثى بدأت من البساتين، وقد جلست مع القيادات بالمحافظة ومؤسسة نهضة بنى سويف صاحبة التبرع بتمويل المشروع بما يزيد على 6 ملايين جنيه، ودرسنا فائدة هذه النوعية من المحطات، حيث تبين أنها تحتاج إلى مساحة أقل بكثير من الطريقة التقليدية، وتقلل تكلفة الإنشاء، بالإضافة إلى أن المياه المنتجة منها ذات جودة عالية جداً، ويمكن إعادة استخدامها مرة أخرى فى الزراعة أو الأغراض الصناعية، كما أنها لا تحدث ضوضاء، ويمكن تشغيلها فى أماكن قريبة جداً من الكتلة السكنية، بالإضافة إلى عدم وجود رائحة لهذه المحطات، حيث تعد صديقة للبيئة، وعدم الحاجة إلى نقطة التخلص مثل الغابات الشجرية، أو توفير أراض كبيرة لمحطات الرفع، وسهولة التشغيل حيث لا تتطلب عدداً كبيراً من المشغلين، فضلاً عن أن هذا النوع من المعالجة معتمد من الوكالة الأمريكية للبيئة ومنظمة الصحة العالمية».

فى المقابل، قال المهندس شريف حبيب، محافظ بنى سويف لـ«الوطن»: القرية كانت تعانى من مشكلة الصرف الصحى الذى أثر بالسلب على بيئة وصحة المواطن، مشيراً إلى مراحل تنفيذ التجربة التى أعطت نتائج متميزة أهمها جودة المياه المنتجة، ومطابقتها للمواصفات، فضلاً عن مدة التنفيذ القياسية فى 9 أشهر فقط شاملة التصميم واستيراد الأغشية، وهى مدة قليلة مقارنة بما يتم فى المشروعات التى يتم تنفيذها بالطرق التقليدية، وتم تصنيع المحطة محلياً بنسبة 85% ما قلل التكلفة، بالإضافة إلى أن التنفيذ تم بالمشاركة المجتمعية بالكامل شاملة الأرض فى شكل تبرع من الأهالى، والتصميم والتمويل، والإشراف الفنى، فضلاً عن إتاحة عدد من فرص العمل.

من جهة ثانية، قال الدكتور أشرف فاروق عويس، نائب رئيس مجلس أمناء «مؤسسة نهضة بنى سويف الخيرية»، الجهة الممولة للمشروع: «المؤسسة تولى اهتماماً كبيراً بمشروعات الصرف الصحى حالياً، من أجل وقاية المواطنين من تلوث البيئة والأمراض التى تصيبهم، بالإضافة إلى تقليل نسبة تلوث المياه، وحماية المنازل من التصدعات والتشققات التى تصيبها نتيجة المياه الجوفية، بالإضافة إلى مساعدة الدولة على تجديد البنية الأساسية فى القرى والمدن.


مواضيع متعلقة