تُعرف القمة العالمية للحكومات بمدينة دبى الإماراتية نفسها كونها منصّة لتبادل المعرفة فى مجالات الحكومات واستشراف المستقبل والتكنولوجيا والابتكار، ومركزاً للتواصل بين صناع القرار والخبراء والروّاد فى مجال التنمية البشرية، وبوابة للمستقبل، ومنصّة لتحليل الاتجاهات المستقبلية والمشاكل والفرص التى تواجه الإنسانية، وهى أيضاً فرصة لعرض الابتكارات وأفضل الممارسات والحلول الذكية لإلهام الابتكار ولمواجهة هذه التحديات فى المستقبل.
شارك بالقمة، فى دورتها السادسة هذا العام، 16 منظمة دولية، و140 دولة، و4 آلاف مشارك، وأكثر من 26 رئيس دولة، ووزراء ورؤساء منظمات، كما ضمت 120 جلسة رئيسية، إلى جانب مشاركة نخبة من كبار القادة وصناع القرار والخبراء والمفكّرين من القطاعين الحكومى والخاص حول العالم، وقد تشرفت بأننى كنت الأسبوع الماضى أحد المدعوين إليها.
عبر متابعة معمقة لوسائل الإعلام الإماراتية بأنواعها لم أجد أى تساؤلات من النوعية الآتية: (من الذى يتحمل تكاليف المؤتمرات؟ ما فائدة المؤتمرات؟ هل المؤتمرات تحل المشكلات؟).. هناك يفهمون ما نردده دوماً من أن المؤتمرات فرصة تواصل وطريقة لطرح الرؤى وتبادل الخبرات وتقديم التوصيات، كما أنها تساهم فى رسم الصورة القومية للدول خارجياً، وترفع الروح المعنوية داخلياً.. فى الإمارات يفهمون بشكل شديد الوضوح أن المؤتمرات وسيلة وليست غاية، وأنها نقطة التقاء وليست آلية إصلاح، وبالتالى لا مجال لأية أسئلة وجودية مما تثار عندنا فى مصر.
رغم أن المقارنات عادة ما تسبب الضيق، لكن المقارنة المرجعية أمر مهم، ويُقصد بها عملية قياس مستمرة ومقارنة بين مؤسسة معينة ومؤسسة أخرى فى المجال نفسه (مع توحيد الظروف والإمكانات)، ورغم أن ما بين الأقواس غير متوافر، لكن من حضر المؤتمرات المصرية المتعاقبة، وكذلك القمة العالمية للحكومات بالإمارات، سيعرف دون صعوبة أننا لا نختلف عنهم لا فى التنظيم ولا فى الإمكانات، فالمشكلة ليست مثلاً فى نوع الطعام المُقدم فى الـ«أوبن بوفيه»، ولا فى سرعة الإنترنت اللاسلكى بقاعات المؤتمر، ولا فى فخامة الفنادق وجودة الخدمات بها، كل هذا عندنا. الأزمة الحقيقية فى المحتوى؛ ضيوف المؤتمر كانوا من طراز رفيع، وبالتالى قالوا كلاماً مهماً كل فى مجاله، يكفى فقط أن تعرف أن المتحدثين كانوا من عينة عالم الفيزياء اللامع «ميتشو كوكو»، والفيلسوف الشهير «فرنسيس فوكوياما»، والاقتصادى الأشهر «جيفرى ساكس».. هؤلاء الضيوف وغيرهم نتج عنهم محتوى قوى ومتماسك ومفيد جعل من فكرة «التزويغ» من فعاليات المؤتمر أو الملل منه أمراً غير وارد، فالجلوس فى حضرة هؤلاء لن يتكرر مرتين فى العمر، والاستماع إليهم والاستفادة منهم تجربة إنسانية فريدة وفرتها دبى، لتجمع بين الشكل المبهر والمضمون المفيد.
هناك ملاحظة أخرى كبيرة تؤخذ على مؤتمراتنا، وتتعلق بنوعية المحاورين (عادة نأتى بمذيعى القنوات المصرية ممن يحفظون «الاسكريبت» قبل الظهور على الهواء).. فى دبى كان المحاورون من قنوات عالمية مثل الـ«سى إن إن» الأمريكية، كما أنك ستنبهر، وربما تتحسر، من المستوى المتقدم جداً لمذيعى تليفزيون دبى.. اهتممنا بالشكل فوصلنا إلى درجة عالية فيه، بقى أن نهتم بالمضمون لنجمع بين الحسنيين.